كتيبات فقهية تفتقر للأمانة العلمية!!

كتيبات فقهية تفتقر للأمانة العلمية!!


يمثل الفقه الجانب العملي من الدين ذلك أن عبادة الله هي حقه على عباده بعد أن يؤمنوا به ولا يشركوا به شيئا والتي من أجلها خلقهم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) هذه العبادة لا تكون إلا بالإتباع، والإتباع لا يكون إلا لمن أرسله الله بالدين (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فالشأن في العبادة الإتباع لا الابتداع بمعنى البدعة والبدعة ضلالة والضلالة في النار، المعاملات هي التي يتسع فيها مجال مراعاة المصلحة والتي هي أنواع ومنها المصلحة المرسلة وهي المسكوت عنها وهي ليست غفلة فحاشا لله أن يغفل ولكنه سكوت رحمة وتيسير و(حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله). قدمت بهذه المقدمة لأبين مكانة الفقه وبالخصوص فقه العبادات فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والله تبارك وتعالى لا يقبل من العمل إلا أصوبه وأخلصه. ومعرفة الصواب من الخطإ إنما يكون بسؤال أهل الذكر ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) وهم العلماء الفقهاء والعلماء ورثة الأنبياء وهم الموقعون عن رب العالمين وقيل من قلد عالما لقي الله سالما والفقه الإسلامي وبالخصوص فقه العبادات من مجالات الثقافة الإسلامية التي شهدت حركة التأليف فيها نموا كبيرا في بعض الأحيان كان على حساب أبواب أخرى من الفقه نفسه ومن بقية مجالات وميادين الثقافة الإسلامية. ورغم كثرة التآليف الفقهية فإننا نلاحظ في السنوات الأخيرة: 1) انحسارا وتراجعا للمعرفة لما سماه العلماء المعلوم من الدين بالضرورة أي كيفية أداء المسلم لأركان دينه على الوجه الصحيح وقد كان تحصيل هذا الحد الأدنى تضمنه البرامج المدرسية وقبل ذلك كانت تحققه بعمق وتوسع برامج الجامع الأعظم وفروعه المنتشرة في اغلب مدن البلاد من شمالها إلى جنوبها وكان يعلم هذا المعلوم من الدين بالضرورة خريجو الجامع الأعظم الذين كانوا منتشرين في كامل ربوع البلاد أساتذة ومعلمين وعدولا وحتى أصحاب مهن حرة ولكنهم بحكم المجالسة والتلقي المباشر حصّلوا هذا المعلوم من الدين بالضرورة فكنت ترى إلى عهد قريب العامي الأمي يستحضر لك عن ظهر قلب متن ابن عاشر والبعض الآخر ينقل لك نصوصا في ( رسالة ابن أبي زيد القيرواني ) ولكن ذلك الزمان ولى ولا حول ولا قوة إلا بالله فقد انتشرت أمية دينية زادتها بلة هذه الفضائيات والوسائط الإعلامية من انترنات وأقراص وكتيبات تستجلب من الخارج أصبحت بها الساحة الدينية المسجدية فسيفساء وقد كانت إلى عهد قريب متجانسة منسجمة على الأقل في العبادات التي هي مجال السكينة والطمأنينة وليست ميدانا للتنازع والاختلاف المفوّت للغاية من العبادة! وان يكون الناس في بلد من بلدان الإسلام على دين واحد وعلى مذهب فقهي فتلك نعمة كبرى إذ يحصل بذلك قرب الناس من بعضهم وانسجامهم على الأقل في آدائهم لواجباتهم الدينية، ذلك ما كان عليه الحال في بلادنا وما وراءها من بلدان الغرب الإسلامي: الجزائر والمغرب وغرب إفريقيا ولكن الحال لم يبق على ذلك وهذا لا يعني أننا ضد الثراء الفقهي لمختلف المذاهب الفقهية الأربعة وحتى الثمانية ولكن هذا الثراء ينبغي أن يستفاد منه في الأوساط والمستويات التي تحسن الاستفادة منه في التشريع والتقنين والتيسير على المسلمين