لماذا لا نستفيد من تجربة المبرات Fondations لمعاضدة الجهود المبذولة في تحقيق التقدم والرقيّ؟

لماذا لا نستفيد من تجربة المبرات Fondations لمعاضدة الجهود المبذولة في تحقيق التقدم والرقيّ؟


في هذه المرحلة من تاريخ المجتمعات والدول تشتد الحاجة إلى تعاضد الجهود وتكاملها من اجل الاستجابة لحاجات الناس المتجددة والمتكاثرة يوما بعد يوم، وما كان يكتفى به ويقتصر عليه قبل بضعة عقود مما يسد الرمق ويستر الجسد أصبح اليوم من قبيل ما يتسامر به الناس في الشمال المتقدم وفي الجنوب التائق إلى تحسين أوضاعه. لم يعد يفصل اليوم بين هؤلاء و أولائك فاصل، لقد اقتربوا من بعضهم حسّا ومعنى ولذلك لا سبيل إلى عدم الاستجابة إلى ما يعد من الطموحات المشروعة والمتمثلة ليس فقط في الحد الأدنى من ضرورات العيش بل يتجاوز ذلك بكثير الأمر الذي تتكاءد على الوفاء به حتى اكبر الدول والمجموعات الاقتصادية فضلا عن غيرها من الكيانات ذات الإمكانات المادية والبشرية المحدودة أو المتواضعة جدا في اغلب الأحوال. إذن ما الحل؟ وكيف السبيل إلى الوفاء بحاجات الناس المتجددة والمتكاثرة كل يوم؟ * انه حلٌّ واحدٌ وسبيلٌ واحدٌ، سبيل التكامل والتعاضد بين جميع الأطراف فلقد ولّى عهد الدولة المتكفلة بكل شيء والمستجيبة لكل طلب وحلّ محله عهد إشراك كل قادر على المساهمة والانخراط في مجهود المجموعة من أجل تحقيق الطموحات والرغبات فضلا عن الحاجات للأفراد والأسر الذين يتكون منهم المجتمع. * لقد برزت ومنذ عقود طويلة في الدول والمجتمعات المتقدمة تجارب في العمل التطوعي الخيري ليس فقط الآني الظرفي بل تجاوز ذلك إلى الممتدّ عبر الزمان الطويل أي الذي يتواصل نفعه إلى ما بعد رحيل المبادرين إليه عن هذه الدار. * إنها مبرات Fondations عتيدة تأسست للمساهمة في النفع العام في كل مجالاته وميادينه: في تطوير البحث العلمي ومقاومة الآفات والأوبئة التي تتهدد الإنسان أيا كان جنسه أو لونه أو دينه، لقد أوصى الكثير من ذوي الثروات الطائلة إما بكل أموالهم أو ببعضها من أجل العودة على الإنسان بكل نافع ومفيد وتوفير كل ما يحتاج إليه للعيش الكريم. * وتجاوز في كثير من الأحيان مجال نشاط هذه المبرات Fondations إلى ميادين أخرى مثل مختلف الأنشطة التثقيفية والترفيهية واستفاد من هذه المبرات خلق لا يحصى لهم عدد في كل القارات وحيثما وجدت تجمعات بشرية بالطبع النصيب الأوفر كان للأقرب فالأقرب وذلك أمر طبيعي ومنطقي ووصل خير هذه المبرات إلى بلداننا العربية والإفريقية والإسلامية. * وكانت هذه المبرات Fondations وراء الكثير من الانجازات والكثير من الاكتشافات في مختلف حقول العلم والطب وغيرهما واستفاد العديد من الباحثين والدارسين والطلبة الجامعيين من منح اسندتها إليهم هذه المبرات. * لا نريد أن نقول كما ظل يفعل الكثير منا: لقد كانت عندنا مثل هذه المبرات وسجلات أرشيفنا ومكتباتنا ومحاكمنا تحتفظ برسوم آلاف الوقفيات والتي هي عين المبرات اليوم. * ما الذي يفيد التغني بأمجاد الماضي هل يغير ذلك من الأمر شيئا؟! * ولا نريد أن نتعرض إلى الملابسات التاريخية والاجتماعية والسياسية في بلادنا وفي غيرها من البلاد العربية والإسلامية التي حرمت فئات عريضة من مجتمعاتنا من أن تجد لدى الوقفيات ما يستجيب لحاجاتها وطموحاتها!! * لا نريد أن نتوقف عند ذلك بل نريد أن نكون عمليين وواقعيين ومتفتحين على تجارب الآخرين الناجحة بكل المقاييس ونقتبس ما يمكن اقتباسه كل ما هو مفيد للعباد والبلاد. * لا نريد أن نتمسك بالأشكال والمسميّات، نريد تحقيق الأهداف والغايات والتي هي واضحة في أذهان الجميع ولا تختلف حولها كل مكونات المجتمع بمختلف أحزابها ومنظماتها وجمعياتها والمتمثلة في تكامل جميع الأطراف: الدولة وكل مكونات المجتمع من أجل مواجهة مختلف التحديات والاستجابة لكل الآمال والتطلعات لإفراد مجتمعاتنا والمتمثلة في الرقي والتقدم والازدهار في كل ميادين الحياة. الدولة بمفردها أيا كانت هذه الدولة ومهما كانت الإمكانات المادية والبشرية المتاحة لها لا تستطيع تحقيق ذلك ولكنها تقدر على ذلك بمعاضدة كل الفئات والأطراف وبالخصوص الأفراد الذين حبتهم الأقدار بأن كان ما بين أيديهم مما ورثوه أو كسبوه بجدهم واجتهادهم يتجاوز حاجاتهم وحاجات أبنائهم وحتى أبناء أبنائهم، هؤلاء الأفراد وعددهم لا يستهان به الكثير منهم من الخيرين الأخيار وهم على أتم الاستعداد للإنفاق بسخاء في ميادين الخير وما أكثرها، يفعلون ذلك سواء ليخلد التاريخ ذكرهم وهذا حق مشروع لهم لا ضرر في مساعدتهم على تحقيقه أو كان ذلك من أجل تحصيل الأجر والثواب بعد أن يرحلوا إلى دار البقاء خصوصا وأنهم بلغهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها الصدقة الجارية) والصدقة الجارية هي كل نفع يحصل لفرد أو جماعة فإن الثواب عليه يكتب في صفحات ذلك الشخص الذي سنّ تلك السنة الحسنة وجر ذلك النفع وكان السبب فيه، فيظل ذلك الأجر يلحق صاحبه، وسمي هذا الصنيع بالصدقة الجارية، ومن منا في غنى عن هذه الصدقة التي تمحو السيآت وترفع الدرجات وتنفع حين لا ينفع مال ولا بنون؟. * لا أريد أن أتوسع فقد وضحت الفكرة بما فيه الكفاية وقد سبق لي أن عرضت بعض ملامحها في دورة من دورات اللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي وطلب مني العديد من الزملاء بلورة هذه الفكرة بالكتابة فيها فلعلها تأخذ طريقها للدخول إلى حيز التنفيذ بعد الدراسة المستفيضة التي تتلافى كل تحريف أو توظيف أو انحراف وكل ذلك مطلوب ولا بد منه من أجل الاستفادة الحقيقية والفعلية بما تتيحه مثل هذه المبادرات من فوائد جمة رأيناها ونراها ويلمس جدواها وفوائدها الجميع.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.