موقف الإسلام من الاستنساخ

موقف الإسلام من الاستنساخ


أبدأ تدخلي بالتذكير بمجموعة من الثوابت والخصائص والمميزات التي انبنى عليها ديننا الإسلامي الحنيف إذ بالاتفاق عليها والتسليم بها يمكننا ان ننتهي إلى ما من شانه أن يحفظ للدين قدسيته وسموه ويضمن للعلم تقدمه وتطوره ويرعى للإنسان كرامته وأفضليته وأهليته لخلافة خالقه. فالدين-كل دين- ولا سيما ديننا الإسلامي الحنيف إنما انزله الله تبارك وتعالى وختم به الرسالات السماوية وأكمله وأتمه على يدي سيد الكائنات محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام لكي يهدي به الناس أجمعين إلى الصراط المستقيم ويجنبهم الضلالة والغواية والهلاك ويكون بذلك الرحمة المهداة من الله لعباده مصداقا لقوله جل من قائل: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، ولأن دين الإسلام هو دين الرحمة الشاملة الكاملة بالعباد “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” فإن كمال الدين وتمام النعمة يقتضيان ان لا يجد المعتنق لدين الإسلام في ما جاء به هذا الدين أدنى حرج أو ضيق أو مشقة “ما جعل عليكم في الدين حرج”، “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”. وتجسيم هذه الخصوصيات: رفع الحرج، وإزالة الضرر، والتخفيف على الناس، والتيسير عليهم، وتحقيق المصالح لهم نرى أثره واضحا جليا في كل ما أمر الله به عباده وما نهاهم عنه باعتبار أن كل الأوامر والنواهي بعد تحقيقها لواجب العبودية لله تبارك وتعالى “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون” تسعى لدرء المفسدة عن الإنسان أو جلب المصلحة له، ولقد انتهى علماء الشريعة إلى القول بأنه “حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله”. ولا يحتاج المسلمون من اجل أن يدرؤوا عن أنفسهم ضررا أو يجلبوا لها مصلحة إلى وجود النص لان حاجات الناس ومصالحهم متجددة غير متناهية بينما النصوص من القرآن والسنة محدودة. فالمعوّل عليه إذا والمحقق لصحة المقولة المترددة على الألسنة: الإسلام صالح لكل زمان وكل مكان باعتباره آخر الأديان وخاتمتها المعول عليه حينئذ هو الاجتهاد الذي فتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة وأقرها عليه ورضيه منهجا لمجابهة ما يستجد ويحدث في حياة الناس، فقد قال عليه الصلاة والسلام في مقام الإقرار والرضا عن عزم صاحبه معاذ على الاجتهاد عندما لا يجد نصا من قرآن وسنة قال عليه الصلاة والسلام “الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي الله”. * وبالاجتهاد الفردي والجماعي توفرت للمسلمين ثروة فقهية واكبوا بها عبر العصور ما استجد من أحداث وكانت انعكاسا لحركة مدهم وجزرهم، وقوتهم وضعفهم، وتقدمهم وتخلفهم، إلا أنها مع كل ذلك تبقى علامة مضيئة تدفع الخلف للنسج على منوال السلف حفاظا على ثوابت الحدين واستجابة لدواعي الواقع ومتطلباته في مختلف المجالات والميادين. وقد بين هذا المنهج في التعامل مع قضايا الحياة والناس في ضوء تعاليم الدين الحنيف الإمام الشاطبي حيث قال: “يرى علماء الشريعة أن أحكامها ترجع إلى تحقيق مقاصد الشارع في الخلق وحمايتها وإن هذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام أحدها أن تكون ضرورية والثاني أن تكون حاجية والثالث أن تكون تحسينية” يقول الإمام الشاطبي: "الضرورية معناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين. ومجموع الضروريات خمسة هي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب فإذا لم تراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة كالتمتع بالطيبات مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا وما أشبه ذلك. وأما التحسينات فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق) الموافقات 2/8/11. * فالإنسان هو المحور الأساسي