نداء المسلمين إلى أهل الكتاب: هلموا للتعاون على إشاعة روح الإخاء والمحبة والسلام

نداء المسلمين إلى أهل الكتاب: هلموا للتعاون على إشاعة روح الإخاء والمحبة والسلام


دخول سنة إدارية جديدة وتوديع سابقتها مناسبة لا يمكن أن تمر دون أن تحدث ردود أفعال متنوعة ومختلفة باختلاف مشارب أصحابها ومستوياتهم الذهنية والاجتماعية وحتى انتماءاتهم العرقية والدينية وذلك لأن السنة الإدارية اقترنت في الواقع وفي التاريخ باحتفالات المسيحيين بذكرى ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام ولا يمكن أن ننكر الثقل المادي والبشري لأتباع سيدنا عيسى عليه السلام في واقع البشرية الجمعاء والإنسانية قاطبة على مختلف أجناسها وألوانها وأماكن وجودها من الكرة الأرضية ويدخل المسلمون في عداد من يتفاعلون سلبا وإيجابا مع هذا الواقع الذي هو تفوق واضح على كل المستويات المادية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية لأتباع سيدنا عيسى عليه السلام وهو واقع لا ينبغي تجاهله وأجلى أسبابه وأوضحها وأقربها إلى المعقول هو اخذ أتباع سيدنا عيسى عليه السلام بأسباب التمكين المادية والمعنوية وهي أسباب يمكن الاهتداء إليها بسهولة ويسر. والتفاعل بالسلب والإيجاب أصبح اليوم بل قبل ما يزيد على العقدين من السنين حتمية لا مفر منها وذلك بحكم التطور الذي حصل في ميادين الاتصال والمواصلات بحيث قربت المسافات وزالت تقريبا الحدود أو هي في طريقها إلى الزوال وأصبح العالم كله أشبه ما يكون بالقرية الصغيرة يعلم الجميع ما في هذه القرية حال وقوعه ويتفاعلون معه بالكيفية التي يرونها لأجل ذلك وغيره من الأسباب لا يمكن أن يمر حدث استقبال السنة الجديدة التي نسميها معاشر المسلمين السنة الإدارية ويسميها غيرنا السنة الميلادية الجديدة دون أن نتفاعل معها، ونغتنمها لوضع بعض النقاط على الأحرف ولنذكر و(الذكرى تنفع المؤمنين) وتنفع العقلاء بمجموعة من الثوابت التي يؤمن بها المسلم ويتمنى مخلصا أن يعرفها منه الآخرون لأن ذلك من شأنه أن يساهم في تحقيق المزيد من التفاهم المؤدي إلى التعايش هذا الشعار الجميل الذي يكثر تردده في هذه الأيام على ألسنة الساسة والمفكرين في محاولة نرجو مخلصين أن لا تكون متأخرة فالإنسانية في أمس الحاجة بمختلف شعوبها وأممها إلى أن تنتشر بينها وفي صفوفها عقلية التعايش وقبول الآخر مهما كانت الاختلافات معه كبيرة ومتجذرة ففي الإمكان التوصل إلى ما يشبه الميثاق الذي يتعهد الجميع باحترامه والوقوف عندما يتفق عليه من التزامات وتعهدات فذلك وحده هو الكفيل بمواجهة مخاطر الصدام الذي إذا وقع لا قدر الله فسيكون رهيبا وستكون عواقبه وخيمة على الإنسانية جمعاء وعلى كل سكان المعمورة مهما كانت معتقداتهم وأديانهم وأجناسهم وألوانهم. والتعايش بين بني الإنسان ممكن شريطة أن يغلب العقل على العاطفة والمصلحة العامة أي مصلحة الجميع على الأنانية والغطرسة. دور القيم الدينية في إذكاء نوازع الخير: وللقيم الدينية والأخلاقية ولدعوات الإصلاح دور كبير في هذا المجال لان نوازع الخير في الإنسان لم تعدم ويتحمل أصحاب المواقع المتقدمة والرفيعة في كل الأديان وبالخصوص السماوية مسؤوليات كبيرة في تقوية نوازع الخير في الإنسان وذلك باغتنام مثل هذه المناسبة رأس السنة الميلادية والإدارية للتذكير بجوهر الرسالات السماوية والتحذير من مغبة الانحراف عن هذا الجوهر الذي هو واحد وإن تعددت وتنوعت الطقوس والشعائر وذلك لان مصدرها وغايتها وهدفها واحد والمصدر على الأقل على مستوى الرسالات السماوية هو الله الواحد الأحد والغاية هي إسعاد الإنسان وجعله يحقق في هذه الحياة الدنيا مرضاة ربه بسلوك الصراط المستقيم ليستحق غدا في الدار الآخر الجزاء الأوفى والأوفر. ولا بد لنا كل من جانبه أن نوضح القواسم المشتركة ونلح عليها ونتعاون في مجالها مقدرين لكل طرف ما له من خصوصيات يترك له كامل الحرية في التصرف بما تقتضيها. ونحن إذا التفتنا إلى ما يجمع بيننا وما يمكن أن نتعاون عليه لمصلحة الجميع وجدناه كثيرا وكبيرا جدا ومجالا فسيحا تفنى أعمارنا وتتعاقب أجيالنا ولا ننتهي منه. * إن المسلمين رغم اعتقادهم الديني وهذا من حقهم يؤمنون بأن دينهم هو الدين الخاتم الجامع والوارث (إن الدين