قراءة في كتاب من وحي الإسلام للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله

قراءة في كتاب من وحي الإسلام للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله


واحد من الكتب الرصينة التي تصدر بين الفينة والفينة وسط سيل متدفق من الكتابات العابرة. وهو كتاب في فن المقالة الإسلامية الصحافية يضم عددا كبيرا من المقالات كتبها صاحبها -عليه رحمة الله-في أعداد كثيرة -خلال سنوات طويلة- على صفحات محلية التي أنشأها (جوهر الإسلام) وهي المجلة التي لا زالت تقوم بدور كريم وعظيم في أرض تونس التي لا تكاد تضم غير (جوهر الإسلام) مجلة إسلامية أخرى. ومؤلف الكتاب شاعر له أسلوب الشاعر... وعاطفته. وداعية مسلم له عقيدته التي يكافح عنها ويقدمها بأفضل ما يستطيع من وسائل التقديم. وهو كاتب -أيضا- له قلمه الصحافي والأدبي الطيب.. وإن القارئ الكريم سيحس بتوهج وحرارة في كل حرف وجملة وفقرة. وسيلمس جسارة في الحق وصدقا في قوله، وإيثارا لما بين يدي الله. وتلك لعمري كانت السمة البارزة التي اصطبغت بها كل أعمال الفقيد العزيز يقول مقدم الكتاب. (لقد شعرنا ونحن نعد المقالات للطبع أننا تأخرنا كثيرا في إخراجها للناس فهي أحسن ما يقدم للعاملين في الحقل الإسلامي والمتتبعين بلهف للصحوة المباركة للأمة الإسلامية في هذه الأيام)... ويقول عن منهج المؤلف أيضا: لقد كان الفقيد يولي مقالة الافتتاح من كل عدد يصدر من مجلة (جوهر الإسلام) العناية الكبرى فيتخير موضوعها وينتقي أسلوبها ويحملها عصارة أفكاره وأرائه في الدعوة والإصلاح وكان لنا شرف ملاحظة تلك المعاناة وملامسة ذلك الهم الذي يبدو على الفقيد إذ كان يمليها علينا إملاء وكنا نستوقفه استيضاحا فلا يبخل بالإضافة والتبيين وكان ذلك يقع منه بسعة صدر وصبر وتواضع جم وتلك خصال تميزت بها شخصية الفقيد وجعلته قريبا من الناس قريبا من الله. وان المتجول بين هذه الافتتاحيات من أولها إلى آخرها ليلاحظ بيسر انسجام أفكار صاحبها ووضوح رؤيته وشفافية روحه مع إدراكه الكبير لأسرار التشريعات الإسلامية وتشرب روحه لحقائق الإسلام وتفاعله معها واجتهاده في إبراز حكمة الأوامر الشرعية من عبادات ومعاملات وتبيينه للنتائج الايجابية الكبرى التي تنجر عند انتهاء المسلم عما حرمه الله من الخبائث. ولقد كانت لقلم الفقيد جولات مع المناسبات والأعياد الإسلامية جعلتها حية تؤثر في حياة المسلمين الفردية والاجتماعية ولا تمر دون الاستفادة منها والاعتبار بها. ولم يبخل الفقيد عن أمته وإخوانه المسلمين حيث ما كانوا فقد دافع عن حقوقهم وبلغ نداءاتهم واستصرخ أمتهم فلم يخل مجلد من مجلدات (جوهر الإسلام) من دفاع عن المسلمين في فلسطين والفلبين واريتريا وتشاد وباكستان والعفر (القرن الإفريقي). ولقد فعل ذلك انطلاقا من إيمانه الراسخ بحتمية تفاعل واهتمام المسلمين بأمور بعضهم البعض. والحقيقة أن الفقيد قد قيم في هذه الافتتاحيات تجارب الدعوة الإسلامية التي عاش لها ومن اجلها ولاقى ربه في حقلها حاملا لواءها ثابتا عليها غير آبه بما يلاقيه فكان تقييمه للعمل الإسلامي تقيما واقعيا بعيدا عن الجلبة والغوغائية متجنبا الأحكام العاطفية ملتزما منهج الواقعية والعقلانية المنطقية التي تسمى الأمور بمسمياتها حتى لا يصدم المسلم بنتائج تخالف حساباته. وكان الفقيد شديدا في