من شروح موطا الإمام مالك: الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني وشرحه للموطا

من شروح موطا الإمام مالك: الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني وشرحه للموطا


لا عجب أن يعتبر الشهاب المرجاني محمد بن عبد الباقي الزرقاني من مجددي المائة الحادية عشر من المالكية فأن ما تركه من أثار يشهد برسوخ قدمه و سعة عمله ، فهو لئن كان من المتأخرين إلا أن أثاره تحشره مع العلماء الأعلام الذين خلد التاريخ ذكرهم و انتشر بين الناس علمهم فاستفادوا منه. انه لمفخرة الديار المصرية و مذهب السادة المالكية ونهجه في البحث و سمته و سيرته و ما خلفه من أثار يذكر بعلماء المذهب الخالدين الذين أقاموا القواعد و الأصول و محصوا الصحيح من السقيم اقتداء بإمامهم مالك بن انس رحمة لله الذي و طأ للناس موطأ هو اصح الكتب بعد كتاب الله أتى فيه على أحكام الدين و أوامره ففصلها و بينها بهدي من سنة الرسول الأكرم عليه الصلاة و السلام و أثار أصحابه و تابعيهم رضي الله عنهم. اسمه و نسبه: هو محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن احمد بن علوان الزرقاني المصري الأزهري المالكي أبو عبد الله و نسبه إلى زرقان قرية من قرى مصر. نشأته نشأ محمد بن عبد الباقي الزرقاني في جو علمي ابتداء من أسرته التي كانت أسرة علم. اشتهرت بذلك في الديار المصرية عرقوا بالتأليف و التدريس و نشر أحكام الدين و أصوله. و هذه الأسرة ليست إلا واحدة من عشرات أمثالها كانت تتنافس فيما بينها و تحرص على توجيه أبنائها وجهة علمية. كان محمد بن عبد الباقي الزرقاني شغوفا بالعلم و العلماء منذ صغر سنه، توجه صوب كتاب الله فحفظه ثم سلك سبل العلم المعروفة والمتبعة في زمانه والمتمثلة في تعلم مبادئ اللغة والفقه والانتقال إلى حلقات العلماء بالجامع الأزهر حيث المتون و الشروح و الأمهات في كل المجالات تدرس من طرف فطاحل العلماء في شكل حلقات لا ترتبط بشكليات فلا حواجز بين المشايخ و طلابهم بل هي صلة دائمة تربط بينهم و حرص من الطرفين على النفع و الانتفاع. شيوخه تلقى محمد بن عبد الباقي الزرقاني عن والده الذي كان من علماء مصر البارزين. و اخذ عن النور الشبرامسي و عن الشيخ محمد البابلي و عن الشيخ محمد بن خليل العجلوني الدمشقي و عن الشيخ عبد الله الشبراوي. كما ادرك الاجهوري و اخذ عنه. و كل هؤلاء من خيرة علماء زمانهم المهشود لهم بالامامة و الرئاسة العلمية .لازمهم الزرقاني و استفاد منهم و أجازوه فخلفهم فكان خير خلف لاحسن سلف. ذكرت مجالسه و تأليفه و أثاره بالعلماء الأعلام و سرى في العلوم الدينية نفس جديد كانت في حاجة إليه. تلاميذه و لما كانت هذه مكانته و تلك درجته فقد سعى إليه طلبة العلم من كل الأمصار و أصبحت دروسه ملتقى لكل الراغبين في الاستفادة و التحقيق العلمي الصحيح. و هكذا تخرج على يديه عدد كبير من العلماء الإعلام الذين تسلموا من بين يديه المشعل نذكر من هؤلاء الشيخ الشيراوي صاحب الثبت و الجوهري و السقاط و العشماوي و جميع هؤلاء من العلماء الذين اثروا بكتبهم و تأليفهم في مختلف مجالات العلم و فنونه المكتبة الإسلامية.و يرجع الفضل إلى أستاذهم الذي علمهم وتجرجوا على يديه. تأليفه و أثاره كتاب: شرح موطأ الإمام مالك بن انس هو الذي به اشتهر و عرف و هو مطبوع اثني عليه كل من اطلع عليه و لمس ما فيه من علم و تحقيق و منهج سليم و سيتجلى لنا ذلك عندما نعرض لنموذج منه و شرح لحديث. شرح المواهب اللدنية و هو مطبوع شرح البيقونية أصول الأماني و مختصر المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة للسخاوي و هو مختصر صغير و هذه العناوين المختلفة و بصفة خاصة شرح الموطأ و شرح المواهب اللدنية تبين سعة علم الزرقاني و منهجه في التحقيق و سعة افقه و تشهد بإمامته و رئاسته العلمية. شهادات العلماء فيه اعتبره الشبراوني خاتمة الحفاظ و يرى الجبرتي في عجائب الآثار انه خاتمة المحدثين و عدة الشهاب المرجاني في وفيات الأسلاف من مجددي المائة الحادية عشر من المالكية. أما عبد الحي الكتاني فانه يرى أن أثاره الباقية تقف شاهدا على تجديده و تبحره. وشرح الموطأ هو أهم ما كتب الزرقاني و سنتركه يبين لنا منهجه في الشرح (أما بعده فان العاجز الضعيف الفاني محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني لما من الله عليه بقراءة الموطأ بالساحات الأزهرية، وكان الابتداء في عاشر جمادى الأولى سنة تسع بعد