هذا هو الإسلام وتلك هي خصائصه ومبررات صلاحيته للناس اجمعين ولكل زمان ولكل مكان (الحلقة الثالثة)

هذا هو الإسلام وتلك هي خصائصه ومبررات صلاحيته للناس اجمعين ولكل زمان ولكل مكان (الحلقة الثالثة)


مهما كتب في مجال تجلية حقائق الإسلام وتبيين خصائصه ومميزاته فان ذلك يظل قليلا وتظل الحاجة ماسة للمزيد في هذا المجال و ذلك نظرا لما تراكم على جوهر الإسلام ولبه من ران أظهره في الكثير من الأحيان في مظهر الشبح المخيف والمنظر المرعب والخطر المهدد الذي يستهدف الحرث والنسل. وأسباب هذا الران وتلك الشبهات عديدة بعضها يعود إلى عهود غابرة من صنيع المسلمين والبعض الآخر خارج عن نطاقهم لأجل ذلك وجب على حملة الأقلام من علماء الإسلام ودعاته ان ينبروا للتعريف بحقائق دينهم الحنيف فتلك هي رسالتهم و ذلك هو دورهم وهذه المهمة سهلة وصعبة في الآن نفسه إنها سهلة لان تعاليم الإسلام في كتاب الله العزيز وهدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام هي من الوضوح واليسر والجلاء والمرونة وهو ما يجعل القائم بهذه المهمة لا يجد عسرا ولا يتكلف رهقا وهي صعبة لأن الشبهات كثيرة والافتراءات لا حصر لها ولا عد وهي آتية من كل صوب وحدب مما يستوجب التصدي لها في عمل دائب لا يعرف التوقف . انه لا يكفي ان نعلن ان الإسلام دين تسامح وواقعية واعتدال ووسطية واخذ بالأسباب وتحقيق للرقي والتحضر بل لا بد ان نضيف إلى ذلك الإعلان التجسيم العملي لذلك والبرهنة وإقامة للحجة، والحجة والحمد لله موجودة في تعاليم الإسلام، إنها تجتاح من أهل الذكر من حملة الأقلام ومن العلماء والدعاة ان لا يملوا من توضيحها وتجليتها وبسطها والتعريف بها وإشاعتها بين الناس الذين تتجاذبهم في هذا الزمان الصعب موجات و تيارات متلاطمة متعارضة ومتناقضة في كثير من الأحيان. إنّ الإسلام دين الواقعية والاعتدال والوسطية : فالاعتدال ميزة وخاصية للدين الإسلامي وهي خاصية تلتقي مع إرادة الله القاضية بان يكون الإسلام الدين الوارث والخاتم والدين الكامل والدين الذي لن يرضى الله تبارك وتعالى من عباده بسواه فلا بد ان يكون لهذا الدّين من الخصائص والمميزات ما يجعل الناس لا حجة لهم في عدم اعتناقه والإيمان به. والأديان التي سبقت الإسلام ظرفية بالمعنى الزمني لا بمعنى القداسة لأننا لا نفرق بين رسل الله نؤمن بهم جميعا إذ الغاية من بعثهم هي تحقيق عبودية الإنسان لله رب العالمين. فكل نبي أو رسول من هؤلاء الأنبياء والرسل بعث في بيئة خاصة ولأقوام معينين إلا سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام فان الله تبارك وتعالى أرسله للناس كافة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فالإسلام ليس دين قوم أو جنس أو لون أو فئة ولا هو دين ظرف معين، انه دين كل الأجناس والألوان ودين كل المراحل الزمنية التي جاءت بعد بزوغ نوره والى ان يرث الله الأرض ومن عليها. والذي يلاحظ بتمعن خصائص الأديان التي سبقت رسالة الإسلام يجد فيها الفعل ورد الفعل (إذا ضربك احد على خدك الأيمن فأدر له الأيسر) وهي مطالبة بالحد الأقصى للحصول على الأدنى وهو ما يتناسب مع المجتمع الذي ظهرت فيه تلك الرسالات والذي طغت عليه المادية المجحفة فناسب مخاطبة الناس ومطالبتهم بالأقصى للحصول منهم على الأدنى وليس الأدنى سوى المنهج الوسط الذي تتقبله كل الأنفس البشرية عن طواعية وطيب خاطر. وعندما ننظر في تعاليم الإسلام بعد أن تمت واكتملت وبعد أن نزل قول الله تبارك وتعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) آية فإننا نرى فيها نمطا متكاملا