الحركة سنة الحياة


الحركة سنة من سنن الحياة وناموس من نواميس الطبيعة وهي ابرز مظاهر الحياة وأخص خصائص الانتفاع بها وبعكسها الركود الذي هو بالنسبة للأجسام مرض ومقدمة من مقدمات السكون التام الدائم وهو الخروج من عالم الاحياء ثم هو ايضا بالنسبة لكل ما تتلبس به الحياة الحسية والمعنوية موت محقق فالمواهب الراكدة ميتة والمعارف والعلوم المجمدة آيلة الى الزوال والموت، والاموال المعطلة عرضة للتلف بالانفاق او بأية جائحة من الجوائح، والماء اذا طال مكثه واستقراره اصبح آسنا مريضا يهدد شاربه بالموت الزؤام.

كل هذه الاشياء نراها رأي العين ونطبقها في حياتنا الخاصة ونلمس آثارها بأيدينا  حتى لقد أصبحت من بديهيات الامور التي يعرفها العالم والجاهل والمجرب وغير المجرب، غير ان العلم بالأمور شيء والعمل بها شيء آخر ولو انتفع الانسان بكل ما علمته له المدرسة، وبجميع ما ثقفته به الحياة لما رأينا على ظهر الارض شقيا الا من اصيب بعاهة بدنية او عقلية بل حتى هذا قد يستطيع تلطيفها او قلبها الى نعمة اذا هو استعمل جميع ملكاته الحسية والمعنوية وتعمق بنظرته في صميم واقعه وفي صميم واقع الاشياء كلها، قلت آنفا ان الملكات والمواهب هي كالأجساد تماما في قابلية التنويم وقابلية التنبيه والتنشيط، ولعل هذه النقطة اهم ما يتعين التبسط فيه من موضوع الحركة والركود الذي هو كما رأينا موضوع واسع يتناول المعنى والحسن، والانسان بالخصوص في الح في الضرب عليه فما ذلك الا ليقيني بان حياة المواهب والملكات وانبعاثهما يقتضي حتما ان تسري الحياة في كامل الاجهزة الأخرى المتصلة والمنفصلة، لأن الملكات والمواهب تتصلان بالعقل والروح وهما اهم ما في الانسان الذي هو أهم ما في الكون ولست مبالغا ان قلت انهما الانسان او ان الانسان هما: فمن العقوق اذن ومن كفر الانسان بنفسه وظلمه لها ان يعيش مستسلما راكدا ينتظر المتاح وما تسوفه له الحظوظ التي هي في عقله المخدر كل شيء في الوجود وليس هذا بالصحيح او المعقول لأن جميع الفلسفات الارضية والسماوية تظافرت على احباط هذا الوهم وتفنيده اذ قد علمتنا تلك الفلسفات الخالدة واولها وآخرها فلسفة الاسلام ان الكمال المنشود ليست له نهاية حسية يقف عندها وان الفساد ليست له ابدا صفة الدوام او صفة القهر او صفة استحالة التغير واذا ما آمنا بهذه الحقيقة اصبحنا بدون شك في سباق دائم مع الحياة، وفي عراك مستمر مع الاحداث وتلك هي ديمومة السير، وتلك هي الحركية التي اشتققنا لها اسما من الحياة فأصبحنا نقول لفلان حيوية متميزة وانه ذو حيوية، وما ضد الحيوية الا الموتية والعدمية ولا اخال ان احدا من العقلاء يحب ان يقال فيه انه من ذوي العدمية او الموتية ولكن هناك فرق بين ما نحب ان يقال فينا وعنا وبين ما يصح ان يقال عنا وفينا، فالذي نحب ان يقال فينا يجب ان نقوله نحن في انفسنا قبل ان نطالب الناس بقوله وقبل ان نلومهم على جحوده بيد ان قولنا له ليس هو من قبيل القول المعروف الذي يؤدي وظيفته اللسان بل هو من قبيل القول بالافعال التي وان كانت خرساء فهي أفصح من اي لسان. وابلغ من اي بيان، ان العار على ذوي الكفاءات والمواهب لا يكون في غير جمود هم او بالأحرى تجميدهم لانفسهم اما ما يقوله الحاسدون والعاذلون عنهم من انهم متهافتون او متطفلون او ثرثارون او ما شابه ذلك من النعوت التي امتلات بها قواميس فهو محض اختلاق وتلفيق يقوله العاجزون لتبرير عجزهم او الجاهلون لتبرير جهلهم او الحاقدون لتبرير حقدهم وهو في الواقع لا يمت الى الحقيقة بصلة، ان القليل من الطاقات العقلية والبدنية والمادية ينمو بالتحريك او التفاعل والتلاقح والابداء. فيضاف اليه تارة ويصلح منه الفاسد طورا ويهذب ان كان في حاجة الى التهذيب أطوارا وان العظيم من تلك الطاقات ليتضاءل ويجمد ويموت اذا ما اصيب صاحبه بأية عقدة من عقد الخوف او الكسل او الحسد او التشاؤم او اليأس والغريب في الامر ان جميع هذه الصفات تسمى بغير أسمائها الحقيقية في نظر هؤلاء الناس الذين يمكن ان نسميهم بالفلاسفة الفالسين.



الكلمات الشائعة السعادة السنة الحركة الحياة

 

الشيخ الحبيب المستاوي

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.