وإسعاده السعادة الشاملة هي هدف الإسلام وغايته وفي سبيل تحقيق ذلك تندرج كل الأوامر والنواهي، وكل العزائم والرخص، وكل التخفيفات والتيسيرات، التي عبرت عنها قواعد: الضرر يزال، والضرورات تبيح المحضورات، ويرتكب أخف الضررين لدفع أعظمهما، والمشقة تجلب التيسير، والأمر إذا ضاق اتسع، والتي يجمعها قول الله تبارك وتعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا” وقوله “إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق”. * وتبلغ عناية الإسلام بالإنسان وتقديره لمصالحه واعتبارها قمتها ومنتهاها عندما يجعل المحافظة على الأبدان مقدمة على المحافظة على الأديان باعتبار غنى الله المطلق عن طاعات المطيعين. * وانتهاك حرمة إنسان واحد وظلمه وإزهاق روحه يعتبره الإسلام كقتل الناس جميعا وكذلك بالنسبة لإحياء نفس بشرية موشكة على الهلاك فكأنه إحياء للناس جميعا يقول جل من قائل: “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” سورة المائدة. وبذلك فتح الإسلام للمسلمين بابا واسعا من أبواب البر والخير وتفريج كروب المكروبين ومد يد المساعدة إليهم وقد وجد في هذه الآية وغيرها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية علماء الإسلام ومجامع الفقه ما يستند عليه في الإفتاء بجواز التبرع بالدم والأعضاء التي لا تتوقف عليها حياة المتبرع في حياته واعتبارها صدقة جارية له بعد وفاته. * ولأن العلم هو أحد أسباب إسعاد الإنسان وتمكينه في الأرض ولأنه أيضا الكفيل بدرء المفاسد عنه وجلب المصالح له فضلا عن أن العلم هو السبيل المحققة لمرضاة الله تبارك وتعالى فقد جعله الإسلام فريضة على كل مسلم ومسلمة وكان أول تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن كريم هو قوله جل من قائل “اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم”. وذلك ولا شك مقصود وفيه توجيه للمسلمين إلى أن طلب العلم وتحصيله والتبحر فيه مقدم على سواه في دين الإسلام، وهو الكفيل أيضا برفع الدرجة والمنزلة عند الله كما، انه مقياس التفاضل والتمايز فيما بينهم، ويكفي هنا أن نذكر بقوله جل من قائل: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”. وقوله تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء” قوله جل من قائل: “يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات”. ولا شك أن كل هذه الآيات وغيرها وكذلك الأحاديث الحاظّة على طلب العلم وتحصيله الواعدة بعظيم الأجر وجزيل الثواب لسالك طريق طلب العلم والمرجحة لمداد العلماء على دماء الشهداء كل هذه النصوص المحتفية بالعلم والحاظّة عليه والدافعة إلى التبحر فيه ينبغي علينا أن نتركها على عمومها وان لا نقيدها بالعلوم الشرعية الدينية التي هي فرع من فروع العلم المتكاثرة كل يوم. * ولعل العلوم الشرعية باعتبارها المبينة لحقوق الله على عباده أشد حاجة إلى سواها من بقية العلوم: إقامة للحجة وإقناعا بها ثم تجسيما فعليا لمراد الله من عباده والمحقق لحبه ومرضاته على حد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب العباد إلى الله انفعهم لعباده”. * ولان الإسلام لا يعتبر العلم ضرة له نادى بأعلى صوت: طلب العلم من المهد إلى اللحد والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها، وكل علم رديء الجهل به أردى منه، وأول شيء يجب أن نفهمه من كلام الله هو الآيات الدالة على وجود الله وعلى انه الخالق العليم القادر المريد البارئ المصور الحكيم وهذه الآيات لا تفسر على الوجه الأكمل إلا إذا اطلعنا على ما في الكون من أسرار الخلق والنظم والإحكام والإتقان. فعلماء الدين أولى الناس بالإطلاع على أسرار العلم ولا يصدق عليهم (الحصر) الوارد في قوله تعالى “إنما يخشى الله من عباده العلماء” والمراد به الخشية الكاملة – إلا إذا كانوا عارفين من العلوم