ونسقا لا اختلاف فيه حيث تأخذ كل حاجة من حاجات الإنسان ما تستحق من العناية و الاهتمام. وتبدو هذه الوسطية والواقعية وذلك الاعتدال بجلاء في العقيدة والعبادة، فالعقيدة هي حجر الزاوية في كل الأديان السماوية والعبادة هي المجسمة لحق الله على عباد (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد منهم أن يطعمون) آية فإننا لا نلاحظ فيها تميعا أو تسيبا أو تساهلا وكذلك لا نجد فيها تشديدا أو تعقيدا أو تعنتا. فلم يعتبر الإسلام الرهبانية أمرا محمودا رغم ان ظاهرها التفرغ لعبادة الله فقد أراد الله تبارك وتعالى من هذا الإنسان أن يكون خليفة لله في الأرض (إني جاعل في الأرض خليفة) آية ولا يستحق الإنسان هذه الخلافة بروحانية بحتة أو مادية بحتة إنما يستحق الخلافة بالجمع بين المادة و الروح ومن استطاع ان يحقق هذه التعادلية استحق ان يلقب بالخليفة ولم تستطع الملائكة تقبل ذلك وهي مخلوقات من نور غذاؤها العبادة ليس لهم غرائز ولا حاجيات ولا مطالب جسدية ولم تتقبل أن توجد مخلوقات غيرها مؤهلة لخلافة الله لذلك قالت الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) آية هنالك قال الله لها (إني أعلم ما لا تعلمون) آية لقد بين الله للملائكة وأقام عليهم الحجة وباهى بعباده المؤمنين ملائكته المقربين حيث تكاملت في الإنسان المادة والروح ولم يطغ جانب على جانب بما في ذلك ما هو في ظاهره الخير والرحمة مما هو من قبيل التخلص من الشهوات والنزوات وميل نحو الترهب، اعتبر الله تبارك وتعالى ذلك الصنيع من قبيل البدعة فقال (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) آية أي هم الذين شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فالله تبارك وتعالى يريد لعباده اليسر ولا يريد بهم العسر ولم يجعل عليهم في الدين من حرج وأمرهم ان يدعوه صباح مساء بأن لا يحملهم ما لا طاقة لهم به. إن حق الله في دين الإسلام على عباده: عقيدة وعبادة يتحقق القيام بهمت بمجهود يسير ومعقول لا يعطل حياة الإنسان وسائر شؤونه، ولا يجد المسلم نفسه أمام خيار صعب: إما أن يختار الدين أو يختار الدنيا! ان المسلم في حل من هذا الامتحان وهذا الاختيار الصعب، انه في إمكانه في دين الإسلام أن يحيا دينه كما تنبغي أن تكون الحياة وان يحيا دنياه كما تنبغي ان تكون الحياة دون ان يتضاربا ودون أن تتعدى إحداهما على الأخرى وليس ذلك في دين غير دين الإسلام ومن يقرأ قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون...) آية يخيل إليه ان المسلم الكامل والحقيقي والمرضي لربه هو ذلك المتعبد المتزهد غير الساعي في الأرض وغير النافع لعباد الله وغير المكتسب للمعارف والمهارات وغير القائم بدوره في المجتمع!! غير أن الأمر في الحقيقة والواقع عكس ذلك فالعبادات في الإسلام وهي مجموعة من الشعائر لا تأخذ من يوم المسلم ووقته إلا مقدارا معقولا وضئيلا فأين هو إذن الحصر الوارد في الآية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون..) آية انه في ذلك التصور الجديد للعبادة حيث وسعها الإسلام لتشمل سائر نشاطات الإنسان في الخير على حد قوله جل من قائل (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) آية وحسب هذا التصور الشامل تصبح العبادة الشعائرية جزءا من العبادة الشمولية العامة والمتمثلة في سلوك المسلم للصراط المستقيم دافعا للشر جالبا للخير علما وان فعل الخير ودفع الشر لا يقومان بحال من الأحوال مقام أداء الشعائر الدينية من صلاة وصيام وزكاة و حج حسب الاستطاعة إذا (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) آية. ان