من سجايا تطاوين واهلها والعالم الجليل آخر شيوخ الزيتونة محمد الحبيب النفطي امد الله في انفاسه

من سجايا تطاوين واهلها والعالم الجليل آخر شيوخ الزيتونة محمد الحبيب النفطي امد الله في انفاسه


من المدن ما تشدك اليها معالمها الاثرية ومنها ما يشدك اليها ما حباها الله به من مواقع جغرافية اما غابية جبلية أو شواطئها البحرية ومنها ما تشدك اليها واحاتها ونخيلها ومنها ما تشدك اليها ذكريات الصبا لانك ولدت فيها وترعرعت بين احضانها وما تحتفظ به من ذكريات جميلة، وقد تكون تلك المدينة التي هي مسقط الراس نائية بعيدة عن مقر العمل والسكنى وللوصول اليها وزيارتها تضطر الى قطع مئات الكيلومترات ومع ذلك فانك تتحمل اتعاب ومشاق السفر والسفر دائما قطعة من عذاب ومع ذلك فانك بمجرد ما تطل على بناءاتها تنسى كل ذلك واعتقد ان الامر جبلي في الانسان الذي خلقه الله ألوفا *ذلك هو شعوري كلما زرت مدينة تطاوين مسقط راسي التي لم انقطع عنها وعن اهلها رغم انني غادرتها في سن مبكرة (قبل نهاية التعليم الابتدائي) صحبة اسرتي عندما انتهى المطاف بالشيخ الوالد الى الاستقرار في ضاحية مقرين في بداية الستينات من القرن الماضي بعد ان قضى في الجنوب الشرقي والغربي مرحلة من اخصب مراحل عمره كانت مليئة بالعطاء العلمي والفكري والاجتماعي والنضال الوطني الذي ابلى فيه البلاء الحسن ايمانا واحتسابا *تطاوين هذه- واعتقد ان الامر كذلك بالنسبة لكل مدننا وقرانا على عكس ما يتصور البعض انه ليس فيها ما يشد الزائر ويرغبه في الاقامة بها *اول ما يشعر به سواء ابناؤها أو من ياتونها للعمل أو للسياحة هو الانس والراحة النفسية الذي سببه الاصلي هو الحفاوة وحرارة الترحاب الذي يتلقاك به اهلها وهي سجية فيهم وانت لا تحتاج الى ان تعرف بنفسك، انهم يعرفونك ويتابعون مسيرتك العلمية والفكرية ويقرؤون آخر ما كتبت ويبادرونك بابداء ردود افعالهم ومواقفهم وتنزل من قلوبهم السويداء اذا انت دافعت عما يؤمنون به ويتشبثون ويعتزون به من القيم الاخلاقية الاصيلة التي لا تزال تحكم تصرفاتهم وعلاقاتهم ببعضهم البعض والتي منها السخاء والكرم الحاتمي حتى انك تتساءل: أ حقيقة هؤلاء الناس يعيشون في هذا العصر الذي طغت فيه المادة والانا؟، انهم يسعدون السعادة التي لا يعبر عنها اللسان فقط ولكن تعبر عنها قسمات الوجه باكرام الضيف يفعلون ذلك بدون تكلف ببذل يخجل الضيف، وهم يفعلون ذلك لانه في نظرهم واجب، يفعلونه مع القريب ولكن مع غير القريب بسخاء اوسع واكبر *في تطاوين لا يمكن ان ياكل الزائر في مطعم ولا يمكن ان يبيت في نزل *في تطاوين لا يزال الناس يعيشون في اجواء والتزامات الاسرة الواحدة وهم في الحقيقة والواقع اسر يصل افرادها الى العشرات *في تطاوين المتكونة من عروش وقبائل و“لحمات” لا تكاد ترى اثرا للتباين والاختلاف، فالمشترك بين الجميع هي قيم الاصالة والشهامة والكرامة وعزة النفس والحياء والجود والتآلف والتضامن التي تجعل من حمل الجماعة ريش. *وتطاوين الى جانب ذلك مثلها مثل كل مدننا وقرانا انجبت عشرات الرجال الذين تجاوز اشعاعهم حدود مدينتهم النائية فمنذ زمن مبكر في اوائل القرن الماضي شدت ثلة من ابنائها الرحال الى تونس العاصمة للدراسة في الجامع الاعظم، مدرسة الشعب، الزيتونة المباركة رغم ضعف امكانات عائلاتهم المادية وهل كانت تلك العائلات تملك الا بعض شويهات ترعاها أو فلاحة محدودة الدخل لا تكاد تكفي لضرورات القوت؟ ومع ذلك فان تلك الثلة تحملت الصعاب وقلة ذات اليد بل بات اغلبهم الليالي العديدة طاوين لا يجدون بماذا يسدون الرمق وتلك حالة الحبيبين: الحبيب المستاوي رحمه الله والحبيب النفطي حفظه الله وعافاه وقد كانا من انجب تلاميذ جامع الزيتونة *في زيارتي الاخيرة لمسقط راسي تطاوين وفي منطقة الرقبة زرت آخر شيوخ الزيتونة في تطاوين مقام الوالد الشيخ محمد الحبيب النفطي- وهو بارك الله في انفاسه قد تجاوز التسعين، عمر مديد قضاه في تحصيل العلم في نهم لم يعرف معه الشبع صاحبه منذ نعومة اظفاره وطيلة تحصيله في الجامع الاعظم وتواصل بعد ذلك الى عهد قريب، والى سنوات غير بعيدة حتى غدا فيه علما لا يشق له غبار يشهد له بذلك كل من تتلمذ عليه أو جلس اليه وتشهد على ذلك دروسه وخطبه في جامع بورقيبة الكبير بتطاوين الذي تولى امامته لسنوات طويلة وتشهد على ذلك مسامراته واسماره وتشهد على ذلك دروسه التي القاها في المساجد والمصليات بالمدن الفرنسية في اطار البعثة الدينية للاحاطة بالجالية التونسية وتشهد على ذلك دروسه الرمضانية في دولة الامارات العربية وتشهد على ذلك مشاركاته المتميزة في جلسات المجلس الاسلامي الأعلى وتشهد على ذلك مساهمته في حصة المنبر الديني التي ظلت تبثها التلفزة التونسية من 1988 الى سنة 2000 وتشهد على ذلك اجاباته على اسئلة واستفسارات القراء الاسبوعية ولفترة تجاوزت العشر سنوات في ركن يحمل عنوان (يسالونك قل) وهو ثروة علمية استفاد منها الالاف من التونسيين في الداخل والخارج *في كل ذلك كان الشيخ محمد الحبيب النفطي حفظه الله وعافاه كانما يغرف من بحر يورد المسالة اللغوية والتاريخية والشرعية في ادق جزئياتها من حفظه كانما يقراها من كتاب يكاد يذكر لك الجزء والصفحة وهو في سبيل تحقيق مسائله لشعوره بثقل المسؤولية العلمية والدينية لا ينام الا بعد ان يتحقق من صحة معلوماته وانا شاهد على ذلك فكم من مرة وفي ساعة متاخرة من الليل يطلب مني احضار الجزء من الكتاب في التفسير أو اللغة أو الفقه أو السيرة ولا ينام الا بعد التثبت من صحتها. وكم كنت اسعد انا ومن معي من الاخوة والاحباب والضيوف في بيتنا بمقرين وبيننا الشيخ محمد الحبيب النفطي وقد جمعنا له ثلة من احبته الشيوخ الافاضل: عبد العزيز الزغلامي رحمه الله ومحي الدين قادي حفظه الله وغيرهما انها ايام امتدت لسنوات سعدنا فيها برفقة الشيخ محمد الحبيب النفطي والتتلمذ عليه والاستفادة منه والتشرف بخدمته اجلالا لعلمه الذي كان يزينه بتواضع كبير وخلق رضي هو خلق العلماء الحقيقيين *وللتاريخ وهذه شهادة ادلي بها ان الفضل في الاعانة على اكتشاف هذا الشيخ الجليل الذي ظل مغمورا لعقود طويلة والتعريف به يعود الى الأستاذ صالح الحاجة صاحب الصريح ابان كان رئيسا لتحرير جريدة الصدى الاسبوعية وقد انشا فيها لاول مرة ملحقا اسلاميا يحمل اسم “الصدى الاسلامي” وكان ذلك سنة 1984 واوكل الي الاشراف عليه واقترحت على الأستاذ صالح الحاجة اجراء حوارين مع كل من الشيخ محمد الحبيب النفطي والشيخ محمد المختار السلامي حفظهما الله وكانا بحق حوارين ثريين عبرا احسن تعبير عن علم الرجلين وتبحرهما في علوم جامع الزيتونة وانا احتفظ بهذين الحوارين وسياخذان طريقهما للنشر على صفحات موقع الاسلام حقائق واعلام ومعالم www.mestaoui.tn توثيقا وافادة وبعد الا يستحق الشيخ الجليل محمد الحبيب النفطي لفتة معنوية ولما لا مادية هو في امس الحاجة اليها في هذه المرحلة الحرجة من عمره والرجل لا يقف بجانبه ويقوم بمستلزماته الا ابنته سارة وزوجته بمنحة تقاعد ضئيلة لا تكاد تفي بمستلزماته الصحية والغذائية !!؟ لفتة لهذا العالم الجليل الذي اعطى الكثير ولم ينل الا اقل القليل هي بعض حقه علينا جميعا لا اقل منها ان يخصه بزيارة في بيته المسؤولون الجهويون وحتى الوطنيون (ولم لا السيد رئيس الحكومة) ففي ذلك تسلية له وتكريم يستحقه الرجل يترك في نفسه وانفس افراد عائلته وتلاميذه وكل من عرف علمه وفضله اطيب الاثر



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.