مائة و ألف من الهجرة النبوية ، بعد ما هجر بمصر المحمية، حتى كاد لا يعرف ما هو كتبت عليه ما أتاحه لي ذو المنة و الفضل، و إن لم أكن لذلك و لا لأقل منه بأهل، لان شروحه و إن كثرت عزت بحيث لا يوجد منها في بلادنا إلا ما قل و جعلته وسطا لا بالقصير و لا بالطويل ، و اتيت في ضبطه بما يشفى للقواصر مثلى الغليل، غير مبال بتكراره كبعض التراجم لما علم من غالب حالنا من النسيان. ثم انى لا اعيبه بالبراءة من العيوب ، بل هي كثيرة ، لا سيما لا هل هذا الزمان ، لكنى أعوذ بالله من حاسد يدفع بالصدر، فهذا الله لا لزيد و لا لعمرو و الله اسأل من فضله العظيم ، متوسلا إليه بحبيبه الكريم أن يجعله خالصا لوجهه و يسهل بالتمام و أن يجعله وصلة إلى خير الأنام و أن يأخذ بيدي في الدنيا و يوم القيام و يمتعنى برؤيته و رؤية حبيبه في دار السلام. و حيث أطلقت لفظ الحافظ فمرادي ختام الحفاظ ابن حجر العسقلاني و الله حسبي و عليه توكلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله و كل امرى له أسلمت و فوضت.) شرح موطا مالك للزرقاني ج1 ص3. هكذا الزرقاني يرسم منهجه فهو وسط لا تطويل فيه يخل و لا انجاز فيه يحل. حدثني يحي عن مالك عن أبي الزناد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال. إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فان فيهم الضعيف والسقيم والكبير، و إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء (العمل في صلاة الجماعة) (مالك عن أبي الزناد) بكسر الزاي و خفة النون: عبد الله بن ذ كوان (عن الأعرج) عبد الرحمان بن هرمز عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إذا صلى أحدكم بالناس) إماما (فليخفف) بالتمام قال ابن دقيق العيد: التطويل و التخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة إلى عادة آخرين قال. و قول الفقهاء: لا يزيد الإمام في الركوع و السجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عنه صلى الله عليه انه كان يزيد على ذلك لان رغبة الصحابة في الخير تقتضى أن لا يكون ذلك تطويلا قال الحافظ: و أولى ما اخذ به حد التخفيف حديث أبي داود و النسائي عن عثمان بن أبي العاص إن النبي صلى الله عليه و سلم قال له أنت إمام قومك و اقدر القوم بأضعفهم إسناده حسن واصله في مسلم ( فان فيهم الضعيف ) خلقه (و السقيم) من مرض (و الكبير) سنا.قال ابن عبد البر : أكثر رواة الموطأ لا يقولون و الكبير، و قاله جماعة منهم يحي و قتيبة. وفي مسلم من وجه أخر عن ابن الزناد ً و الصغير و الكبير و زاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل و المرضع و له من حديث عدي بن حاتم (إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فان فيهم الضعيف و الكبير) هي اشمل الأوصاف المذكورات ، ثم الجميع تعليل للأمر بالتخفيف ، ومقتضاه انه متى لم يكن فيهم متصف ينبغي لكل المذكورات لم يضر التطويل لكن قال ابن عبد البر : بالتخفيف و إن علم الإمام قوة من خلفه فانه لا يدرى ما يحدث عليهم من حادث و شغل و عارض حاجة و حدث بول و غيره و قال اليعمري: الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي على الامة التخفيف مطلقا قال : و هذا كما شرع القصر في السفر و علل بالمشقة و هي مع ذلك تشرع و لو لم يشق عملا بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه و هنا كذلك (و إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) و لمسلم فليصل كيف شاء أي مخففا أو مطولا ، و استدل به على جواز إطالة القراءة و لو خرج الوقت. وصححه بعض الشافعية و فيه نظر ، لأنه يعارضه عموم حديث أبي قتادة في مسلم ً و إنما التفريط بان يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى و إذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل و مفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة تلك المفسدة أولى. و هذا الحديث رواه النجاري عن عبد الله بن يوسف ، و أبو داود عن القعنبى كليهما عن مالك به. و مما نلاحظه اعتناء الزرقاني بشرح و تفسير ألفاظ الحديث و تبيين غريبه و ذلك بالاعتماد على كتب اللغة .كما يذكر الأحكام المستنبطة على مختلف المذاهب الفقهية و يرد على معارضي المالكية كما انه يورد عن الشراح السابقين و خصوصا ابن حجر و قد أشار إلى ذلك في مقدمة الشرح أراده الزرقاني وسطا غير مطول فيه.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.