كيف يستفيد المسلمون في أروبا مما هو متاح لهم من فرص عرض دينهم على حقيقته: شعارا وممارسة؟

كيف يستفيد المسلمون في أروبا مما هو متاح لهم من فرص عرض دينهم على حقيقته: شعارا وممارسة؟


في ظاهرة تلفت الانتباه يلاحظ من يتابع هذه الأيام مختلف وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة الأروبية وبالخصوص الفرنسية منها حضور المادة الدينية بكثافة، إنها ملفات وحوارات واستجوابات واحصاءات ومقارنات وأعداد خاصة لمجلات ودوريات (مثلا مجلة لوبان Le Point في عدد مزدوج 22-29 ديسمبر 2011 Questions et réponses sur l’existence de Dieu أسئلة واجوبة حول وجود الله: ماذا يقول العلماء والفلاسفة؟ ومجلة الاكسيبريس L’Express في عدد مزدوج 21 ديسمبر 2011 إلى 3 جانفي 2012 Dossier special 95 pages: ملف خاص في 95 صفحة la grande histoire des peuples arabes عن التاريخ الكبير للشعوب العربية) وليس من غرضنا في هذا المقال أن نستعرض مضامين هذين العددين من مجلتي “لوبان” “ولكسبريس” إنما ذكرناهما كعينة معيرة عن هذا الاهتمام الشديد بمسألة الدين وحضوره الملحوظ والملموس في حياة الأفراد والمجتمعات ليس فقط في البلدان العربية والإسلامية ولكن أيضا في أروبا وأمريكا وهما من كان يظن أن الدين فيهما قد غربت شمسه فإذا به يعود ويفرض حضوره على الأقل على المستوى الفكري والثقافي والسياسي بمختلف تداعياته لا سيما عند اقتراب المواعيد الانتخابية، فحتى البلدان التي فصلت منذ زمن بعيد بين ما هو ديني وسياسي لم يجد زعماء أحزابها مندوحة من اتخاذ مواقف بعضها ارتكز على التخويف، وهو في السنوات الأخيرة تخويف من الإسلام (الإسلام فوبيا) Islamophobie أو محاولة استمالة الناخبين المسلمين الذين يمثلون ثقلا عدديا يتنامى على مر السنوات (من ذلك أن مدينة مثل بروكسال العاصمة البلجيكية يتوقع أن يشكل مجلس بلديتها من غالبية مسلمة). وأتباع الديانة الإسلامية في فرنسا هم بين ثمانية وعشرة ملايين في تفاوت في الإحصاءات باعتبار أن التعداد السكني في فرنسا لا يكون حسب الديانة بل حسب المواطنة (الجنسية وشهادة الإقامة) وعلى كل الأحوال فالعدد هو بالملايين وليس بآلاف ولا بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف، وأما غير المرتكزين في حملاتهم الانتخابية من زعماء الأحزاب السياسية في فرنسا على التخويف من الإسلام فلم يغب الإسلام من برامجهم الانتخابية فتعددت الندوات والاستشارات الوطنية الكبرى حول اللائكية والمسالة الدينية بمختلف تجلياتها من الرمز الديني الملبس (كالحجاب والنقاب) إلى اللحم الحلال وحق اشتراطه في المستشفيات وفي المدارس التي تقدم وجبات الطعام للتلاميذ وفي الثكنات وفي السجون، وفي كل هذه الأماكن (وبالخصوص في السجون) حضور المسلمين بارز ولا تزال مسائل الإدماج أو الاندماج، وإسلام فرنسا أو الإسلام الفرنسي أو الإسلام في فرنسا تعقد من اجلها الندوات بحضور الأطراف المعنية بها من جمعيات ومنظمات وهيآت فرنسية رسمية. كما لم تغب عن برامج مختلف الأحزاب مسألة بناء المساجد في مختلف المدن والأحياء من جنوب فرنسا إلى شمالها ولم يعد اليوم مسجد باريس الكبير الواقع في المنطقة الخامسة ولا مسجد “ليون الكبير” ولا مسجد “إيفري” هي وحدها المساجد الكبرى التي يصح أن يطلق عليها اسم مساجد شكلا ومضمونا فقد شهدت السنوات الأخيرة حركة بناء للمساجد والجوامع بعضها انتهت أشغاله ويستفيد روادها بمختلف مرافقها والبعض الآخر في طور البناء في تسابق مع الزمن من اجل أن لا تحل المواسم الدينية الكبرى كرمضان والعيدين إلا وهذه الفضاءات تكون مفتوحة أمام مرتاديها ولا تدركهم هذه المواسم وهم يضطرون للصلاة في الأنهج والشوارع والساحات المحيطة بالمصليات التي حولت إلى ذلك ولم تبن في الأصل لتكون مساجد. وقد كان هذا المظهر (الصلاة في الشوارع) منطلقا لحملة مسعورة لليمين المتطرف على الإسلام والمسلمين الذين بلغ الأمر بتشبيههم بالنازية!! وقد كان هنالك والحق يقال تفهم لابد من التنويه به تمثل في قيام رؤساء وأعضاء مجالس بعض المدن والمناطق بتقديم تسهيلات لجمعيات عديدة قدمت مشاريع بناء مساجد هي مركبات متكاملة فيها قاعة الصلاة والمدرسة وحتى المكتبة وقاعة المحاضرات والعقود وشارك المسؤولون والمنتخبون في وضع حجر أساس هذه المساجد كما حضروا احتفالات افتتاحها هناك في سان دني، ومونتراي، وارجنتاي، وكراي، وروون، وكلير موفرون، ومرسيليا التي لا يزال مشروع مسجدها الكبير بين اخذ وردّ!! في خضم هذا الواقع يلاحظ المتابع تحركات وحركية من هنا وهناك في هذا المجال بقدر ما فيها من النوايا الحسنة والتلقائية بقدر ما تحتاج إلى المزيد من الإحكام والحكمة والنظرة العميقة والبعيدة المدى التي تستفيد من كل ما هو متاح من الفرص لخدمة الإسلام والمسلمين بمختلف أجيالهم (إنهم اليوم بلغوا الجيل الثالث وحتى الرابع) يواجهون تحديات كبرى أهمها كيفية الملاءمة بين الوفاء والالتزام بتعاليم دينهم والعيش كمواطنين أو مقيمين في مجتمعات يمثلون فيها بعضا وطرفا إلى جانب غيرهم ممن لا يشاركونهم خصوصياتهم الدينية؟ * نعم للمساجد والجوامع والجمعيات فضلا عن الأسر والعائلات لها دورها الكبير في تحقيق هذه المعادلة ولكن ينبغي أن يكون إلى جانبها الهيآت العلمية الإسلامية المتكاملة والمتعاونة والمنسجمة والتي يؤطرها أهل الذكر بالفقه في الدين والفقه في الواقع، ولابد من تلازمهما في الخطاب الديني بالخصوص هناك حيث التحديات أكثر واكبر وحيث اكبر وحيث تعظم وتضخم النقائص والاخطاء والانحرافات وتتخذ حجة على الإسلام!! * إن أجيال المسلمين الجديدة هناك تحتاج إلى سند قوي من مختلف الأطراف المتدخلة (الأسرة والمسجد والجمعية) لتستفيد مما هو متاح لها من فرص الأخذ بأسباب التقدم العلمي والتقني والفني والمعرفي مع المحافظة على خصاصيتها فيستفيد ليس فقط بها دينها بل المجتمعات التي تعيش فيها، فذلك ممكن ولكنه ليس بالسهل./.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.