التبرّع بالأعضاء في تونس : صفحة رائعة للتضامن والتجسيم لمقاصد الدين الحقيقية

التبرّع بالأعضاء في تونس : صفحة رائعة للتضامن والتجسيم لمقاصد الدين الحقيقية


نشطت في التسعينات حركة للتحسيس والتّوعية بأهمية التبرّع بالأعضاء باعتبارها حركــــــــة إنسانيّة نبيلة تهدف إلى إنقاذ أنفس بشريّة مشرفة على الموت أو هي تعيش معاناة لا يمكن وصف حدّتها وشدّتها.

  • ونشطت في هذه الحركة أطراف متعددة في طليعتها الأطباء ومعهم رجال القانون وعلماء الدّين ورجال الإعلام وانتظمت لقاءات مفتوحة إحتضنتها منابر الجمعيات ذات الصبغة الاجتماعية والمبيتات الجامعية ومناشط المهرجانات الثقافية والهياكل الحزبية وكانت المتابعة لها كبيرة والاهتمام بها متزايدا ولم يقتصر التحرّك على العاصمة وضواحيها بل امتدّ إلى المدن الداخلية وكان الفريق الذي ينشط عمليات التحسيس والتوعية متجانسا متكاملا ومؤمنا شديد الإيمان بأهميّة ازدياد الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء وكان للمركز الوطني للنهوض بزراعة الأعضاء الدور البارز في تنظيم هذه اللقاءات وأذكر هنا بكل تقدير جهود الدكاترة محسن عيّاد ومحمد قديش والحبيب ثامر والهادي بن معيز وحسونة عيّاد وكذلك الأستاذ عبد الناصر بن سالم كرجل قانون الذي تولى كل مرّة عرض ملامح التشريع التونسي في مجال التبرع بالأعضاء والذي تطوّر في اتجاه تسهيل هذه العملية والتي بلغت حدّ التنصيص في بطاقة التعريف الوطنية على صفة متبرّع.
  • وكان لي شرف المواكبة والمشاركة في هذه الحركة النبيلة وقد حرصت في مداخلاتي أن أقدم ما به الحاجة ومـــــــــــــا يطمئن القلوب إلى أن عملية التبرّع بالأعضـــــــــــاء لا لبس فيها ولا غبار عليها من الناحية الدينية أوّلا باعتبار ما تميّز به الإسلام من مراعاة المصلحة (فحيثما وجدت المصلحة فثمّ شرع الله) أن الرحمة وتفريج كروب المكروبين وإغاثة الملهوفين باب عظيم الشأن من أبـــــــــــــــواب البرّ والإحسان وأنّ إحياء نفس بشريّة واحــــــــــــــدة هو كإحياء الناس جميعا إستنادا إلى قوله جلّ من قائل (ومن أحياها (النفس البشريّة) فكأنما أحيا الناس جميعا). وأنّ الحيّ أولى من الميّت بعضو آيل إلى الدود والتراب، فالباقي من الكائن البشري هي نفسه وروحه والروح من أمر الله.
  • فإذا تحققت الوفاة وهذه لا يشخصها إلا أهل الذكر من الأطباء الذين يكادون يجمعون على أن الموت هو موت الدماغ وهم يؤكدون أن موت الدماغ تبدأ معه الخلايا في التحلل وأنه يمكن لساعات بعد موت الدماغ أن يستفاد بأعضاء الميت من أجل إحياء مريض موشك على الهلاك والله تبارك وتعالى خلق الداء وخلق الدواء وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي (ألا فتداووا يا عباد الله).
  • وقد تقدم الطب وتقدمت العلوم بحيث مكنت اليوم من الاستفادة من أعضاء الموتى وزرعها للمرضى الأحياء المصابين بالقصور الكلوي والقلب والكبد وغيرها.
  • وفيما يخصّ التبرّع من حيّ لحيّ فقد اشترط العلماء أن يكون العضو المتبرّع به لاتتوقّف عليه حياة المتبرّع (إحدى الكليتين مثلا).
  • وتبقى عمليّة التبرّع بعيدة عن البيع والشراء والمتاجرة فذلك مما تحرّمه كلّ الشرائع والمواثيق باعتبار أنّ الإنسان ليس هو المالك الحقيقي لأعضائه.
  • مضينا في درب التحسيس والتوعية بأهمية ومشروعية التبرّع بالأعضاء مستهدين ومستنيرين بما أصدرته المجامع الفقهية (مجمع جدة، مجمع مكة وبقية المجامع في الهند وأوروبا والأممركيتين وغيرها) والقرارات والفتاوى موثقة وهي على ذمة كل من يحتاج إليها  وكذلك فتاوى كبار المشايخ من الفقهاء المستنيرين وهي قرارات وفتاوى تطمئن قلوب المؤمنين إلى أن ما يقدم عليه المتبرّعون من تبرّع بالأعضاء هو عمل مشروع بل مندوب وأن القائم به مثاب مأجور بل إنّنا ذهبنا في التحسيس والتوعية في التبرّع بالأعضاء إلى أبعد مدى حين اعتبرنا التبرّع بالأعضاء صدقة جارية يلحق القائم بها الثواب والأجر بعد رحيل المتبرّع عن هذه الدار وانتهاء سعيه (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) إذ تبقى للمسلم عمل يلحقه وهو الولد الصالح والعلم الذي ينتفع والصدقة الجارية وليست الصدقة الجارية إلاّ المسجد يبنى أو المدرسة تشيد أو البئر يحفر أو المصحف يسبل بل يمكن إعتبار العضو المتبرّع به صدقة جارية يلحق الثواب للمتبرّع بها بعد أن يرحل عن هذه الدار.
  • وفي هذا الصدد نتذكّر ونترحّم على كلّ من فضيلة الشيخ "كمال الدّين جعيط" والشيخ "محمود شمام" والشيخ "محمد الحبيب بلخوجة" وندعو بالصّحة والعافية للشيخين "محمد مختار السلامي" و "محمد الحبيب النفطي" الذين انخرطوا وكثير مثلهم بكل حماس في حركة التحسيس والتوعية بجواز التبرّع بالأعضاء فجازاهم الله خيرا وكتب ذلك في صحائف أعمالهم بعدد من استفاد من عمليات التبرّع من المرضى.
  • ونقول في النهاية إن الحاجة اليوم أشدّ من أي وقت مضى لمزيد التحسيس والتوعية بأهميّة ومشروعية التبرّع بالأعضاء لما نراه من معاناة لمئات من المرضى المحتاجين إلى مثل هذا التبرّع والذين تزداد أعدادهم كل يوم وترتفع كلفة علاجهم عليهم وعلى المجموعة الوطنية فكلّ ذلك يدفع إلى تشجيع هذا العمل الإنساني والتضامني والوطني إضافة إلى المستوى الرفيع الذي بلغته بلادنا في المجال الطبي والصحّي من خلال العمليات التي يجريها أطباؤنا المختصون بكلّ حرفيّة والذين يشهد لهم بهذه النجاحات زملاؤهم في أوروبا والأمريكيتين.

أمّا الناحية الدينية من موضوع التبرّع بالأعضاء فينبغي أن تكون موضوع الخطاب الديني الذي ينفع العباد والبلاد عوضا عما يمكن أن ينساق إليه من الزبد الذي يذهب جفاء أو يتسبّب في فرقة وفتنة. 



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.