الكونية أي كل ما يتعلق بأسرار الوجود والخلق التي دلنا عليها القرآن وذكر لنا يعضها لان هذه الآية لم ترد في سياق الكلام عن أمر يتعلق بالعبادات أو المعاملات أو الأخلاق بل وردت في سياق الدلالة على قدرة الله وحكمته في إنزال المطر وخلق النباتات والحيوانات على اختلاف أنواعها وألوانها حيث يقول الله تعالت قدرته: (ألَمْ تَرَ أنَّ الله أنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا ألْوَانُهَا ومِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ كَذَلِكَ إنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءِ إنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ) سورة فاطر 27/28. والذي يعود إلى القرآن الكريم ويستعرض سوره وآياته يجدها تزخر بالدعوات الملحة إلى النظر المتمعن في ملكوت الله والاعتبار بما فيه يخرج بها كل عالم بصير بادراك الدقة والروعة والتنظيم التي تستحيل معها الصدفة. ولقد لفت ذلك أنظار واهتمام المختصين من العلماء المسلمين وغير المسلمين ورأوا فيه مظهرا من مظاهر الإعجاز القرآني الذي لا يخرج بهذا الكتاب عن دوره الأساسي ككتاب هداية قبل كل شيء “ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين”. وقضية الاستنساخ تبدو لأول وهلة مضاهاة لخلق الله ومشاركة له سبحانه فيما اختص به مما أكدته كل الكتب السماوية وبالخصوص القرآن الكريم إلا أن المتتبع لمسار عملية الاستنساخ ومختلف الشروح والتوضيحات التي قدمها أهل الذكر والاختصاص من الأطباء وعلماء البيولوجيا بالنسبة للنعجة “دولي” وقبلها في مجالات الزراعة والفلاحة ليست خلقا من عدم كما يتبادر ذلك إلى الذهن، إنها تدخل في طور من أطوار التكون على مستوى الخلية من اجل الحصول على تركيب جديد مكن التقدم العلمي إلى اقتحامه والشروع فيه. فمن المعلوم أن جسم أي كائن حي بما فيها الإنسان يتكون من مجموعة هائلة من الجزئيات وتتكون هذه الجزئيات من خلايا متجاورة تسمى السيتوبلازما وبداخل كل خلية توجد نواة تحتوي على أجسام صغيرة اسمها الكروموزمات. وجميع الخلايا البشرية باستثناء بويضة المرأة وحيوان منوي الذكر تحتوي على 46 كروموزوم وكل كروموزوم يحتوي على عدد هائل من الأجسام الدقيقة تسمى بالجينات. وهذه الجينات هي المسؤولة عن تحديد الصفات الوراثية للكائن الحي. هذه الجينات عبارة عن خرائط أو معلومات أو خطط تركيبة الكائن الحي والاستنساخ “هو اخذ خلية جسدية من كائن حي تحتوي على كافة المعلومات الوراثية وزرعها في بويضة مفرغة من موروثاتها ليأتي الجنين أو المخلوق مطابقا تماما في كل شيء للأصل أي الكائن الأول الذي أخذت منه الخلية”. فالذي تم بالنسبة لنعجة اسكتلندا “دولي” أو القردين الأمريكيين وما لا يزال يجري ومنذ سنوات على المستوى النباتي والزراعي هو الانطلاق من خلايا حية موجودة في الحيوان وفي النبات وموجودة أيضا لدى الإنسان والأبحاث إنما جرت انطلاقا من “مخلوقات” وليس من عدم. وبالعودة إلى آيات القرآن الكريم المتعرضة بإطناب وتوسع ملفت لنظر الإنسان نلاحظ التأكيد والإلحاح على فعل خلق دون سواه من الأفعال الأخرى حيث يقول جل من قائل: “قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره” عبس 17-19. “يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا” سورة الحج الآية 5. “ثم كان علقة فخلق فسوى” سورة القيامة الآية 38. “يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق” سورة الزمر6. “ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقننا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين” سورة المؤمنون 12/14. “هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا” سورة غافر 67. “إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه” الإنسان 2.