عند الله الإسلام) وأن امة الإسلام المعتنقة له عن طواعية هي (خير امة أخرجت للناس) ومع كل ذلك فان المسلمين يحرم عليهم دينهم إكراه غيرهم والتزامهم بالدخول في دين الإسلام فالآية صريحة تعلن أن (لا إكراه في الدين) ولا يجوز للمسلم أن يتجاوز حدود الدعوة إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) إذ الهداية هي في النهاية بيد الله (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) فبعد أن يقوم المسلم بما عليه لا يزيد على أن يقول (لكم دينكم وولي دين). * وان ما يلصق عن قصد أو عن غير قصد بالإسلام من انه دين انتشر بحد السيف!! ليس إلا افتراء يفنده الواقع ويسفهه التمحيص التاريخي الذي انتهى إلى إعلانه غير المسلمين من الدارسين المنصفين. * فلا يوجد في دين الإسلام الحرب المقدسة والجهاد في سبيل الله يبدأ بالمجاهدة للنفس الأمارة بالسوء وذلك بمحاربة شرورها وظلمها وهو الجهاد الأكبر وسالك هذا المسلك يهديه الله سبل الرشاد (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). * إن سماحة وتسامح المسلمين عبر تاريخهم الطويل هو الذي مكن أعدادا غير قليلة من اليهود والنصارى أن يعيشوا آمنين مطمئنين في دار الإسلام حيث أعطوا عهودا لا تزال إلى اليوم نصوصها قائمة وشاهدة على وفاء المسلمين لما يدعوهم إليه دينهم الحنيف في كتاب الله العزيز وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح. * فالعهد الذي أعطاه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنصارى بيت المقدس عندما تم فتحها وامتناعه رضي الله عنه عن الصلاة في كنيسة النصارى مخافة أن يتخذ المسلمون من بعده صنيعه ذريعة ليفتكوا من النصارى كنائسهم وأمره براتب من بيت مال المسلمين لذلك الذمي العجوز الذي وجده يتسول قائلا له (ظلمناك أخذنا منك الجزية صغيرا وتركناك كبيرا) * وتمكينه لذلك القبطي المظلوم من الاقتصاص من ابن عمرو بن العاص وقولته الشهيرة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)؟! إن كل ذلك وغيره مما لا يمكن الإتيان عليه وإنما يكفي التذكير ببعضه هو الدليل القاطع والبرهان الساطع على إن المسلمين كانوا ولا يزالون وسيظلون أوفياء لتعاليم دينهم الداعية إلى السلم والتعايش والتعاون بين بني الإنسان. مخاطر تتهدد الجميع: فإذا أبى كل طرف أن يتمسك بقناعاته وعقائده فله ذلك ويتحمل مسؤولياته فان ما دون ذلك مجال رحب يمكن الاتفاق فيه والتفاهم عليه لأنه يتعلق بواقع هذه الحياة الدنيا التي فيها نعيش جميعا. نحن نتقاسم الأفراح والأتراح يجمع بيننا في هذا الواقع كل شيء المكاسب والنجاحات وفي كل مجالات الحياة كما أننا أيضا نتقاسم سويا وبدون أدنى تفريق ما يمكن أن نتعرض له من محن ومصائب واهتزازات قلنا إنها وفي بداية هذه الألفية الثالثة لن تكون جزئية محلية بل ستكون عامة وشاملة وذلك هو ما يستوجب على الجميع أن يمدوا أيديهم إلى بعضهم البعض. * إن مخاطر الحروب النووية والكيميائية وانتشار الآفات والأوبئة جراء الاستجابة لنزوات الأنفس الأمارة بالسوء يجعل من التعاون واجبا على الجميع ينبغي أن يساهم كل من ناحيته وبأسلوبه في التحسيس والتوعية به. قيمة النفس البشرية * الإسلام- واعتقد إن الأمر كذلك في الأديان السماوية-يأمر المسلمين بأن يستجيبوا لنداء الواجب وان يجنحوا للسلم عندما يجنح إليها غيرهم ويذهب الإسلام في هذا السبيل إلى ابعد مدى عندما ينفي الحرج عن المسلمين فيدعوهم إلى أن يبروا ويحسنوا إلى كل من لم يهددوا حياتهم ويعتدوا عليهم، يقول جل من قائل (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين أن تبروهم وتقسطوا إليهم). وما دامت الكلمة هي البداية فإن الإسلام يدعو المسلمين إلى إن تكون مجادلتهم ومحاورتهم لأهل الكتاب بالتي هي أحسن (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن). إن الإسلام واعتقد أن الأمر كذلك في الأديان السماوية- يعطي للإنسان أيا كان دينه ولونه وجنسه منزلة متميزة هي منزلة التكريم والتشريف والاستخلاف يقول جل من قائل (ولقد كرمنا بني آدم) ويقول (إني عاجل في الأرض خليفة). ونفس هذا الإنسان أيا كان دينها وجنسها ولونها عزيزة على ربها وخالقها فلا يجوز إزهاقها، وقتل نفس بشرية واحدة ظلما وعدوانا هو