عندما يكونون في حالة حاجة أو اضطرار فأيما قول في أي مذهب من المذاهب المعتمدة الباقية وحتى التي لم يكتب لها إن تبقى إن وجدنا فيه إثراء وتيسيرا على المسلمين إلا ووجب علينا الأخذ به مثلما تشتد إلى ذلك الحاجة كل عام في موسم الحج عند شدة الزحام في الرمي وفي الطواف وغيرهما إنما الذي نحذر منه وننبه عليه هو ما رأيناه في الآونة الأخيرة من انتشار لفقه لا مذهبي ولفقه لا يستند أصحابه إلى أصول ولا إلى أقوال معتمدة ويتمثل في ما اشرنا إليه مما يبث على شاشات الفضائيات وعلى أمواج الأثير وعلى أعمدة الصحف يضاف إليه سلسلة من الكتب المتفاوتة الأحجام في أركان الإسلام: من صلاة وصيام وزكاة وحج الكثير في حجم كتب الجيب مطبوعة طبعات أنيقة وبألوان جذابة، كل كتيب في ركن من أركان الإسلام بل في جزء من ركن من أركان الإسلام تشد القارئ إليها ويدفعه ثمنها المناسب إلى اقتنائها ويغتنم الكاتبون والناشرون والموزعون الرغبة الشديدة في هذا النوع من المؤلفات في مجال العبادات فيغالطونه وهنا الطامة الكبرى وذلك هو ما لفت نظري ودفعني مثلي مثل غيري لشراء هذه الكتيبات وان كان دافعي شخصيا هو الاطلاع لعل في هذه الكتيبات ما يفيد في الأسلوب الجديد. إنها سلسلة من الكتيبات الصغيرة في حجمها (في حدود المائة وخمسين صفحة) جميلة في أخراجها الملون المذهب المغرية في عناوينها إنها تحمل عناوين: فقه الطهارة على المذهب المالكي للنساء، إعداد نخبة من العلماء، توزيع الشركة الجديدة للنشر بتونس. فقه الصلاة على المذهب المالكي للنساء- تعليم الصلاة على المذهب المالكي- فقه الزكاة على المذهب المالكي للنساء- أخطاء المصلين على المذهب الفقه المالكي. بادرت إلى اقتناء هذه النسخ وفي إعلان على ظهر كتاب فقه الصلاة على المذهب المالكي للنساء قرأت إعلانا عن عناوين أخرى: فقه الصيام على المذهب المالكي للنساء، وفقه الحج على المذهب المالكي للنساء، إذن ينقصني من هذه السلسلة الكتابان الأخيران وعدت إلى بيتي فرحا مسرورا!! بما غنمت مما اشتريت وأنا امرئ مسكون بالاطلاع على الجديد من الكتب ولم أشأ أن أؤخر التصفح لمضامين هذه الكتيبات وهالني ما وجدت في هذه السلسلة من مناقضة بين العنوان: الفقه المالكي وبين مضمون هذه الكتيبات إذ لم أجد من الفقه المالكي إلا العنوان أما المضمون فهو فقه!! ولكن أي فقه انه فقه مخلوط!!، ولولا أن العبارة لا تليق لقلت انه فقه!!... إنها المغالطة العلمية والدينية، فالجمهور الموجه إليه هذه الكتيبات هو جمهور تونسي باعتبار أن الموزع المرسوم على الغلاف الخارجي هو شركة بتونس وهذا الجمهور الموجهة إليه مالكي المذهب باستثناء أقلية حنفية تسكن العاصمة وبعض المدن وأخرى أباضية تسكن جزيرة جربة والبقية مالكية. المالكية أهل الذكر والاختصاص هؤلاء لا يخشى عليهم من هذه الكتيبات لأنهم سيتفطنون إلى ما فيها من مغالطة ومخالفة بين العنوان والمضمون وغيرهم وهم الأغلبية العظمى فسيأخذون ما في هذه الكتيبات مسلما معتقدين أن ذلك هو قول مذهبهم في المسألة التي أمامهم من صلاة أو صيام أو زكاة أو حج وما هي بذلك ولا كذلك. وكان يمكن لدار النشر (التي هي مصرية) ودار التوزيع التي هي تونسية لو ارادتا أن تسديا خدمة دينية تغنم فيها غنما ماديا ويحصل فيها وبها الأجر والثواب وهي أن تطلب من ثلة من الأساتذة والشيوخ المالكية من أبناء هذه البلاد وما وراء من بلاد