قراءة وعرض لنص محاضرة في موضوع الدين والحياة القاها فضيلته في ندوة البحوث الإسلامية بجمعية المحافظة على القرآن الكريم بتونس 2

قراءة وعرض لنص محاضرة في موضوع الدين والحياة القاها فضيلته في ندوة البحوث الإسلامية بجمعية المحافظة على القرآن الكريم بتونس 2


* ما اردنا التوقف عنده هو التنويه بان الشيخ الفاضل ابن عاشور رحمه الله هو من اعطى اشارة الانطلاق لندوة البحوث الاسلامية الاسبوعية بمحاضرة قيمة كما اعتاد ذلك دائما وما اكثرها المناسبات التي كان يغتنمها رحمه الله لياتي بالجديد المفيد الذي فيه العمق والسبق وفيه التاسيس وفيه البلورة للقضايا الكبرى والتحديات التي تواجهها الامة ودينها * موضوع الندوة ومحور المحاضرة هو الدين والحياة وقد جاء في تقديمه: ان التاثير الحضاري ويقصد بذلك ان ارض الاسلام في عهود ازدهارها كانت مركز الثقل الحضاري في العالم وان التيارات الحضارية كانت الى حد بعيد تنبع منها وتنتقل الى غيرها من المركز وان نماء ارض الاسلام وازدهارها الحضاري كان راجعا الى حسن الاستفادة من التراث العالمي الذي استطاعوا الوصول اليه وضمه الى ما بين ايديهم من مواريث ومبتكرات واعادة صياغة ذلك كله في انماط جديدة تستند اساسا الى الطابع الاسلامي الذي يؤمن بالله ويحترم العلم ثم جاءت بعد هذا دورة حضارية المستوى العلمي هو التحدي الكبير وبذلك اصبح التحدي الكبير الذي يقابل عالمنا الاسلامي الان هو مستواه العلمي، اذا ما قارناه بالمستويات العالمية، وهذا المقياس من اخطر المقاييس –ان لم يكن اخطرها- في عالمنا المعاصر، في الحكم على امة وشعب واذا ما كان العلم هو التحدي الكبير الذي يقابلنا، فمن واجب الدين علينا ان لا نظلمه، والا نعتبره مسؤولا عن وضع نحن فيه وانما تقتضينا الموضوعية العلمية، ان نحدد- لانفسنا على الاقل- مسؤوليتنا، وابعاد العمل للمستقبل، ونتخذ من الدين- وهذه طبيعته- دافعا قويا الى العمل والصعود الى هذه المستويات العالمية، نشارك فيها، ناخذ ونعطي، دون انطواء أو تعقيد، يصرفنا عن الاستفادة، أو شعور بالنقص، يدفعنا الى قبول كل شيء قبولا تتلاشى به شخصيتنا، وتذوب في بحر الحياة المتلاطم ومن قبل يحدثنا التاريخ عن اجيال لم تستطع ان تقابل تحديات الحياة فجرفتها الحياة، وربنا يحذرنا فيقول (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم) نص محاضرة الدين والحياة يبدو لي ايها الاخوة ان مشكل الدين والحياة قد يضعه البعض في مظهر شبهة باطلة أو باطل مروج لان كثيرين من دعاة الفساد والتاخر الذين يزعمون انهم مؤمنون يحاولون ايهام الناس ان هناك تناقضا بين معنى الدين ومعنى الحياة وهم يزرعون بذور الفتنة بزعمهم ان الدين يعطل الحياة أو يصرف عنها أو انه يدفع بابناء الحياة الى الموت ام العرض الحقيقي للموضوع فيراد منه عند الذين يؤمنون بالدين حق الإيمان، وبالحياة حق الحياة انه لا تستقيم حياة بلا دين، ولكن الذين يجعلون الدين على العكس من ذلك مصادما للحياة أو مناقضا لها هم المغالطون اذ لا تكون الحياة تامة ولا صالحة الا اذا قامت على اساس الجمع بينها وبين الدين اثر الدين في