من وحي ذكرى المولد النبوي تحقيق القول في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم لسماحة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله

من وحي ذكرى المولد النبوي تحقيق القول في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم لسماحة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله


ختم سماحة الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله كتاب “كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ” بوقفة مع أسماء النبي صلى الله عليه وسلم انطلاقا من الحديث الذي يرويه مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لي خمسة أسماء: أنا محمد وأنا احمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميّ وأنا العاقب). يقول الشيخ ابن عاشور أن لام الاختصاص في قوله صلى الله عليه وسلم “لي خمسة أسماء” أن هذه الأسماء المباركة أعلام له لا يشاركه فيها غيره، وهذا في نظر الشيخ ابن عاشور يثير إشكالين أولهما إن هذه الأسماء قد يسمى بها غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم له غير هذه الأسماء فقد ثبت في الآثار الصحيحة منها: نبيّ التوبة ونبي الرحمة في حديث أبي موسى الأشعري في صحيح مسلم وقال يونس عن ابن شهاب في روايته لحديث جبير بن مطعم (وقد سماه الله رؤوفا رحيما). يقول الشيخ ابن عاشور أن العلماء ذهبوا في دفع هذين الإشكالين طرقا رآها غير مقنعة. ولدفع هذين الإشكالين وبيان الحديث من أصله حقق الشيخ ابن عاشور معنى الاسم والفرق بينه وبين الصفة قائلا (فاني لم أر من عرج عليه في مثل هذا المقام) وجعل ذلك فاتحة لاستنارة المراد إذ الاسم مشتق من وسم ومكان المعنى به العلامة التي تُجعل لذات لتميّزها عن غيرها من الذوات، وهو في اللغة يرادف معنى العلم، ولذلك يقولون سماه كذا أي جعله له علما، فكان حق العلم والاسم أن لا يشارك المسمّى به غيره. وكان حقه أن لا يدل على معنى وصفي. ولكنه قد يشعر بالوصف إشعارا ما إذا كان واضع الاسم قد لاحظ عند التسمية بذلك اللفظ ملاحظ للمناسبة أو للإشعار بوصف في المسمى أو للتفاؤل ولذلك يضمنون المعنى الوصفي مع اختصار في اللفظ تقريبا لمعنى العلمية. يقول الشيخ ابن عاشور (فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعلمنا أن له خمسة أسماء فعلمنا أن هذه الخمسة أعلام له، وله بها مزيد اختصاص فأما كونها أعلاما فلإن اسم محمد هو الذي سماه به جده عبد المطلب حين ولادته وبه دعاه القرآن ثلاث مرات. وأن اسم أحمد قد سمي به على لسان الرسول الذي جاء قبله وهو عيسى عليه السلام، كما حكاه عنه القرآن، فهو بهذا الوجه اسبق من اسمه محمد في سجل الوحي والرسالة يقول الشيخ ابن عاشور واحسب أن اسم أحمد تعبير عما يسمى به انه علم مشتق من قوة الحمد أي كثير الحمد. يقول الشيخ ابن عاشور (فهذان علمان له لا محالة ولم يتحقق أن قد سمي باسم محمد أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم خلافا لما في الروض الانف للسهيلي). ويرجح الشيخ ابن عاشور أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسمى بالأسماء الثلاثة الباقية نفسه بتوقيف من الله تعالى وهذه الأسماء وإن كانت أوصافا له كما يدل على ذلك تفسير كل واحد منها بما يدل على قصد الوصف، فإن تلك الأوصاف لما بينت بمتعلقاتها كانت خاصة به صلى الله عليه وسلم ونُزّلت بذلك الاختصاص منزلة الأعلام التي حصلت لها العلمية بالغلبة. يقول الشيخ ابن عاشور (أما بقية أوصاف النبئ صلى الله عليه وسلم الواردة في القرآن والسنة مثل “بالمؤمنين رؤوف رحيم” ومثل الشاهد والمبشر، والقدير، والداعي إلى الله ومثل نبي الرحمة فإنها مراد منها الوصفية دون العلميّة. يقول الشيخ ابن عاشور (انه لا يوجد فيما ورد فيها من الآثار أن النبئ صلى الله عليه وسلم عبر عنها بأسماء بل يقول: أنا نبي الرحمة مثل حديث حديفة في كتاب الشمائل. وينتهي الشيخ ابن عاشور إلى القول بأنه (لا منافاة بين ما اشعر به لفظ خمسة من حصر أسمائه في تلك الخمسة وبين ما دعي به رسول الله صلى الله عيه وسلم من صفات الكمال وكذلك مفاد لام الاختصاص إنما الاختصاص بمعنى الحصر كما توهمه الناس. وانطلاقا مما انتهى