نعم يمكن اعتبار التبرع بالأعضاء صدقة جارية

نعم يمكن اعتبار التبرع بالأعضاء صدقة جارية


مما يتميز به الدين الإسلامي ويبدو جليا في كل ما يدعو إليه المسلمين وفي كل ما ينهاهم عنه تلك المراعاة للمصلحة العامة وذلك التكريس للبعد الجماعي الذي هو جبلي في الإنسان كما قال ابن خلدون إذ الإنسان مدني بالطبع. ففي كل أركان الإسلام من صلاة وصوم وزكاة وحج لا تخفى الأبعاد الاجتماعية التي تعطي للأفراد أبعادا أوسع تجعلهم في وضع أفضل وأسعد مع المحافظة على ذاتيتهم وخاصيتهم، وعلامة التدين الصحيح في الإسلام تتجلى فيما ينعكس ايجابيا من عمل صالح يقوم به المسلم في اتجاه من يحيطون به والذين يمثلون دوائر الواحدة بعد الأخرى إذ يرتبط الفرد في الإسلام بالأسرة وذوي الأرحام والأجوار والأخوة في الدين والأخوة في الإنسانية. والفرد في الإسلام مدعو إلى أن تكون علاقاته مع كل هذه الأطراف تسودها قاعدة حب الخير للجميع والمسلم لا يكون مسلما حقا إلا عندما يحب لأخيه ما يحبه لنفسه وعندما يسلم الناس (كل الناس) من يده ومن لسانه. لقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في تواددهم وفي تراحمهم بالجسد الواحد الذي يتداعى سائر أعضائه بالسهر والحمى إذا أصيب عضو من هذا الجسد بعلة كما شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم بالنسبة للمسلم بالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا. واعتبر الإسلام الرحمة شاملة وعامة لكل الناس وكل الكائنات (في كل ذي كبد حري رحمة) وعدها سببا لاستحقاق رحمه الله (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). كما اعتبر الإسلام تفريج كرب مكروب مهموم سببا لتفريج كرب من كروب يوم القيامة وأن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. * والابتلاء في هذه الحياة من سنة الله في خلقه والحياة والصحة والغنى وغير ذلك منح ومنن يمكن أن يمتحن بها ويصاب فيها البعض من عباد الله. * والوقوف بجانب هؤلاء المبتلين والتخفيف عليهم ومواساتهم من أعظم أبواب الأجر والثواب. يقول الله تعالى في الحديث القدسي (يا ابن آدم مرضت ولم تعدني؟ فيقول العبد كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول الله: أما علمت أن عبدي فلانا مرض أما إنك لو عدته لوجدتني عنده...) يعني لوجدت رضاي وتقبلي لعملك الذي هو عيادة هذا المريض. * والتخفيف على المرضى مثلما يكون بعيادتهم فانه يمكن أن يكون بما يهبه لهم من في إمكانه ومستطاعه مما يمكن إن يخفف عليهم آلامهم أو يشفيهم من عللهم وأمراضهم وما يحتاج إليه هؤلاء جرى به العمل ويسره التقدم العلمي والطبي ومما لا يترتب عليه أدنى ضرر للمتبرع. ويتقدم العلم والطب فيمكنان الإنسان من تجاوز التبرع بالدم إلى التبرع بأعضاء من الجسد. ومرة أخرى يواكب الفقه الإسلامي هذا الأمر المستجد المستحدث وتحكم في هذه المسألة (التبرع بالأعضاء) نصوص الشريعة ومقاصدها ويستأنس بالقواعد الكلية فإذا هي تفتح أمام المسلم بابا جديدا من أبواب البر والعمل الصالح. ما كان يمكن الإفادة منها لولا التقدم العلمي والطبي الذي مكّن المسلم من إفادة غيره بأعضاء سيؤول أمرها إلى الدود والتراب بعد إن تلتحق روح صاحبها ببارئها وتعود نفسه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية وتعرض القضية على أنظار العلماء الأعلام والمجامع الفقهية الكبرى فيكاد يتحقق الإجماع على جواز التبرع بالأعضاء الآيلة إلى الدود والتراب في سبيل إنقاذ نفس بشرية بهذا التبرع وقد تنقذ الأعضاء المتبرع بها أكثر من نفس بشرية واحدة. * إن فقهاءنا قرروا أن مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت وأن الاستفادة من أعضاء ميت ثبت طبيا وعلميا موته الدماغي هو إحياء لنفس أو أنفس المستفيدين بالأعضاء المتبرع بها عليهم. فلا يقتصر الإحياء للنفس البشرية على إرواء المشرف على الهلاك عطشا وإطعام المشرف على الموت جوعا فقط بل يمكن أن يكون وبواسطة التقدم الطبي والعلمي إحياء نفس أو أنفس بشرية بالتبرع لهم-في قائم الحياة بما يحييهم وكل ذلك داخل ضمن معنى الآية الكريمة التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). * إن النفس البشرية عزيزة على ربها كريمة عليه وفي سبيل الحفاظ عليها وإنقاذها من الهلاك أباح الشرع الإسلامي المحظورات (الضرورات تبيح المحظورات) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار). وكم كنا في تونس سباقين عندما اعتبرنا أن التبرع بالأعضاء هو ضرب من ضروب الصدقة الجارية التي يلحق منها الأجر والثواب لصاحبها بعد رحيله عن هذا العالم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.