الحياة: ولست في حاجة الى الاشارة بان المعالم الحديثة القائمة على وجه الارض من كل المشاريع التي تغير وجه الحياة والمتمثلة في المباني والمسالك التي رفعت من شان الحياة ووفرت الارباح والصفقات التجارية الكبرى لم يكن سببها الا الدين والحضارة نفسها نابعة من الدين وقائمة على اصول دينية لا شك فيها ولولا الدين لما كانت الحضارات القديمة والجديدة. ولولا الدين لما كانت الكشوفات الباهرة والفتوحات العلمية الرائعة. ولولا الدين لما كانت طرق المواصلات ولا كان هذا الامتزاج العجيب الذي فرضته الحياة بين الشعوب وتلك اشياء تنطق عن نفسها بنفسها، ولها منها عليها شواهد التلازم بين الدين والحياة: نستطيع القول بانه لا يستقل احد المتلازمين (الدين والحياة) عن الاخر ويجدر التذكير بان الدين واحد- ولا مبرر لتعدد الاديان- لان الحقيقة الجامعة هي الاسلام وهي التي اوصى الله بها محمد صلى الله عليه وسلم واوصى بها كل انبيائه ورسله ان يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه – واذا ما حدث الاختلاف جدد الله الرسالة واقام الوحدة التي دعا اليها من جديد وحقيقة الوحدة ثابتة في كل الديانات وهي مكملة وبالغة غاياتها في الدعوة المحمدية التي جاءت معقبة ومقررة للحقيقة التي ترددت في الاديان وتجددت بتجدد النبؤات هذه الحقيقة الواحدة هي المشاعة في كل الديانات والمتجددة والمؤكدة في دين الاسلام صلى الله على مبلغه، وهي ترمي الى معنى خارج عن الحقيقة العلمية وقد حاول ارسطاطاليس واصحابه وحاول فلاسفة القرون الوسطى ان يسموا الدين بما وراء المادة الامر الذي يجعله اساسا للدين والذي نسميه بالغيب، وهو تصديق بوجود ليست العادة مدركة له في المجال العلمي وذلك يرجع للتفاصيل التي يحجبها الغيب وبها يتقرر بها معنى الله وصفاته ومعنى الوحي والنبوءة والوجود غير المدرك حسيا وهو عالم المعاد وذلك اساس الفلسفة الطبيعية القائمة على مجرد الحس. وهذا ادعاء باطل، لان الانسان لا يستطيع ان يجزم بان ما لا يدركه الانسان غير موجود ويقول هؤلاء الطبيعيون امثال “اوقيست كونت” انهم انتهوا الى ما استطاعت مداركهم ان تصل اليه ما وراء الحقائق الذاتية: فاذا نظرنا الى العالم، الى ما وراء الحقائق الذاتية وسالنا عن نشاتها ومعادها وقوة سيرها رجعنا الى ربط نظرنا في الوجود العيني بالوجود الغيبي وذلك شان الحقائق التي نضعها في اطارها عند تناول الوجود الغيبي والوجود الشهودي واذا بحثنا عن كيفية تولد القوى والطاقات في الارض بماذا تسير والى اين تسير...؟ عرفنا الكيف والعلة عرفنا المواليد الثلاثة ونسبة الفلك من الارض ونسبة الانسان الى الفلك، وهكذا نستطيع الوصول الى معرفة ان هذه الموجودات ليست من صنع الطبيعة وانما هي صادرة عن ارادة اختيارية مسيرة ولا يستطيع الانسان ان يدرك الحياة الا بعد معرفة ذات الله الذي هو مبدا الوجود الغيبي والشهودي ولذلك يصبح سلوك الانسان قائما على الإيمان بالله، وان يكون تصرفه في الحياة على اساس ما يرضي الله عملا، وما لا يرضيه تركا، ويكون كما قال الشاطبي: انه عبد الله اختيارا كما كان عبده اضطرارا ليسير في