قراءة في كتاب (دفاع واعتذار لمحمد -صلى الله عليه وسلم- والقرآن) لجون ديفنبورت
كتاب "دفاع واعتذار لمحمد -صلى الله عليه وسلم- والقرآن" من تأليف المؤرخ والعالم الأمريكي جون ديفنبورت John Davenport ظل مغمورا لا يكاد يذكر المؤلف ولا الكتاب في دوائر المعارف والمعاصم على كثرتها وتنوع اختصاصاتها إلى أن تفطن إلى قيمته وأهميته وإنصافه وموضوعيته الأستاذ صالح صابر زغلول، فتولى ترجمته إلى العربية وقامت دار الكتب العلمية بطباعته وتعميم الاستفادة منه خصوصا في هذه الفترة التي تشهد حملة مستعرة لا تعرف التوقف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى الكتاب الذي جاء به من عند الله وقد تجند لهذه الحملة ويا للأسف الشديد عدد من أبناء الإسلام وبناته الذين بدا لهم كأنهم اكتشفوا زيف رسالة الإسلام واهتزاز رمزيها الأساسيين النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- والقرآن الكريم وبدا من أعمالهم التي أنجزوها سواء في شكل أطروحات جامعية أو إبداعات فكرية وأدبية كانهم جاؤوا بفتح مبين في مجال إثارة الشبهات وإلقاء التساؤلات والاستفهامات المشككة والمفتراة في صيغة ما يقتضيه البحث المنهجي الموضوعي البعيد عن العواطف الإيمانية التي يتهمون بها كل من كتب في سيرة سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- ومختلف المباحث المتعلقة بالقرآن وعلومه المؤكدة لسلامته وصدقية نبوة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- والحال أن ما يلوكه هؤلاء الباحثون الجدد والمفكرون المسلمون الأحرار ! كما يدعون لأنفسهم وتصفهم به الدوائر التي ترضيها أعمالهم يكاد يكون بالحرف إستعادة وتكرارا لما لم ينقطع عن الإلقاء به سند متصل من رجال الكنيسة والمستشرقين الذين تكاملت جهودهم واتصل سند أعمالهم العلمية في هذا الاتجاه اي إلقاء الشبهات والافتراءات وكل ما من شأنه أن يحول بين قرائهم وبين الحقيقة المنصفة للنبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن الكريم.
أدع المترجم والمحقق لكتاب "دفاع واعتذار لمحمد -صلى الله عليه وسلم- والقرآن" الأستاذ صالح صابر زغلول يبين خصوصية هذا الكتاب سواء في محتواه أو منهجية مؤلفه وما تميز به عن سواه من الدارسين والباحثين الغربيين في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرآن الذي جاء به.
ولكن جون ديفنبورت كان مختلفا تمام الاختلاف عن من سبقوه. فقد كشف كل عورات التفكير والعقائد التي تسللت إلى الدين المسيحي عبر العصور، عرض هذا بطريقة واضحة جلية وبأسلوب منطقي سليم وأدلة دامغة لا تحتمل الشك... لقد كانت عند ديفنبورت الشجاعة على أن يجمعها لهم ويواجههم ويصدمهم فتأثر به الكثيرون من المفكرين في إنجلترا وأروبا والعالم وليس هذا فحسب ولكنه دافع عن الإسلام ورسوله دفاعا مستميتا تدعمه الأدلة والبراهين لأنه ليس مجرد كاتب في تخصص محدد، ولكنه كان عالما بالتاريخ وكان عالما باللغة وله عدة معاجم وكان عالما بالأديان وتطوراتها وله عدة كتب في هذا المجال....وفي نفس الوقت كان أستاذا في علم وظائف الأعضاء وخاصة المثيرات الحسية وتاريخ الجنس في الأديان وفي هذا العلم له كتب قيمة علمية).
وفي هذا العلم الأخير فند جون ديفنبورت تلك التهم الزائفة الشهيرة بالشهوانية وحب الجنس في الإسلام وعند رسوله ! وكان دفاعه قويا غير مسبوق وهي مزاعم لا يزال يرددها تلاميذ المستشرقين المتحاملين على النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن الكريم.
كما دحض جون ديفنبورت تهمة انتشار الإسلام بالسيف وغيرها من الشبهات القديمة المتجددة الكتاب في ما يقارب الثلاثمائة صفحة هو بحق دفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن من باحث ودارس موضوعي ومتجرد ولو كان صادرا عن عالم مسلم لقلنا الشيء من ماتاه لا يستغرب فماذا يقول في ما جاء في هذا الكتاب المفكرون المسلمون الجدد؟ ! أليس هذا الكتاب من قبيل والحق ما شهد به الآخر؟
لا أريد أن أطيل على القارئ لأنه لا يمكن اجتزاء ما تضمنه هذا الكتاب من شهادات منصفة متجردة يكفي فقط أن أذكر بعض عناوين مباحث كتاب "دفاع واعتذار لمحمد -صلى الله عليه وسلم- والقرآن فقد تضمن الفصل الأول: حياة محمد وشخصيته الحقيقية الموثوق بها، دين العرب، فساد الديانات اليهودية والمسيحية، ميلاد ونسب محمد، موت أم محمد، محمد يصحب عمه في رحلاته التجارية، الحجر الأسود، زواجه من خديجة الأرملة الغنية، حزن محمد وميله إلى التأملات الروحية ظهور الملاك جبريل وإعلانه رسولا لله، أول المهتدين إلى دين الله إلى غير ذلك من العناوين للفصول التي فند فيها بالحجة الشبهات والأباطيل التي لا تستند إلى الحقيقة. ولا يغني هذا العرض الموجز لدفاع جون ديفنبورت عن الرسول الأعظم واعتذاره له عما خطه وكتبه عشرات المستشرقين ورجال الدين المسيحي واليهودي الذين تقاسموا عمل الإساءة إلى رسول الله وتكاملت جهودهم وتواصلت إلى عهد قريب ليحمل عنهم أعباء هذه المهمة صنف من أبناء الإسلام ويا للأسف الشديد وفي كل مرة يقيض الله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وللقرآن الكريم من يدافع عنهما، وفي الحلقة القادمة إن شاء الله نورد للقارئ موازنة علمية بين عملين كتبا في الأصل باللغة الفرنسية أحدهما للفيلسوف المصري الدكتور عبد الرحمان بدوي -رحمه الله- تحت عنوان دفاع عن محمد وقد ترجم إلى اللغة العربية ونشرته أخيرا هيئة كبار العلماء بالازهر الشريف والثاني للكاتبة التونسية هالة الوردي بعنوان الأيام الاخيرة في حياة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يترجم هذا الأخير الى العربية الى حد الآن ولعل ذلك يعود الى ما تضمنه من شبه لا يتصور صدورها عن باحث جاد منصف فضلا عن مسلم.
