هذا هو الإسلام وتلك هي خصائصه ومبررات صلاحيته للناس اجمعين ولكل زمان ولكل مكان (الحلقة الثانية)

هذا هو الإسلام وتلك هي خصائصه ومبررات صلاحيته للناس اجمعين ولكل زمان ولكل مكان (الحلقة الثانية)


ويأتي ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله يسألون عن عبادته وتقربه إلى الله فيقال لهم تنه يصوم إلى إن يقول أهله يكاد لا يفطر ويقوم الليل إلى أن تتفطر قدماه وهو الذي غفر له ربه ما تقدم وما تأخر من ذنبه قررهؤلاء الصحابة التبتل والتزهد والانقطاع عن الحياة الدنيا، أحدهم قرر أن لا يفطر أبدا والآخر أن لا ينام الليل أبدا والثالث ان لا يتزوج أبدا، وعندما بلغ ذلك لرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم “أنا محمد بن عبد الله غفر لي ربي ما تقدم وما تأخر من ذنبي أصوم وأفطر واقوم وانام وأمشي في الأسواق وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني” أي من اختار طريقة لمرضاة الله تبارك وتعالى غير هذه الطريقة فلست منه وليس مني فقد يسّر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر ووضحه أحسن توضيح وقال لنا (إن لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولربك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه) حديث ومن هنا جاءت تلك المقولة المأثورة (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) وفي هذا الإطار كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو ان الساعة تقوم وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها فله في ذلك أجر) حديث. فهذه الحياة الدنيا بكل ما فيها إذا اقترنت بنية نفع العباد وتفريج كروبهم وقضاء حوائجهم وتيسير أمورهم إذا اقترن كل ما يقوم به المسلم في هذه المجالات والميادين بنية التقرب إلى الله تنقلب تلك الأعمال إلى طاعات وعبادات وقربات وهي أفضل عند الله سبحانه وتعالى من نوافل الصلوات والزكاة والصيام وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام بالمسجد فوجد شابا يتعبد في غير وقت عبادة فقال (من يعول هذا؟ فقالوا: أخوه فقال أخوه أفضل منه) حديث. (ومن فرج على مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عليه كربة من كرب يوم القيامة) حديث (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) حديث. والتفكير في شؤون الناس وقضاء حوائجهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ونصرة مظلومهم هي عبادات وقربات من أعظم العبادات في دين الإسلام وذلك لعمري هو التجسيم الفعلي لمبادئ الإسلام فما نصبت للمسلمين عقائد إيمانية وما فرضت عليهم أركان تعبدية إلا لكي تترك في سلوكهم ومعاملاتهم مع بعضهم البعض أثرا ايجابيا وإلا فإنها مردودة عليهم لا حاجة لله فيها (من لم تنهه صلاته فلا صلاة له) حديث (الدين النصيحة) حديث و(الدين المعاملة) حديث. (من لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله في تركه طعامه وشرابه) حديث (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش) حديث (من فطر صائما كان له أجر ذلك الصائم دون ان ينقص من اجر الصائم شيئا قالوا ليس كلنا يجد ذلك يا رسول الله ، قال يعطي الله هذا الأجر من فطر صائما على جرعة ماء على مذقة لبن على حبة تمر) حديث (اتقوا النار ولو بشقة تمرة) حديث وعندما تتحدث عن هذه الجوانب المعاملاتية من دين الإسلام وتعمل على نشرها بين الناس ونلح عليها فلأنها عين الإسلام. وعلى هذا النهج السليم الراشد الواضح ينبغي ان يسير المسلمون يجسمون إسلام الرحمة، إسلام الأخذ بالأسباب، إسلام الأخذ من نصيب الحياة الدنيا لتتجسم حقيقة وفعلا الخيرية الواردة في الآية الكريمة (كنتم خير أمة أخرجت للناس) نعم إنها خيرية قائمة بالشهادتين، خيرية إيمانية وأخلاقية، خيرية سلوكية، وخيرية حيوية بالتمكين في الأرض واكتساب القوة المادية، ولن يكون المسلمون خير أمة أخرجت للناس يقتنع بخيريتها الجميع إلا متى كانت ظروف عيشهم ومستويـاتهم في مختلف المجالات والميادين هي الأفضل والأحسن بين الأمم والشعوب وأنهم لمدعوون إلى تجسيم ذلك في حيز الواقع امتثالا للآيات القرآنية الصريحة والأحاديث