الغرب الإسلامي أن يؤلفوا لهما رسائل في الفقه المالكي المبسط ولا أخالهم إلا مستعدين بل لو قامت الداران الناشرة في مصر والموزعة في تونس بإعادة نشر طباعة وإخراج بعض الكتب المالكية المبسطة ( كمتن ابن عاشر ) أو ( الرسالة ) مصحوبين بشرح مبسط غير موسع أو كتاب ( الخلاصة الفقهية ) للشيخ العربي القروي أو كتاب ( المقدمة الفقهية في مذهب السادة المالكية ) لمؤلفه الشيخ محمد غميض أو غير هذه العناوين وهو كثير جدا ومتوفر بين الأيدي ولا يحتاج إلا إلى إعادة إخراج وتبويب وتعليق بسيط، لو وقع شيء من ذلك لكانت الخدمة للدين وللفقه وللمسلمين المالكية في تونس وتكون خدمة صحيحة سليمة يعظم بها الأجر والثواب ويتحقق منها الربح العاجل الذي غلب هو وحده على الدار المصرية الناشرة لهذه السلسلة المشار إليها أعلاه والذي ويا للأسف الشديد انساقت إليه الدار التونسية الموزعة. لما تصفحت هذه الكتيبات التي لم يؤلفها أناس معروفون موثوقون وإنما قيل هكذا: نخبة من العلماء! هكذا وتجاهلت الدار الناشرة أن المسلم مدعو إلى أن يعلم عمن يأخذ دينه ولا يؤخذ الدين إلا عن موثوق منه. لا أريد أن أطيل أكثر على القارئ سوى أن أشير مجرد إشارات إلى مضامين كتاب من هذه الكتيبات الفقهية المالكية!! والتي هي ليست بمالكية. ففي كتاب “أخطاء المصلين عل الفقه المالكي” ومن لا يريد أن يصحح أخطاءه التي يمكن أن يقع فيها؟ ومن لا يخطئ؟ مخالفات الطهارة: الجهر بالنية عند الوضوء: وهذا مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم مباشرة يورد المؤلفون قول ابن القيم رحمه الله، وابن القيم من أئمة المذهب الحنبلي وهو المذهب السائد في الجزيرة العربية وبعض البلدان الأخرى وهكذا بعد ابن القيم مرة أخرى وأخرى يورد لابن باز وقولا لابن القاسم (المالكي) ثم ابن تيمية وابن باز ثم ابن عثيمين وكل منهما من علماء المذهب الحنبلي وهما من المعاصرين وهكذا كل الكتاب “أخطاء المصلين على المذهب المالكي” أسئلة موجهة إلى شيوخ المذهب الحنبلي ومن المعاصرين من أمثال ابن باز والعثيمين والفوزان والهيئة العلمية للإفتاء فضلا عن نقول عن أقوال لابن تيمية وابن قيم الجوزية. ولم نعلم أن هؤلاء من أئمة المذهب المالكي، فهم أئمة محترمون في المذهب الحنبلي وما قام به الناشر وتبعه إليه الموزع بدون ترو هو سعي إلى الربح فحسب ولو على حساب الأمانة العلمية دون مراعاة لما يترتب عن وجود مثل هذه الكتيبات من اضطراب واختلاف ولربما تنازع سيكون مجاله العبادات التي هي أعظم القربات إلى الله وستكون أماكنه بيوت الله التي نهينا عن أن نتنازع فيها وترتفع فيها أصواتنا. لو أن هذه الرسائل المبسطة عرضت لأقوال المذاهب كل مذهب على حدة لهان الأمر لان من اسند فقد حملك المسؤولية أما وعنوان الغلاف فيه التنصيص على المذهب المالكي والمضمون نقل لأقوال العلماء نجلهم ونقدر آراءهم أخذت إما من كتبهم مباشرة أو من مجلات تنشر لهم فتاواهم أو لمواقع لهم على الأنترنات استنسخ كل ذلك الناشر وأصدره في شكل كتيبات جيب وجهها وألقى بها مع الدار الموزعة بتونس إلى جمهور القراء المالكية في تونس فهذا ما لا يصح ولا يمكن أن لا ننبه إليه الناشر والموزع والجهات الدينية المعنية إذ لا يكفي أن يكتب في الموضوع مقال قد يصل إلى بعض الأيدي ولا يصل إلى الأغلب الأكثر.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.