الحياة على ارادة مكيفة بما يرضي الله وليكون سيره بعيدا عن التطرف والفساد ويكون اقتناعه اقتناعا بالحقيقة الاصلية، ولذلك يكون الدين الذي هو تصديق بالغيب اصلا للسلوك في الحياة يدخل به الانسان في الشرائع الدينية التي جاء بها الاسلام الدين وارتباطه بالحياة: واذا رجعنا الى الحياة وما بينها وبين الدين من ارتباط لم نجدها غير ذلك السلوك الانساني الذي يسير به الانسان في الحياة على مقتضى الحقيقة المطلقة في الحياة أو على مقتضى الغرائز والشهوات وفي هذه الحالة يصبح الوجود الارضي فوضى الحياة يقصد منها ما هو ضد الموت وهذه الحياة التي نعتبرها ضد الموت اذا اردنا تحليلها تبين لنا انه مهما سما الانسان في الحقائق الروحية لا يستطيع الابتعاد عن المعنى الطبيعي أو الفيزيائي للحياة واذا رجعنا الى المعنى الفيزيائي تبين لنا ان المعروف للعلوم التجريبية انما هو الظواهر التي تتميز بها الحياة عن الموت، أما حقيقة الحياة التي تكونت منها الظواهر التي يتمسك بها العلم الطبيعي فهي قاصرة عن ادراك المعنى الغيبي، وقد صرحت العلوم الطبيعية بقصورها عن المدركات التي تكفل الدين ببيانها فالدين الاسلامي عرف بالحياة، واعطى لها معنى بلغ في الوضوح مبلغا لم تبلغه في ديانات اخرى ماهي الحياة: والدين الاسلامي نبه الى معنى الحياة وحقيقتها وهذا المعنى وان تناولته الديانات فقد كان فيه من الالتباس ما ادى الى ظهور التجدد والتذكر وجاء الاسلام ليقوم بهذا الدور وان ما يقوله العلم عن الحياة هو الحديث عن الظواهر وعن الحسيات التي تنتهي بالموت، والحياة منها ما هو داخل في الوجود وتناولته العلوم التجريدية، ومنها ما هو داخل في الغيبيات ولا تستطيع العلوم التجريدية ادراكه. وليس الموت نهاية الحياة في نظر الدين وانما هو برزخ بين الجانبين والحقيقة العليا هي الوجود الدائم للانسان بعد الموت. والموت ليس الا حياة برزخية وهي حياة تصل بين حياتين هما الحياة العاجلة والحياة الاجلة. والقرآن اشار الى ان الحياة الاولى ضئيلة بالنسبة للحياة الاخرة: فعن الاولى يعبر القرآن (ولتجدنهم احرص الناس على حياة) وعن الاخرة يعبر بقوله (وان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) (يا ليتني قدمت لحياتي) وليست الحياة السفلى الا مطية لما بعدها واذ وصفها الدين بانها متاع الغرور وحقرها فانه لم يحقرها في ذاتها أو للانصراف عنها أو جعل الموت غاية لها، وانما حقر الصورة التي يراها عليها الانسان (الغرور) واذا قصر الناس عملهم على الحياة السفلى ولم يرتبطوا بالحياة العليا دخلوا في الذرائعية وارتبطوا من الحياة بما هو ملائم وحاولوا تجنب ما هو شاق ومرهق وترتب عن ذلك الاضطراب والفساد الارضي لان كل انسان يحاول اخذ الحياة بما يتفق وصالحه الذاتي بحسبه وهذا هو المعنى السقراطي والمذاهب الذرائعية مكاسب الحياة: ويجب ان يدرك المرء ان الحياة محل سعي، ومحل تقوى، وان صلاحها في مراعاة ما هو صالح في ذاته، ويصبح عمل الانسان في الحياة مكيفا بما ينجي وبعيدا عما يهلك ويكون المقياس منظورا فيه الى النسبة بين الحياة الدنيا والحياة الاخرى. وان الحقيقة