من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع(الحلقة الأولى):التوبة مظهر من مظاهر رحمة الله بعباده الخطائين

من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع(الحلقة الأولى):التوبة مظهر من مظاهر رحمة الله بعباده الخطائين


يقول الله تبارك وتعالى بعد أعوذ بالله منن الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم: “إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر احدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما. يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم. ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما” صدق الله العظيم (النساء). * التوبة باب من أبواب الرحمة الإلهية ووجه من وجوه الكرم التي منّ بها الله على عباده وضاعفها ووسع فيها لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. * التوبة هي الإقلاع عن المعصية والندم عن اقتراف الذنوب والوقوف بين يدي الله وقوف المنيب العازم على عدم العودة إلى المعصية الراغب في المغفرة والتجاوز. لقد فتح الله باب التوبة على مصراعيه لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من كل الذنوب والمعاصي إلى اللحظة التي يغادر فيها المسلم هذا العالم الفاني إلى العالم الباقي. * التوبة من كل ذنب ومعصية وما أكثر ما يخطئ ويذنب الإنسان، وما أكثر ما ينسى كرم الله وجوده ورحمته وإحسانه، وما أكثر ما يغفل عن عقاب الله وعذابه، وما أكثر ما يغتر بحلمه وعفوه سبحانه وتعالى فيرتمي في المعاصي والذنوب يقترفها في واضحة النهار وعلى قارعة الطريق على مرأى ومسمع من الخالق والمخلوق. فالآيات البينات المحكمات السالفة الذكر تبين على من يتوب الله، انه يتوب على الذين يعملون السوء بجهالة، والسوء هو كل ما يسيء إلى المذنب فمن يعمل السوء والسيئات عن جهل وعدم علم أو عن جهالة بشدة غضب الله ومقته وعقابه هؤلاء إذا ما جهلوا يتوبون من قريب، لا يسوفون ولا يماطلون ولا يؤخرون توبتهم إلى الله واعترافهم بذنبهم وما اقترفته أيديهم فسرعان ما يقفون بين يدي الله وقوف العبد الذليل المعترف بخطئه مقدمين بين أيديهم قول الله سبحانه وتعالى: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” هؤلاء هم المتقون حقا إنهم المنكسرة قلوبهم والله سبحانه وتعالى يقدر فيهم صدقهم ويقدر فيهم ضعفهم البشري ويقبل توبتهم بل ويبدل سيئاتهم حسنات لأن الشيطان الذي مسهم لم يغوهم ولم يسيطر عليهم بل سرعان ما تذكروا “إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون”. إن الذين لا يتوب الله عليهم هم أولئك الذين يعملون السيئات ويقترفون المعاصي والذنوب وينغمسون فيها بالليل والنهار ولا يتذكرون ولا يعتبرون بانحناء الظهر وضعف الجسد واشتعال الرأس شيبا ورحيل الأقارب والأتراب والخلان عن هذا العالم حتى إذا حضر احدهم الموت: قال إني تبت الآن. لقد ضيع هذا الغافل الفرص، ضيع الشباب والصحة والحياة وعند الموت تذكر عذاب الله وعقابه. (ليست التوبة للذين يعملون السيآت حتى إذا حضر احدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما) (سورة النساء). يختم الله هذه الآيات البينات بقوله جل من قائل “ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما”. لقد عبر الله في القرآن الكريم عن الذنوب والمعاصي بأنها ظلم للنفس التي ألهمها الله (فجورها وتقواها) وبين لها مصير من زكاها ومآل من دساها ودنسها “قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها” فالنفس عندما يغمسها صاحبها في المعاصي والذنوب فقد ظلمها وعندما يلزمها بالطاعة والاستقامة والسيرة الحسنة فقد طهرها وزكاها. * يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله: “والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم”. (النحل) * يقول جل من قائل: “الم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم” (التوبة) ويقول سبحانه: “فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم” ويقول في آيات أخرى “والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم اجر العاملين”(آل عمران). فهذه الآيات المحكمات عبرت عن المعاصي والذنوب التي يمكن أن يقترفها الإنسان بأنها ظلم للنفس فإذا ما تذكر الظالم لنفسه وأناب إلى ربه وجد الله غفورا رحيما. وعندما يعبر الله سبحانه وتعالى عن المعاصي والذنوب التي يقترفها الإنسان بأنها ظلم للنفس فإنما يريد أن يؤكد حقيقة ينبغي أن لا تغيب عن ذهن المسلم وهي أن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين لا تضره الذنوب ولا تنفعه الطاعات فهو يقول في الحديث القدسي “يا عبادي لو أن إنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن إنسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه رواه الإمام مسلم” فالله غني عن العالمين، هو رب العالمين والرقيب على الناس أجمعين وجامعهم ليوم لا ريب فيه. إن رحمة الله واسعة وشاملة تسع البر المطيع والعاصي المنيب كاد أن يطمع فيها إبليس اللعين لولا أن الله سدّ عليه الطريق حيث قال: “ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وبنهاهم عن المنكر” (الأعراف). يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه ورسوله عليه الصلاة والسلام بتبشير عباده بكرم ربهم وجوده يقول جل من قائل: “وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فانه غفور رحيم” (الأنعام). على المسلم أن يجتنب الشرك بالله والكفر بما انزل ولا يقنط بعد ذلك لأي ذنب ومعصية اقترفها فالله رؤوف رحيم “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء” (النساء). على المسلم أن يجتنب الكبائر: كبائر الإثم والفواحش “الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة” (النجم). إن الله سبحانه وتعالى يقدّر في الإنسان بشريته ويعتبرها ألم يكن رده حاسما على الملائكة عندما اخبرهم عن استخلاف الإنسان في الأرض “إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال: إني اعلم ما لا تعلمون” (البقرة). إن ما يمكن أن يصدر عن الإنسان من عمل سيء هو من لوازم بشريته وهو أمر متوقع قابل للمغفرة إذا اعترف به الإنسان واستغفر عليه ربه قال تعالى: “وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم” (التوبة). فإذا كان هذا هو حديث القرآن عن التوبة والتائبين فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اشبع موضوع التوبة بيانا وتوضيحا. * يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: “يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”، فما أكرمه من رب سبحانه وما أكثر تحببه لعباده المؤمنين وما أكثر تجاوزه وعفوه عن ذنوبهم. * ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “فيما يرويه عن ربه”إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من اجلي فاكتبوها له حسنة وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف". * وروى الإمام مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. * وروى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لو أخطأتم حتى تبلغ ذنوبكم عنان السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم”. * وروى الإمام الترمذي وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”. * وروى الشيخان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال “إذا أذنب العبد فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به يقول الله تعالى للملائكة قد غفرت لعبدي فليفعل ما يشاء”. * وروى الطبراني عن معاذ ابن جبل قال قلت: يا رسول الله أوصني قال: عليك بتقوى الله ما استطعت واذكر الله عند كل حجر وشجر وما عملت من سوء فأحدث له توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية. * وروى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم”.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.