هذا هو الإسلام وتلك هي خصائصه ومبررات صلاحيته للناس اجمعين ولكل زمان ولكل مكان (الحلقة الأولى)

هذا هو الإسلام وتلك هي خصائصه ومبررات صلاحيته للناس اجمعين ولكل زمان ولكل مكان (الحلقة الأولى)


ان الناظر في تعاليم الإسلام، في عقائده وعباداته ومعاملاته يخرج بسمات بارزة واضحة هي التوازن والاعتدال والوسطية والواقعية في كل ما وقع الأمر به والنهي عنه وما ذلك إلا التطبيق العملي لمقولة (الإسلام صالح لكل زمان ومكان) والتجسيم الفعلي لقول الله تبارك وتعالى في حق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) آية ثم ان كل ذلك يندرج تحت قول الله تبارك وتعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آية، فلكي تقام الحجة على عباد الله بحيث لا يقبل منهم دين آخر غير دين الإسلام لابد ان تكون تعاليم هذا الدين داعية إلى الواقعية والتيسير والمرونة والعموم والاستجابة لما في النفس البشرية من رغبات وتطلعات حتى لا يتعلل متعلل بعد ذلك بالعسر والصعوبة وعدم الإمكان قال الله تبارك وتعالى في حق امة الإسلام (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فهي الأمة الشاهدة الوارثة المتحملة لمسؤولية إقامة الشهادة على الأمم الأخرى قال الله في حقها (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) ولقد ربط أغلب الكاتبين بين الاعتدال والوسطية إذ بينهما علاقة متينة واضحة وجلية. علاقة العبد بربه: وإذا أردنا ان ننظر بتعمق في ما كنا نسوقه لنقيم الأدلة والبراهين عليه نقول أن ذلك يتجلى في كل جوانب ومكونات الإسلام. فعلاقة العبد بربه إن أساسها في دين الإسلام الاعتدال والتكليف بما يطاق وعدم تحميل الإنسان ما لا يستطيعه وإذا كانت التوبة لا تقبل من التائبين قبل مجيء دين الإسلام وبعثة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام إلا بعد ان يقتص الواحد من نفسه ولا يخفي ما في ذلك من العسر والمشقة على الناس فإنهم بمجيء دين الرحمة ودين التيسير ودين الوسطية فتح لهم باب الإنابة والتوبة إلى الله في أية لحظة يريدون فيها العودة إلى الله وان ذنوبهم وخطاياهم مهما تكاثرت وتعاظمت ما لم تصل إلى درجة الشرك بالله فهي قابلة للغفران (ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) وان من ارجي الآيات في القرآن أو قل أرجاها بالنسبة للمؤمنين الذين يمكن ان تصدر عنهم النقائص والخطايا هي قول الله تبارك وتعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) وأحب العباد إلى الله في دين الإسلام هو ذلك الذي يبين لهم سعة رحمة الله وذلك والذي ييسر عليهم ولا يشدد عملا بالتوصية النبوية للصحابيين الذين أرسلهما إلى اليمن حيث قال لهما (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) ولو توسعنا في هذا المجال لأتينا بالعجب العجاب ولما تركنا بعد ذلك لأي عبد مهما اقترف من الذنوب مجالا لليأس والقنوط ألم يقل المولى سبحانه وتعالى في الحديث القدسي (إذا تقرب إلي عبدي شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإذا آتاني ماشيا أتيته هرولة) ولله المثل الأعلى وإنما استعمل الشبر والذراع والباع والهرولة لتقريب المعنى المراد من الأذهان فقط ولبيان مدى إقبال المولى سبحانه وتعالى في دين الإسلام على عباده ان هم اقبلوا عليه وفي سبيل تعميق ذلك وتيسيره أزال الله تبارك وتعالى بينه وبين العباد كل وساطة أو كهانة أو صكوك غفران وقال لهم في كتابه العزيز (وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) وقال (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) وبذلك تبدو في دين الإسلام فسحة وتيسير ويبدو في هذا المجال المتعلق بعلاقة العبد بربه اعتدال فلا هو إطلاق للعنان بحيث يعتقد الإنسان أنها أرحام تدفع وارض تبلع، وانه لم يخلق لغاية وهدف ولا هو أيضا ييأس فيقنط فلا يجد ملجأ ولا مرجعا يرجع إليه، يبتغي الإسلام بين ذلك سبيلا وسطا أساسه لا يأس ولا طمأنينة وأمان يجعله يتواكل ويتكاسل ولا يفعل شيئا. فإذا نزلنا بعد ذلك إلى مستوى التكاليف الشرعية التي هي حق الله على عباده (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) رسخت في ذهن المسلم حقيقة وهي ان كل ما يأتيه المسلم من طاعات وما يصدر عنه من سيئات فلا يمكن ان تزيد الطاعات في ملك الله شيئا كما ان السيآت لا يمكن ان تنقص من ملك الله شيئا. وذلك مصداقا لقول الله تعالى في الحديث القدسي (يا عبادي لو أن إنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملك الله شيئا ولو أن إنسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملك الله شيئا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) فهذه العبادات لئن كانت تحقق تجسيم الآية الكريمة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد ان يطعمون) إلا أنها عندما ينظر إليها الإنسان بتعمق وتدبر يجد (ولله المثل الأعلى) يجدها تضرب عصفورين بحجر واحد فتتحقق بها العبودية لله وتلك هي الغاية والمقصد وتتحقق بها للقائم بها عدة مصالح ولا يوقف المسلم تجسيم ما أمره الله تبارك وتعالى إلى ان يتعرف على الحكمة من فرض تلك العبادة وان كان من حقه وهو يأتي هذه العبادات ان يبحث عن حكمها وأسرارها وقد ينكشف له أكثرها بمرور والأيام وتقدم الأبحاث العلمية في مختلف المجالات مثلما وعد الله بذلك في القرآن الكريم (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) من حق المسلم ان يقتدي بسيدنا إبراهيم عليه السلام عندما سأل ربه ان يريه كيف يحيي الموتى قال لربه رب ارني كيف تحي الموتى قال له ربه (أو لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي). نستطيع ان نقول بكل اعتزاز وافتخار ان كل ما أمرنا به الله تبارك وتعالى من طاعات فيها المصالح والمنافع وكل ما نهانا الله عنه من محرمات فيها المضار إنها الخبائث ما ظهر منها وما بطن وسنجد في النهاية إذا نحن بحثنا بتجرد وتعمق أن التكاليف ما شرعت بعد تحقيق العبودية لله إلا لدرء مفسدة أو جلب مصلحة وهذه المصلحة قد تكون فردية وقد تكون اجتماعية وقد تكون جسدية وقد تكون نفسية وقد تكون عاجلة وقد تكون آجلة إلا أنها لن تخلو من تحقيق مصلحة للإنسان ولا يخفى ما في الصلاة من نهي عن الفحشاء والمنكر وسلامة لجسد الإنسان وما في الصيام من حمية وما في الحج والزكاة من فوائد مما بحث فيه الباحثون ودرسه الدارسون وما خرج منه المجسمون لحقائق هذه العبادات من مصالح. وهي وسط لا هي بالقليلة التي تجعل الصلة بين الله وعبده موسمية إنها تتكرر يوميا (الصلاة) وهذا ما طالب به أخيرا بعض الأفارقة (البابا) من جملة ما طلبوا منه قالوا له إننا نريد صلوات خمسا مثل المسلمين انه لا يكفينا يوم في الأسبوع نريد من الدين النصراني ان تكون فيه وقفات بين يدي الله على الأقل خمس مرات مثلما يفعل المسلمون. هذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان المولى عز وجل الخالق للنفس البشرية العليم بتقلباتها وتركيباتها هو الأدرى بما يصلح أحوالها لذلك جعل لها هذه المحطات الخمس في اليوم والليلة، وقفات بين يدي الله وجعل لها شهرا في السنة تصومه وجعل لها حجة في العمر وجعل لها الزكاة كل سنة عندما يحول الحول ويبلغ المال النصاب ذلك هو المقدار الأدنى والضروري والذي لابد منه لإصلاح عاجل الإنسان وآجله وفي ذلك تصديق لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه (وما تقرب إلى عبدي بأفضل مما افترضته عليه) وبذلك أيضا يكون ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي سأله يا رسول الله ماذا فرض الله علي؟ قال فرض عليك خمس صلوات في اليوم والليلة قال ليس أكثر قال له ليس أكثر، قال ثم ماذا؟ قال ان تصوم شهر رمضان وان تؤدي الزكاة إذا حال على مالك الحول وبلغ النصاب وتحج إلى بيت الله الحرام ان كنت مستطيعا. وكان في كل مرة يقول: ليس أكثر من ذلك يا رسول الله والرسول يجيبه ليس أكثر هنالك قال الأعرابي: والله لا أزيد عليهن يا رسول الله ثم انصرف. علق الرسول صلى الله عليه وسلم إثر ذلك قائلا: افلح صاحبكم ان صدق. فهذه العبادات لا يمكن ان تعطل لنا شأنا من شؤون الحياة التي استخلفنا الله فيها فهي كافية لتحقيق المراد المطلوب، وقد يقول بعض ممن يدعون الخصوص إذا كان الغرض من العبادات هو الوصول إلى الله يجوز ان نترك هذه المفروضات فهل هم أقرب إلى الله أم رسول الله أقرب ولم نسمع عنه أنه ترك فريضة ولا ركنا من أركان الإسلام. هذه الأركان التي فرضها المولى سبحانه وتعالى فيها تيسيرات والقاعدة تقول (والمشقة تجلب التيسير) (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وعندما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس وقال (ان لله قد فرض عليكم الحج فحجوا) فقام أعرابي وقال له (أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت رسول الله وكان على السائل أن لا يعيد السؤال من جديد فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ وفي المرة الثالثة أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) إن هذه الأركان التي تتخلل أيام المسلم وأسبوعه وسنوات عمره هي الكفيلة بتحقيق توازنه دون ان تعطل رغباته وما طلب منه من عمران لهذا الكون. * الاعتدال في مجال المعاملة والعيش في الكون. فإذا كان بعض من سبقنا من الأمم وبعض المذاهب يرون أن الخلاص والنجاة وتحقيق مرضاة الله لا تكون إلا على حساب هذه الحياة الدنيا وعلى حساب هذا الجسد المتكون من لحم ودم وعظام والمتكون من غرائز وطلبات وحاجيات فان ديننا الإسلامي الحنيف قد أراحنا من هذا الاختيار الصعب والمر على النفس وقال لنا بكل أريحية وبكل سعة ورحمة (وابتغ في ما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك). لقد حل الإسلام الإشكال: فهذه الحياة الدنيا ليست جيفة. عبرت عن هذه الحقيقة الآيات والأحاديث (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) آية (وابتغ فيما ىتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) آية (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) آية (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير) حديث (اليد العليا خير من اليد السفلى) حديث. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوّب أفهام المسلمين التي كثيرا ما تتداخل فيظن الظان أن السعي في هذه الحياة الدنيا هو على حساب مرضاة الله وعلى حساب الدار الآخرة فبينما كان الصحابة ذات يوم جالسين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرّ أمامهم شاب مفتول الساعدين فقال أحدهم : ليت هذا في سبيل الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (ان كان خرج في سبيل قوت عياله فهو في سبيل الله وغن كان خرج لكي لا يسأل الناس فهو في سبيل الله) وبذلك توسع معنى في سبيل الله لكي لا يكون الجهاد في ساحة القتال فقط والذي أسيء فهمه وحرّف عبر تاريخ المسلمين واظهر على انه حرب مقدسة!! في حين ان الدين الإسلامي يعلن صراحة بان (لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي) آية (لكم دينكم ولي ديني) آية (إنك لتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) آية. إننا نستطيع ان نعلن بكل أريحية أنه ليس من مبادئ الإسلام التسلط على رقاب الغير وإلزامهم بالدين الذي نعتقد أنه الحق المحفوظ الذي لن يرض ربنا سبحانه وتعالى من عباده بسواه - رغم اعتقادنا بذلك ورغم قناعتنا بذلك لم نشن حروبا ولم تقتل أرواحا بشرية فنزهقها فذلك حرام في دين الإسلام مع غير المسلمين وحرام بين المسلمين ويكفي ان نذكر بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عندما قال (الأوان بلدكم هذا بلد حرام وشهركم هذا شهر حرام ألا وأنّ أموالكم ودماءكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة الشهر الحرام والبلد الحرام ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد). ان في سبيل الله جهاد في ساحات القتال عندما يفرض القتال على المسلمين (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) آية إن في سبيل الله كل ما هو عمل صالح إذا اقترن بنية التقرب إلى الله (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) آية – فلا رهبانية في الإسلام (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) آية.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.