الاخروية انما جعلت اساسا لصلاح السير الانساني في هذه الحياة ولقد صرح العلماء وفي مقدمتهم العلامة الشاطبي بان الشرائع وضعت لصالح الانسان، ولذلك يكون معنى الحياة هو الذي اصلح الحياة ووجه اليها وذلك هو التشريع الذي نظم الحياة بمنهجها، وقد وردت في ذلك آيات كثيرة (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم) بحيث يكون التعاون والتعاطف قائمين على اعتبار ان الحياة انما هي برزخ بين حياتين سفلى وعليا وبهذا يعرف الارتباط بين الدين والحياة – انتهت المحاضرة - انظر ص52 -53 -54-55-56-57 من نشرة قيم اسلامية تعقيب على الحوار: وقد دار اثر هذه المحاضرة القيمة حوار ثري (للاسف الشديد) لم يرد نصه في نشرة قيم اسلامية مضمونه وعقب فضيلة الشيخ الأستاذ على المعلقين قائلا: لو قلنا انا نريد ان نتنازل الى اعتبار ان الدين يعين الحياة نكون مكنا خصوم الدين من ان يجعلوه في خدمة مبادئهم لا ان تكون كما هو الحق تلك المبادئ في خدمة الدين والدنيا التي هي الحياة اذا اردنا من الانسان ان يسير فيها سيرة مستقيمة حسب صورة يستمدها الانسان من الانسان فذلك يؤدي الى التعاون مع الفكرة التي تجعل البحث قائما على الاقرار بوجود الله وانه هو المخطط للسلوك في الحياة والاسلام جاء بالصدقة والزكاة ومصارفهما ليست هي التضامن الاجتماعي مثلا وعلى ذلك لا يمكن اخضاع الدين لشهوات الاشخاص والله لا يناله مال الزكاة ولا لحوم القرابين وانما يراد من وراء ذلك القيام بعمل لوجه الله (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) واذا كان الدين يرمي الى اسعاد الانسانية فانما يريد ذلك لان الانسان لا يستطيع ان يحقق لنفسه السعادة وانما الذي يستطيع ذلك هو الدين وحده ونحن نقف موقفا يقتضي ان الحياة بدون دين ليست الحياة المستقيمة ولا المطمئنة وحظ الانسان مهما جاء بكشوفات عجيبة يزداد كل يوم كسادا لانه اصبح العوبة في يد الطاقات والالات وقد صور الممثل شاري شابلن الانسان الذي اصبح انسانا اليا في شريطه الحياة العصرية ولا حياة الا اذا سيرتها الفكرة الدينية التي تربط الحياة بالموت وبما بعد الموت ونتائج الصوم مثلا ترجع لذات الانسان لا لذات الله تعالى، وكتبت الصلاة من اجل ذلك لانها تنهى عن الفحشاء والمنكر وكتب الصوم توصلا للتقوى (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون اياما معدودات) والذي نحن عليه اليوم ليس الا انحرافا يجعل الدين متطارحا على المادة وذليلا امامها مع انه المصدر للمادة والروح ومن اجل ذلك ابتعد اصحاب الحضارة العصرية عن الدين وتحللوا من روابطه. ذلك ايها القارئ نص تاسيسي هام وجدير باعادة القراءة والتدبر للاستفادة منه في واقع الامة الحاضر والتحديات التي تواجهها فصل فيه فضيلة الشيخ العلامة محمد الفاضل ابن عاشور رحمه الله القول وانار فيه السبيل ووضع فيه النقاط على الاحرف قدمناه كاجمل تحية الى روحه الزكية في ذكرى مرور خمسة واربعين سنة على وفاته اجزل الله مثوبته وعظم اجره ونفع بعلمه الامة ودينها انه سبحانه وتعالى سميع مجيب



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.