بعض آرائه قاسيا ولكن في حق خصوصا مع الذين تبوؤا مهام الدعوة والإصلاح داعيا لهم إلى الالتزام بالربانية والحركية والايجابية حتى تثمر دعوتهم. وهو مع ذلك يلتفت إلى من قلدهم الله مقاليد الأمة الإسلامية فيحملهم مسئولية صلاح المسلمين أو فسادهم وقوتهم أو ضعفهم ووحدتهم أو تمزقهم وانتصارهم أو انهزامهم. قال ذلك بكل جسارة ولكن لغاية واحدة هي إرضاء الله بأداء النصيحة. ولقد دعى الفقيد بصفته رئيس تحرير (جوهر الإسلام) وبصفته كداعية يباشر قضايا الدعوة الإسلامية إلى عدة مؤتمرات ولقاءات وملتقيات فبارك هذه التجمعات وسعى إليها رغم ما الم به في أخريات حياته من مرض عضال ومحنة كان فيها مفردا ولم يجد عندها بجانبه إلا الله فلاذ به واعتمد عليه-وفي هذه المناسبات صرخ بأعلى صوته بالمجتمعين والمؤتمرين وضرب عرض الحائط بما اعتاده المدعوون من مجاملة ولو على حساب المبادئ في بعض الأحيان. فدعا المشاركين إلى النزول من أبراجهم العاجية والتزام الصدق والواقعية وتقرير مقررات معقولة ثم التفت إلى الداعين ونبههم إلى أن تطبيق المقررات لا تقل أهمية عن الدعوة إلى هذه المؤتمرات بل إن التنفيذ والدخول إلى حيز الانجاز يجب أن يبقى الغرض الأول والأساسي لكل لقاء ومؤتمر على أي مستوى من المستويات. ويلاحظ القارئ الكريم إيمان الفقيد بشباب الأمة الإسلامية الناهض والمتحمس لقضية الإسلام فاعتز بهم وابلغ مطالبهم وأصواتهم كما دعاهم إلى مزيد من العلم والخبرة والتجربة والتعرف على حقائق دينهم حتى يستفيدوا ويفيدوا. ولم يترك الأحداث الصغيرة والكبيرة في وطنه الصغير (تونس) و(المغرب العربي) أو وطنه الكبير (العالم العربي والعالم الإسلامي) دون تفاعل منه معها: آلاما وآمالا، فشجع المبادرات ونبه إلى الأخطار والملمات وأعلن موقفه الإسلامي من كل القضايا المصيرية بشجاعة ووضوح: قضايا الأصالة والمعاصرة والتعريب وإصلاح التعليم والتشريعات وفق شريعة الإسلام. والسمة البارزة لأغلب هذه الافتتاحيات هي سعيها لنفي الشبهات عن الإسلام: عبادات ومعاملات أحكاما وتشريعات ونفض الغبار عن حقائق الإسلام، وإزاحة الحجب التي تجعله غير واضح في أعين كثير من الناس بالإضافة إلى دفع الافتراءات والأباطيل التي الصقها به خصومه في كل العصور. وقد رأى الفقيد في العلم ومكتشفاته وانجازاته خير مساعد على تقديم الإسلام وتحبيبه للناس ونادى قومه أن لا تناقض بين الإسلام الحقيقي والعلم الصحيح والعقل السليم بل على العكس إنها جميعا تصب في مهيع واحد وتؤدي إلى نتيجة واحدة وهي مزيد الارتباط بالله والاقتراب منه. وإن هذا العرض الموجز لن يغني القارئ عن التوجه إلى هذه الافتتاحيات بالقراءة والتدبر إذ ليس من هدفنا في هذه الكلمة سوى التقديم السريع الذي يرغب ويشوق فقط. وحسبك من كتاب حمل بين دفتيه تجربة عالم مخلص ومعركة أمة في مدى زمني كبير هي عمر داعية نذر نفسه لله. والكتاب وإن وقع في مائة وثمان وستين صفحة من القطع المتوسط إلا أن قيمته كبيرة وتأثيره يفوق كثيرا من الكتب المتثائبة التي تقع في مئات الصفحات... إن الشيخ المستاوي ليس صاحب مهنة اسمها الكتابة ولكنه صاحب رسالة وسيلتها الكتابة. ولهذا تدخل كلماته إلى القلب لأنها صادرة عن القلب .. جزاه الله خيرا. مجلة الدعوة-الرياض



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.