الصحيحة واقتداءً بالسيرة المحمدية الزكية. يقول جل من قائل (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين) آية. ويقول (ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين) آية. ولم تكن امة الإسلام عبر القرون الماضية في هذا المستوى المطلوب من الخيرية المتكاملة، الخيرية الدينية المضمونة بقول الله تبارك وتعالى(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) آية، وقوله (والله متم نوره ولو كره الكافرون) آية إنها خيرية ينبغي أن يضاف إليها تمكين في الأرض وعلوّ شأن وعزة وغلبة وأخذ بالأسباب وقوة في هذه الحياة الدنيا تجعل من المسلمين بحق مثلا يقتدى ونموذجا يهتدى به. وان مما وسع به الإسلام على المسلمين انه جعل استمتاعهم بما يمكن ان يعتبر استحياء مما لا يتحدث به الناس في مجالسهم (ولا حياء في الدين) فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان في بضع أحدكم صدقة! قالوا: أيأتي احدنا شهوته وله اجر؟ قال: نعم كيف لو فعل ذلك في الحرام؟ عليه وزر؟). وقد فسر المفسرون قول الله تبارك وتعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) آية بأن الحسنة التي في الدنيا هي الزوجة الصالحة التي إذا نظر إليها زوجها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته) حديث وقد طرق باب عبد الله ابن العباس رضي الله عنهما ذات يوم أحد طلاب العلم يسأل عن مسألة فتأخر عبد الله بن عباس في الخروج إلى هذا الطالب وعندما خرج بعد حين كان يقطر ماء وعليه أثر من طيب وزينة قال له قبل أن يبادر الطالب بالسؤال (إنهن يحببن ان نتزين لهن كما نحب ان يتزين لنا). تلك هي قمة التعادلية في دين الإسلام الذي يجعل من لذات الحياة الدنيا ومتعها الطيبة الحلال قربة وعبادة ترضي الله وترى بها اثر نعمة الله على عبده، وقد تجادل عابدان أو سالكان احدهما-اختار لنفسه طريق التوسيع على نفسه وإظهار البحبوحة والآخر اختار سبيل التضييق فقال الذي اظهر نعمة الله على نفسه (تلومني، ان حالتك تقول أعطوني لله وحالتي تقول: الحمد لله) ومما يعجبني في هذا السياق قول أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أنه كان يقول لأتباعه وتلاميذه (لا تشربوا الماء الحار في اليوم الحار فإنكم إذا شربتم الماء البارد في اليوم الحار وقلتم الحمد لله لم يقلها اللسان فقط بل تقولها معه كل الأركان والأعضاء في جسد الإنسان) وكان مما يفسر به رضي الله عنه قول الله تبارك وتعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) آية. الحديث النبوي (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) حديث ويستنتج من ذلك ان على المسلم ان يأخذ زينته في كل مكان مادام كل مكان من أرض الله مسجد وطهور). وتجسيما لحديث (ان لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا) حديث جاء من يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ان يتصدق بكل ماله في سبيل الله، قال: أريد أن أتصدق بكل مالي في سبيل الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (تصدق بالثلث والثلث كثير لان تترك ورثتك أغنياء أفضل من ان تتركهم فقراء يسألون الناس) حديث. وفيما يتعلق بالإنفاق والبذل لا ينبغي على المسلم ان يجعل يده مغلولة إلى عنقه وعليه ان لا يبسطها كل البسط ويدخل الإسلام في مأكل الإنسان ومشربه فيقول جل من قائل (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) آية ويبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول(إذا كان ولابد فثلث للطعام وثلث للماء وثلث للنفس بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) حديث (وما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه) حديث وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مادة غزيرة جديرة بالنشر بين الناس في مختلف الميادين والمجالات حتى تعم وتتجسم ثقافة الاعتدال والوسطية الكفيلة بدحض التطرف من ناحية والتميع من ناحية أخرى مصداقا لقول الله تبارك وتعالى(وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) صدق الله العظيم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.