كقتل الناس جميعا (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). والظلم في دين الإسلام وكذلك الأمر ولاشك في كل الأديان السماوية-حرام يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراما فلا تظالموا). * والرحمة هي جوهر دين الإسلام وكل الأديان السماوية ومن (لا يرحم لا يرحم) و(في كل ذي كبد حرى رحمة) و(الراحمون يرحمهم الرحمان). * إن هذه المعاني وهذه القيم الخالدة هي جوهر الإسلام وهي روحه وهي أيضا جوهر الرسالات السماوية وهي ما تحتاج إليه اليوم البشرية جمعاء ولا بد لحملة الأقلام وقادة الرأي وعلماء الدين ورجاله أن تجتمع جهودهم وتتكثف مبادراتهم وتتعهد وسائط تبليغهم بتبليغها حتى يجنبوا البشرية جمعاء بكل شعوبها وأممها المصير القاتم والمخيف الذي ينتظر الجميع ويتهدد الجميع. * إن كل تقوقع وانغلاق على النفس لم يعد اليوم له ما يبرره لان المخاطر تتهدد الجميع، إنها الغطرسة والأنانية والمادية المجحفة يذكيها ما تحقق من تقدم كبير في ميادين العلوم التي بقدر ما فيها من جوانب رحمة وتيسير لحياة الإنسان بقدر ما فيها من المخاطر والأهوال المدمرة والقاضية على الأخضر واليابس. لا بد من وقفة حازمة في وجه دعاة الشر: * إن أي استساغة أو استهانة بما يصدر من هنا ومن هناك من أقوال وأفعال تتهدد الحياة الإنسانية وتتمثل في دعوات إلى الكراهية والحقد والقتل والثأر والحرب والدماء والدموع والتدمير والتخريب!! * إن المهادنة أو غض النظر على أي شيء من ذلك مهما كان مصدره من هنا أو من هناك هو إقرار ضمني بشرعية مثل هذه الدعوات الهدامة والنظريات المخربة والتصرفات المدمرة وكل ذلك حرام ومن اكبر الكبار في كل الأديان السماوية وبدون استثناء. * إن مجالات التعاون والتكامل فيما بين أتباع الرسالات السماوية كثيرة جدا وكبيرة جدا وإنهم سيسألون عنها يوم القيامة. * وكل الأنبياء والمرسلين عليهم السلام دعوا الناس إلى أن يكونوا سلما وأمنا على بعضهم البعض ودعوهم إلى أن لا يتبعوا خطوات الشيطان فهو عدوهم اللدود ولا يريد لهم إلا الهلاك والتباب وهو يصدهم عن سلوك سبيل الصلاح والفلاح في هذه الحياة. * لا بد أن ينهض كل طرف بدوره ويتحمل مسؤولياته أمام الله وأمام التاريخ ولا بد أن نترك جانبا كل أسباب التباغض والتناجش * علينا جميعا أن ننشر في صفوفنا وفي محيطنا دعوة المحبة والسلام والوئام والتعايش بين بني الإنسان. * إذن علينا أن نقف جميعا في وجه الأصوات الناعقة. * وعلينا أن نستأصل من الأنفس المشاعر الحاقدة. * علينا أن ندفع بالتي هي أحسن وعلينا أن نكضم الغيظ وأن نعفو ونصفح وأن يكون الحلم مسلكنا (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم). منزلة متميزة لمريم وعيسى عليهما السلام ولعل مما يبرهن به المسلمون عن هذه النوايا الحسنة تجاه إخوانهم من أتباع الأديان السماوية عامة والدين المسيحي بصفة خاصة واغتناما لحلول العام الميلادي والإداري الجديد أن يذكروهم ويتلوا على مسامعهم بعضا مما نزل في القرآن الكريم كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مما يتعلق بالسيدة مريم العذراء عليها السلام وابنها عيسى عليه السلام وهو كثير وكثير جدا، آيات عديدة وردت كلها في مقام الإجلال والإكبار والتقدير لعيسى وأمه مريم عليهما السلام ولا نعتقد فيما سبق من الكتب والصحف (الإنجيل بمختلف رواياته) ما يتضارب معه ففي سورة مريم يقول جل من قائل (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فنمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمان منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجأها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر احد فقولي إني نذرت للرحمان صوما فلن اكلم اليوم انسيا فاتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرء سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) (سورة مريم) صدق الله العظيم. ما أروعه وما أجمله من تكريم وتعظيم وما أرفعها من مكانة ومنزلة أعطاهما الله لعيسى وأمه مريم عليهما السلام يتعبد بها المسلم ربه ويصافح بها إخوانه من أتباع سيدنا عيسى عليه السلام مادا إليهم يده البيضاء من غير سوء.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.