مخاطر الشعارات والألقاب الجوفاء

مخاطر الشعارات والألقاب الجوفاء


نعوت الفضل وألقاب الشرف كثيرة جدا ومع كثرتها فهي في استعمال الناس كثيرا ما تكون كأسماء الأضداد لعدم التحري في استعمالها ولأنها تكون منافقة إذا جرت على لسان المنافق وكاذبة اذا نطق بها الكاذب وخيالية اذا استعملها الخيالي.

ولقد ملئت القواميس والمعاجم وكتب التاريخ والادب بهذا اللون من الكلام الذي هو في نظري خير عون لنفاق سلعة وتسهيل رواجها لما يخلعه عليها ذلك الطلاء الزائف من بريق ولمعان يغريان من لم يكن عميق النظرة خبيرا ببواطن السلع واذا أردنا ان نأخذ مثلا لهذه الألفاظ والتعابير فلا نجد أية كلفة أو مشقة لأن ذيوعها وانتشارها على الألسنة جعلها في متناول كل يد، فمثلا كلمات صاحب الجلالة وصاحب الفضيلة وصاحب الأيادي البيض وما اليها من الكلمات الطنانة الرنانة يندر ان نراها تنطبق تمام الانطباق على من وصف بها لأن جماهير المنافقين وما أكثرهم يقولونها في كل من لبس التاج أو العمامة أو كان من أهل الثراء والجاه بغض النظر عن الصفات الباطنية والظاهرية التي تؤهله للجلالة الحق أو الفضيلة الصادقة او الاسعاف البريء. ورغم محاربة العصر الحديث لمسألة الألقاب المنتفشة وتعويضها بصفات متواضعة رحيمة مثل كلمة الأخ أو السيد في المقامات الرسمية فقد أبت ان تريح الناس تماما من مخلفاتها وآثارها لأنها وان تقلص ظلها بذلك اللون من الوان العبودية فقد حل محلها نوع آخر من الكلام هو وان كان أقل خطرا لخلوه من معاني الضعة والعبودية الا انه لا يخلو من تزيد اقل ما يقال فيه انه معاكس للدقة والضبط، وكم نكون خطونا بلغتنا خطوة جريئة نحو الواقعية التي هي واقعيتنا نحن قبل ان تكون واقعية لغتنا لو ازددنا في التحري وضربنا بيننا وبين الملق والكذب والخيال بسور منيع محكم الاغلاق فلا نعطي كلمة غيور مثلا الا لمن كانت افعاله واقواله وتصرفاته مثال الغيرة والاخلاص. ولا نقول للوطني العادي انه مناضل ، ذلك ان النضال الذي هو غاية لا تحد ولقب يندر تحققه انما يصدق على من سبل حياته لفائدة المثل التي آمن بها ولاجل المجموعة التي تنتمي اليه بالمواطنة وينتمي اليها بالأخوة والايثار وعلى هذا تصبح كلمة مناضل تساوي أعظم وسام لمن برز على غيره في صفات المثالية والتضحية بالمتع والرغبات وكان ثوريا بالمعنى الصحيح، ولست اعني بالثوري من يقاوم القديم في جميع الوانه ومظاهره ويهيم بالجديد مهما كان ماتاه بل ارى ان الثوري هو ذلك الذي يثور على ذات نفسه قبل كل شيء فيقتلع منها رواسب الاثرة والانانية حتى اذا ما ذاب في المجموع انبرى يصلحه على غرار نفسه ولا يبالي بما يعترض سبيله من عقبات وعراقيل، هذه هي الثورية الصحيحة التي يجب ان تكون مصداقا صحيحا لكلمة ثوري، واذا ما فهمناها كذلك تسنى لنا ان نقول ان كلمة ثوري تشكو ما تشكوه اخواتها التي سبق ذكرها بل لعلها تعاني علة اشد واعنف لأنها أصبحت من شعارات العصر الذائعة الشائعة التي اتخذها المتخلفون تلهية وتحذيرا ونقطة تعويض والامر انكى من ذلك واشد اذا رأيناها عند بعضهم تعني التهديم مطلقا والاطاحة بكل قائم من غير ما تفكير في صلاحه وفي الحاجة اليه او في امكان تعويضه بما هو خير منه وقد يكون من مفهومها ايضا التعرض لكل معتدل رصين بالنقد اللاذع ونعته بنعوت الرجعية والتخلف لا لشيء الا لأنه حكم العقل وابتعد عن الغوغائية والديماغوجية وغيرهما من صفات الأطفال التي لا تعدو ان تكون طيشا ورعونة سوف يدرك مغبتها من اتيحت له الفرصة لبلوغ سن الرجولة واكتمال الرشد.

 هذه بعض تزيدات العصر وهي وان كانت قد تخلصت كما قلت آنفا من معاني الهوان والضعة والعبودية التي قضى عليها الزمان قبل ان يقضي عليها الانسان، الا انها ذات طابع بغيض واثر غير حميد لانها تكتسي الطابع الجماعي الذي هو ايضا طابع عصرنا الحاضر وبهذا يكون خطرها البعيد وبيلا على من لم ينتبه لشرها في الابان فيبني تربيته الفردية والشعبية على اساس معاكس لها ويأخذ الحيطة الكاملة من تسربها سرا وجهرا وقولا وعملا وبذلك تكون الواقعية التي منشأها الصدق العملي والاخلاص العملي افضل شعار لكل امة نامية تريد لمن تصل من اخصر طريق وتحب ان تسلم من العثار ومن الارتكاس والانتكاس، وأقول الصدق العملي والاخلاص العملي والح على ذلك لأني أخشى أن يسهل استعمال هاتين الكلمتين على جميع الالسنة فيدخلان بذلك في حيز الكلمات المنافقة لا قدر الله، واننا نغار عليهما لأنهما أقرب الكلمات الينا، وأوثقهما صلة بحياتنا وبايدينا نحن مصيرهما فلنتق الله فيهما فانهما من أشرف الكلم واعزه علينا.



الكلمات الشائعة الاسم اللقب مخاطر النفاق

 

الشيخ الحبيب المستاوي

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.