مكانة الأخلاق في الإسلام

مكانة الأخلاق في الإسلام


                                                                            ﴿وَ إِنَّكَ لَعَلـى خُلُقٍ عَظِيــم        

         إنّ أصدق كلمة من مخلوق بشر، هي كلمة السّيّدة خديجة بنت خُويلد رضي الله عنها في فجر الإسلام، خاطبت بها سيّد الأنام : محمّد بن عبد الله عليه الصّلاة والسّلام، إذ دخل عليها يرجُفُ فؤاده من غار حراء، وهي كلمات تقطر أدبا وأخلاقا، وتقديرا ووفاء، إذ قالت له : "والله لا يُخزيك الله أبدا... إنّك لتَصِلُ الرَّحِم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتُقري الضّيف، وتُعين على نوائب الحقّ". رواه البخاري في صحيحه. وما هذه الأخلاق السّامية الّتي كان عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بداية دعوته السّمحة، إلاّ غَيْض من فَيْض، بل شهد له بها خُصومه وأعداؤه، فضلا عن المُقرّبين منه كأزواجه، وأعمامه، وسائر أصحابه.     و"الأخلاق" : هو سلوك من القول أوالعمل، يصدُر عن إنسان كبيرا كان أو صغيرا، ذكرا أوأنثى، وقد يكون هذا السّلوك فطريّا أومُكتَسَبا، وفي هذا المنْحَى يقول شيخُ عُلَماء تونس : محمّد الطّاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره (التّحرير والتّنوير / ج19 ص171) ما نصّه : "من الخُلُقُ : السّجيّة المتمكّنة في النّفس، باعثة على عمل يُناسبُها من خير أو شرّ، وتشمل طبائع الخير وطبائع الشّرّ". وقال الإمام ابن القيّم رحمه الله في كتابه : (مدارج السّالكين / 1 ص 230) :"إنّ الله سُبحانه فطر عباده على استحسان الصّدق والعدل والعفّة والإحسان، ومقابلة النّعم بالشّكر،  وفطرهم على استقباح أضدادها".

       وفي القرآن العظيم "مواقع" كثيرة، و"لمحات" غزيرة، تُشير إلى جُمَل وفيرة، من "الصّفات" الحميدة، و"الخِلال" المجيدة، تدخل فعلا في مُسَمَّى (الأخلاق)، مثل تلك الّتي وردت في أواخر سورة (الفرقان) الكريمة : من الآية (63)، إلى الآية (75) منها.

       قال الشّيخ محمّد الأمين الشِّنقيطي : "المتأمّل للقرآن في هديِِهِ، يجد مبدأ (الأخلاق) في كلّ تشريع فيه".

       ومن باب التّكامل، بعث الله الأنبياء الكرام، والرُّسُلَ العظام، برسالة "التّوحيد"، وتجفيف منابع الشّرك، وزرْع الأخلاق الفاضلة، والمعاملات الحسنة، واجتثاث الفاسد والسّيّء من الأخلاق والسّلوكيّات الضّارّة : للفرد والمجتمع، ولهذا وذاك قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  يوما لأصحابه : "إنّما بُعِثت لأتمّم مكارم الأخلاق"، وفي رواية :"صالح الأخلاق"، وفي رواية :"حُسن الأخلاق". ويا نِعْم أخلاق البشر (الصّالحة)، تلك الّتي كانت في نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وها هو عمُّه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يصِف أخلاقه الشّريفة، بين يدي النِّجاشي –ملك الحبشة- فقال :"...وأمَرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلةالرّحم، وحُسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المُحْصَنَة". وفَضْلا عن ذلك كلّه، كان رسول الإنسانيّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم يدعو بحاله قبل مقاله إلى (الأخلاق) الطّيّبة، والمُعاملة الحسنة، والقول الجميل مع كلّ من كان، فقال صلى الله عليه وسلم:

- "إنّ من أحَبِّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة : أحاسِنُكم أخلاقا". رواه التّرمذيّ.

- "ما من شيء أثقل في الميزان : من حُسن الخُلُق". رواه أبوداود.

       ولنعْلَم، أنّ (الأخلاق) الّتي يدعو إليها رسول الإسلام والسّلام تشمَل (العبادات)، و(المُعاملات)، و(العلاقات)، و(السّياسات)، فهي أعمدة المُجتمعات، وبها سعادة البشر أينما كانوا، وإلى ذلك يُشير أمير الشُّعَراء أحمد شوقي رحمه الله في هذا البيت الجميل :

              وإنّما الأمم الأخلاق ما بقِيَت        فإن هُمُ ذهبت أخلاقُهُم ذهبوا

       وفي الختام، أحبّ أن أقول : إنّ (الأخلاق) بوّابة التّعريف بدين الإسلام، والتّمهيد للدّخول فيه : من الفَجَرَة أو الكَفَرَةِ، ومن هنا أوصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مُعاذَ بن جبل رضي الله عنه بوصيّة جليلة غالِيَة فقال له :"خالِقِ النّاسَ بِخُلُق حَسَن". رواه التّرمذي وأحمد.



 

صلاح العود

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.