والآيات المتعلقة بأطوار خلق الإنسان ومروره بمراحل معينة كثيرة كانت في السنوات الأخيرة محور ندوات جمعت أهل الذكر من فقهاء وأطباء لينتهوا إلى عدم تعارض آخر ما انتهى إليه العلم مع ما انزل منذ أربعة عشر قرنا من قرآن كريم. لكن الذي أثار الاهتمام وعجل بصدور العديد من الآراء التي اتصفت بالتعجل هو الخشية من الانتقال من استنساخ النبات والحيوان بعد نجاح تجربة علماء اسكتلندا وظهور النعجة “دولي” هو البلوغ إلى الإنسان واستنساخ صور منه أو أجزاء منه. * وإذا كان العلماء قد أجمعوا في مختلف ما صدر عنهم من آراء على جواز الاستنساخ على المستوى النباتي والحيواني لما في ذلك من توفير للإنتاج وتحسين للمردود مما قد يكون وسيلة لمواجهة الانفجار الديموغرافي وباعتبار وضوح جلب المصلحة في مثل هذه العملية وما في ذلك من إطعام لملايين الجياع وإنقاذ لهم من الهلاك المحقق بحكم ندرة وقلة المنتوجات وكثرة الطلب فإن أغلب العلماء تخوفوا وأعلنوا حرمة الاستنساخ على المستوى البشري وتنادوا إلى الاجتماع على مستوى المجامع والمجالس العلمية المختصة للنظر في هذا الخطر الداهم الذي ستترتب عليه أضرار كثيرة ومخاطر عديدة منها تقلص دور الزواج أو دور الرجل على وجه الخصوص في عمليات الإنجاب إذ سيكون في وسع كل امرأة سواء كانت متزوجة أو آنسة أن تنجب أطفالا كما تشاء ويستطيع البعض إنتاج نسخ من أنفسهم وسيمكن تخليق جيوش من الرجال والنساء ذات مواصفات خاصة من نسخة واحدة وسيمكن تولد الأحياء من الأموات في صورة طبق الأصل من الذين تم دفنهم تحت التراب والمخاطر عديدة لا تحصى!!. * ولم يقتصر التحذير من مخاطر الاستنساخ البشري على رجال الدين وعلمائه من مسلمين ومسيحيين ويهود بل تعدى التحذير من المخاطر إلى رجال السياسة في اكبر بلدان العالم كأمريكا وبريطانيا وألمانيا والمجموعة الأوروبية. بل عبر عن هذه المخاوف علماء مختصون في البيولوجيا ويباشرون من قرب مجريات الأمور في المخابر العلمية حيث استنسخت “دولي” واستنسخ القردان الأمريكيان فهذا البروفسور رينز كولتزمان يقول: “إن الإنسان يخطئ كثيرا عندما يحاول أن يلعب دور الإله، إن دور العلماء ليس بهذا الحجم العملاق ولن يكون. إن الله يخلق الأشياء والإنسان من العدم، أما هم فيخلقون أشياء خلقها الله”. * إنها مخاوف لا يملك كل مؤمن إلا أن يشاطر فيها البروفسور “رينز كولتزمان”، ويحق لكل مؤمن أن يتساءل عن أي مصير سيؤول إليه الإنسان وأي حتف سيسعى إليه إن هو مضى قدما يقوض ما تعارفت عليه البشرية من روابط أسرية وزوجية خلق عليها الله كل الناس منذ أن نزل آدم عليه السلام إلى الأرض وهي روابط منّ بها الله على عباده وعددها لهم في سبيل التذكير لهم من ذلك “لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” الآية 21 سور الروم. وقوله جل من قائل: “والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفباباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون” سورة النحل 72. * إن أخشى ما نخشاه على الإنسان المغرور غير المتقيد بالقيم والأخلاق والمواثيق أن يدمر ذاته وكيانه. * إن الاستنساخ كما تقول البروفسورة كاي ديفيس الباحثة في المورثات البشرية بجامعة أكسفورد: “يحمل في طياته خطرا كبيرا على البشرية في حال تطبيقه على الإنسان كاحتمالات تفشي أعراض مرض السكري أو انفصام الشخصية أو أمراض القلب إذا كان الأشخاص الأصليون يحملون مثل هذه الأعراض”. * ألا يكون الإنسان حينئذ ممن عناهم الله في كتابه العزيز على لسان إبليس: (لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) النساء 118/119.؟! * ألا يكون الإنسان المقدم على استنساخ ذاته ممن عناه الله بقوله: “ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد”. 