مع خالد محمد خالد رحمه الله في مسيرة عطائه الاصيل والحافل بالاضافة التي تشتد الحاجة اليها (1)

مع خالد محمد خالد رحمه الله في مسيرة عطائه الاصيل والحافل بالاضافة التي تشتد الحاجة اليها (1)


من هنا نبدا، مواطنون لا رعايا، لكي لا نحرث في البحر، تلك هي بعض عناوين كتب الفها في بداية النصف الثاني من القرن العشرين شيخ ازهري خرج على المتعارف والمعتاد من كتابات نظرائه من مشائخ الازهر الذين ظل اغلبهم لا يؤلف ولا يكتب الا في مواضيع يطغى عليها التكرار قلما يتجاوز اصحابها مجالات العقيدة والعبادة بمختلف اركانها (الصلاة والصيام والزكاة والحج) اختصارا وشرحا وتحشية ونظما ولا تكاد تحدث الكثير منهم انفسهم بان يقتحموا مجالات المعاملات بمختلف ابوابها وتفرعاتها اما ان يواكبوا المستجدات ويدلوا فيها بارائهم واجتهاداتهم التي تيسر للناس امور حياتهم بهدي من تعاليم الدين السمحة التي تجعل منه بحق صالحا لكل زمان ومكان فذلك نادرا ما يقع هذا الشيخ الازهري الذي خلع الجبة والعمامة وحلق اللحية واندمج في حياة الناس لا تكاد ترى عليه ميزة او خصوصية ظاهرية وهو في الحقيقة والواقع عالم جليل وفقيه مستنير تشرب عقله مقاصد الشريعة الغراء واشرقت نفسه بروحانية سما بها عن دنيا الناس مرتفعا في غير تكبر وتعاظم عما يتهالك عليه غالبيتهم بما فيهم ويا للأسف زملاؤه من الشيوخ.انه الاستاذ خالد محمد خالد رحمه الله كانت مصر والعالم العربي في الخمسينات من القرن الماضي يعيشان في مرحلة دقيقة من مراحل تاريخهما الحديث مرحلة التهيا لنيل الاستقلال والتحرر من ربقة الاستعمار والاستعداد للانطلاق في بناء الدولة الحديثة والمجتمع العصري الاخذ باسباب التقدم والتمدن والتحضر وهي كلها امال وتطلعات تدفع اليها وتساعد عليها تعاليم الاسلام الداعية لدرء كل مفسدة وجلب كل مصلحة وجد النص المصرح بذلك ام لم يوجد فحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله • كان خالد محمد خالد رحمه الله من اولئك القلائل الذين آمنوا بان الدين في العقيدة والعبادة والخطوط الكبرى للمعاملات تم وكمل يوم انزل الله (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) اما ما سوى ذلك من معاملات الناس واقضيتهم فهي غير متناهية وما على المسلم الا ان يخوض الغمار مشمرا على الساعد مغيرا ما بنفسه جاعلا نبراسا له ذلك الهدي المحمدي (انتم اعلم بامور دنياكم) • في ضوء هذا الفهم العميق لتعاليم الاسلام السمحة صدع منذ ذلك الزمن المبكر خالد محمد خالد رحمه الله بارائه الجسورة الداعية الى الناي بالدين عن الاستعمال والتوظيف الذي ما انزل الله به من سلطان وهو عندما ادلى بتلك الاراء لم يدع لها العصمة او الكمال لقد حرك بها السواكن وذكر باشارات بليغة لم تخل منها مسيرة الامة وتعاملها التلقائي مع تعاليم دينها والتي منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم (انتم اعلم بامور دنياكم) عندما اشار على اصحابه بترك تابير النخل فخالف رايه الصواب، وعندما غير موقع نزوله بالجيش في بدر الى موقع اخر اختاره احد اصحابه، وكان كثيرا ما يقول (اتركوني ما تركتكم) ويردد عليهم قوله تعالى (لا تسالوا عن اشياء ان تبدا لكم تسؤكم) وعندما قال (هلك المتنطعون) وعندما قال لمن وقف يساله عن الحج افي كل عام؟ يكرر ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم ساكت ثم قال (لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم) لقد كان عليه الصلاة والسلام يعلم امته ان هذا الدين متين وان التوغل فيه ينبغي ان يكون برفق وان الدين في البداية والنهاية يلخصه الحديث الشريف (انما الاعمال بالنيات) • من هدي روح هذه التعاليم المحمدية السمحة تجاسر خالد محمد خالد رحمه الله ليعلن في كتبه (من هنا نبدا، لكي لا نحرث في البحر، مواطنون لا رعايا، وغيرها) ان تعاليم الاسلام تلتقي وتتطابق مع كل ما تنتهي اليه العقول البشرية السليمة من مناهج واليات تحقق كرامة الانسان والخيرية الفعلية للامة الاسلامية والجدارة بالوراثة والخلافة في الارض (اني جاعل في الارض خليفة) • ووجد خالد محمد خالد رحمه الله في سيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ما استند عليه لدعم آرائه التحررية التي لو اخذ بالبعض منها لما عاشت الامة هذه العقود المتوالية من الانغلاق والحرمان مما توصلت اليه امم اخرى بنت دولها على المؤسسات وسنت تشاريعها وقوانينها على اساس تكريس المزيد من الحقوق والحريات كل ذلك في ظل دولة القانون التي تجسم قيم الحرية والعدالة والمساواة وهي كلها قيم كونية يشترك فيها الجميع وتقر عليها وتثمنها رسالات السماء لا سيما الدين الخاتم الذي رضيه الله لعباده • لقد اهتدى خالد محمد خالد رحمه الله بخروج الصحابة من مهاجرين وانصار بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سقيفة بني ساعدة ليتداولوا في امر اختيار من يتولى امورهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا بذلك يؤسسون للدولة المدنية التي قال اول حكامها ابو بكر الصديق رضي الله عنه (لقد وليت عليكم ولست بخيركم) فلا تيوقراطية ولا تمثيل لله على الارض ولا ادعاء للحق الالهي. الامر متروك في اختيار منهاج الحكم لاجتهاد المسلمين ولما يحقق فيهم الاخوة والمساواة والحرية والعدل • كان خالد محمد خالد رحمه الله في كتب من هنا نبدا، ولكي لا نحرث في البحر ومواطنون لا رعايا يؤسس للدولة المدنية الحديثة دولة المؤسسات ولكن الذين من حوله لم يعوا ما يريد الوصول اليه والمساعدة عليه فاشتد النكير عليه الذي بلغ درجة محاكمته وسحب شهادة العالمية الازهرية منه ولكن الرجل صمد ومضى الى في طريقه الى آخر شوط وذلك هو ما نعد القارئ بمواصلة الحديث فيه ان شاء الله.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.