إليه أبو بكر بن العربي في القبس والذي يقول: نص على أسمائه الخمسة التي ترتبت عليها الشريعة فإن الله تعالى سمّى نفسه وترتبت المخلوقات على أسمائه الحسنى فتعلق بكل اسم من أسمائه جزء من مخلوقاته وكذلك تعلق كل جزء من أجزاء الشريعة بكل اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم). وتمنى الشيخ ابن عاشور لو أن ابن العربي بين كيفية تعلق كل جزء من أجزاء الشريعة بكل اسم من هذه الأسماء الخمسة ونظرا لأن ابن العربي ألم بها إلماما كما يقول ابن عاشور ولم يشف من مطالعها أواما فانه ترسم أثره راجيا إن يصيب ما أضمره. يقول ابن عاشور (ولاشك أن ابن عربي يريد بالجزء من الشريعة الجزء النوعي أي التنويع الأول للشريعة كلها إذا لا يمكن تعلق أجزاء الشريعة أي فروعها بأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الاعتبار. فالتنويع الأول للشريعة أنها تتنوع إلى: الإيمان والإسلام والإحسان كما أنبأ عنه حديث جبريل في الصحيح. ودخل في الإيمانِ الإيمانُ بما جاء به الرسول من قبل وهو ما أنبأ عنه قوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) الآية ودخل في ذلك ما اختصت به هذه الشريعة وهو أنها ناسخة لجميع الشرائع التي سبقتها وأنها خاتمة للشرائع كلها بحيث لا تنسخها شريعة أخرى فأسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخمسة قد تعلق بكل واحد منها جزء من هذه الأجزاء. واسم أحمد لما كان اسم تفضيل من الحمد كان مشتقا من الحمد المضاف إلى الفاعل أعنى الحامدية وذلك حمدا لله على نعمه وملاحظة شكره فنعلق بهذا الاسم جزء الإحسان. واسم الحاشر الذي فسر بأنه الذي يحشر الناس على قدميه أي على أثره تمثيلا لعدم الفصل بينه وبين الحشر بنبي آخر تتبعه أمة أخرى فتعلق بهذا الاسم جزء ختم الرسالة. واسم العاقب بمعنى الآتي عقب من قبله والمراد هنا عاقب الأنبياء ولما كان هذا أمرا معلوما لم يكن الإخبار به أو الوسم به إلا للدلالة على لازمه اعني انه الذي نسخت شريعته شرائعهم فتعلق بهذا الاسم جزء نسخ هذه الشريعة الشرائع التي قبلها يقول الشيخ ابن عاشور هذا ما لاح في تفقيه كلام أبي بكر بن العربي رحمه الله. ويمضي الشيخ ابن عاشور بعد ذلك قائلا (وعلينا أن نلتفت إلى وجه اختصاص الرسول عليه السلام بهذه الأسماء من جهة معانيها فالاسمان الأولان هما علماه كما تقدم فظهر اختصاصه بهما لا يحتاج إلى زيادة * واسمه الماحي المفسر بمعنى محو الكفر به اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه بدعوته قد اقتلع الشرك من جذوره وفضح اعتقاد أهله بما نصبه من الأدلة على بطلانه وفضائحه وبهتانه بحيث لم يبق بعد الدعوة المحمدية له رواج يقول الشيخ ابن عاشور فلذلك كان الإشراك ابعد شيء عن المسلمين مع أنه لم تنج منه الأمم الأخرى فقد عبدت بنو إسرائيل العجل ثم قالوا لموسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) وقد عبدت النصارى عيسى بن مريم ومريم فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع (إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه رضي منكم بما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم) فالمراد من المحو محو شبهه بالأدلة القاطعة المتكررة فيكون المحو مجازا في الأبطال القوي كقول الشاعر: محا السيف ما قال ابن دارة اجمعا * واسم الحاشر قد دل على ختم الرسالة وهو من خصائصه. * واسم العاقب دل على نسخ الشرائع التي سلفت وذلك من خصائصه. فهذا إجماع خصائص هذه الأسماء الشريفة المباركة صلى الله عليه وسلم على صاحبها. هذا أيها القارئ بعض ما جاء في كتاب “كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ” الذي خطه قلم سماحة الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله مما لم يتوصل إلى استنباطه من سبقوه من شراح كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة مالك بن انس رحمه الله، ذلك أن الشيخ الإمام في كل ما كتب في التفسير أو المقاصد أو في أصول النظام الاجتماعي في الإسلام وفي ما علق به على صحيح البخاري وكذلك في ما كشفه من مغطّى المعاني والألفاظ التي وقعت في الموطأ.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.