204/205 البقرة. * تلك محاذير ومخاطر لا بد من التنبيه إليها والتذكير بها دون أن يكون في ذلك أدنى نية للوقوف في وجه التقدم العلمي وذلك غير ممكن ولا شك، والأمر جد ليس بالهزل، ولا هو مما يقبل التريث أو الانتظار فإن المجامع الفقهية والعلمية والإسلامية ستجعل قضية الاستنساخ أولوية مقدمة على كل المواضيع الأخرى لتبين للأمة باجتهاد جماعي: الجائز من غير الجائز، والمباح من المحرم في مجال الاستنساخ، وهي ولا شك لن تغض الطرف عن آراء أهل الذكر والاختصاص الذين سيبينون الميادين المدمرة والخطيرة من الاستنساخ وهي حرام في كل الأديان وفي ذلك عين الرعاية لحقوق الإنسان وكرامته. كما سيبينون أيضا المجالات التي يمكن للاستنساخ أن يقدم فيها للبشرية خدمات هي في أمس الحاجة إليها سواء كان ذلك في التغلب على الأوبئة والأمراض الوراثية قبل ن تنمو وتستفحل (والتقدم العلمي يمكن من ذلك اليوم) وذلك في ميادين مثل: السرطان، وفقدان المناعة المكتسبة والإعاقات المبكرة. كما أن تقدم الاستنساخ يمكن أن يوفر للعديد من المصابين بالعجز الكلوي أو إصابات قلبية أو رئوية أو كبدية أعضاء عن طريق الاستنساخ فيخفف على هؤلاء المصابين وعلى المجموعة الأعباء المالية الثقيلة وقد سبق للمجامع الفقهية أن أصدرت في جواز زرع الأعضاء الفتاوي العديد. * على كل فلسنا إلا في البداية ولا بد من اليقظة والحذر وتجنب التسرع في التحريم والتجريم أو في الإباحة وإطلاق العنان./. لم يقتصر التحذير من مخاطر الاستنساخ البشري على علماء الدين ورجاله، بل تجاوزهم إلى الساسة ومختلف هيئات السلطة والنفوذ، بل إن العلماء المختصين في ما أوصل إلى إنتاج نعجة اسكتلندا انضموا إلى هذا التحذير، ونادوا بضرورة التوقي والاحتياط من كل انزلاق يؤدي لا قدر الله إلى الانتقال بالاستنساخ من مجالي النبات والحيوان، إلى مجال الإنسان هذا الكائن الذي كرمه ربه وفضله على كثير مما خلق واتخذه خليفة له ونفخ فيه من روحه. ويكفي هنا أن نذكّر بما قالته الأستاذة الباحثة في الموروثات البشرية بجامعة أكسفورد الدكتورة كاي ديفيس التي لا يمكن أن تتهم بتعصب وتحجر أو انغلاق وتزمت، فقد قالت: “إن الاستنساخ يحمل في طياته خطرا كبيرا على البشرية في حال تطبيقه على الإنسان كاحتمالات تفشي أعراض مرض السكري أو انفصام الشخصية أو أمراض القلب إذا كان الأشخاص الأصليون يحملون مثل هذه الأمراض”. ولا بد من الطمأنة والتأكيد على ان التحذير من المخاطر والمضار لا يعني إنكار ما بدت جلية غلبة المصلحة عليه، وما ظهرت للعيان فوائده في ميدان الاستنساخ، وذلك بالخصوص في المجالين : النباتي والحيواني، إذ السعي الجاد وبذل كل ما في المستطاع لدرء المفسدة عن الإنسان، وجلب المصلحة إليه مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية، لا يحتاج المضي فيه إلى تقديم الدليل والبرهان، إذ حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله، وقد بين ذلك بإسهاب الإمام الشاطبي حيث قال: “ومجموعة الضروريات خمس هي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة، كالتمتع بالطيبات مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا وما أشبه ذلك. وأما التحسينات فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق” (الموافقات 2/8). ولا يملك علماء الإسلام إلا ان يباركوا كل ما يوصل إليه البحث العلمي في مختلف مراكزه ومخابره، شريطة ان تكون غاية هذا العلم تحقيق المزيد من المصالح للإنسان وتغليبه على كل ما يمكن ان يعترض سبيله في هذه الحياة من متاعب ومشاق، غير أن علماء الدين وأهل الذكر في كل الأديان وفي الإسلام بالخصوص، لا يمكن لهم أن يجاروا الإنسان في غروره وتجاوزه لحدوده، كما انه لا يمكنهم ان يسكتوا عن سعي هذا الإنسان في بعض الأحيان إلى تدمير ذاته وفنائه، فذلك سكوت على الباطل وخيانة لأمانة التبليغ التي ائتمنوا عليها وخلفوا فيها أنبياء الله ورسله عليهم السلام.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.