تلك الشعائر هي أفضل ما يتقرب به إلى الله (وما تقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضته عليه) حديث قدسي وقد كان عليه الصلاة والسلام حريصا على أداء ما فرض الله عليه إلى آخر لحظة في حيات،ه وراعى الله في أداء هذه الفرائض طاقة الإنسان. فقال جل من قائل في الصيام (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) آية وقال في حق الحج (ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا) آية ولا بد في الزكاة من بلوغ النصاب وحلول الحول وبذلك يتبين لنا ان هذه الشعائر خفيفة غير مثقلة وهي محطات يحتاج إليها المسلم ليقوي صلته بربه ويتزود منها بخير زاد حتى إذا ما انطلق على اثر القيام بها ساعيا في الأرض فان سعيه يكون مشكورا (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) آية إن هذه الشعائر هي حق الله على عباده لم تفرض لذاتها وإنما لما يترتب عنها، وما يترتب عنها هو مرضاة الله وصلاح أحوال الإنسان ومن يحيط به من الناس. ان المولى سبحانه وتعالى لا تزيد في ملكه طاعات المطيعين ولا تنقص من ملكه معاصي العصاة (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) حديث قدسي وعبادات خالية من الروح لا تؤثر في سلوك القائم بها ومعاملاته إنها مردودة عليه وليس له منها إلا مشقة القيام والركوع والسجود أو مشقة الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وفي الحديث الشريف (من لم تنهه صلاته فلا صلاة له) حديث، (ومن لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله في تركه طعامه وشرابه) حديث (وكم من صائم ليس في صيامه إلا الجوع والعطش) حديث. لم تفرض العبادات من: صلاة وصيام وزكاة و حج لذاتها وإنما فرضت لما يمكن أن تؤثر به في سلوك ومعاملة وخلق القائم بها وعلاقته بمن حوله من ذوي الحقوق: الأقرب فالأقرب (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) آية وذوي الأرحام الذين أوكل الله بهم ملكا ينادي صباح مساء (اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني) حديث وأجوار قال في حقهم رسول الله صلى الله علية وسلم (لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه في سيورّثه) حديث ومسلمين شبههم رسول صلى الله علية وسلم بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وبالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وانتهاء بالإنسان الذي كرمه الله أيا كان دينه أو جنسه حيث قال جل من قائل (ولقد كرمنا بني آدم) آية إن المسلم أمن وسلام ويد ممدودة للبذل والخير (ادخلوا في السلم كافة) آية إن المسلم أمن على الحيوان وعلى النبات وعلى الذين انقطعوا في صوامع لعبادة لله على أي دين كان يوصي بذلك خلفاء المسلمين : فهذا أبو بكر رضي الله عنه يخرج مودعا للجيش الفاتح يقول لهم (لا تقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ، لا تحرقوا الأشجار، لا تقتلوا الحيوان، ستجدون أناسا نذروا أنفسهم في صوامع لعبادة الله فاتركوهم وما نذروا أنفسهم إليه) إن قتال المسلمين قتال شريف نظيف في ساحات القتال دون غدر أو تشبيه أو وحشية أو عدوان (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) آية لقد حرم الإسلام الظلم ووعد الله تبارك وتعالى بالانتصار للمظلوم، فقال في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراما فلا تظالموا) حديث قال للمظلوم (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) حديث.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.