قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين". رواه البخاري هذا الحديث الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم أورده الإمام النووي ضمن باب الحلم والأناة والرفق من كتابه المبارك (رياض الصالحين). وراوي الحديث هو سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه المعروف بملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا يكاد يخرج من المسجد إلا لقضاء حاجة. وهذه الحادثة عاشها ورآها سيدنا أبو هريرة تصور لنا مدى ما جُبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلق كريم مصداقا لقول الله تعالى (وانك لعلى خلق عظيم) وقوله جل من قائل (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)، لقد كان عليه الصلاة والسلام مثالا للرحمة والحلم والصفح والعفو وكان المجسم لهذه القيم في حيز الواقع المعيش. فهذا الأعرابي القادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في المسجد وليس هذا المسجد هو أي مسجد، انه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني الحرمين وأول مسجد أسس على التقوى من أول يوم وهو المسجد الحرام والمسجد الأقصى والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة هي مساجد ضاعف الله فيها ثواب الصلاة، فجعل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة. وفي المسجد النبوي بال هذا الأعرابي وعلى مرأى ومسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هؤلاء الأصحاب الذين لم يتقبلوا هذا الصنيع من هذا الأعرابي الداخل إلى المسجد -ويبدو انه حديث عهد بالإسلام- إذ لو كان ممن رسخ قدمهم في الإسلام وقوي إيمانهم وتعلم آداب الإسلام وأخلاقه وكيفية التعامل مع الأماكن المقدسة الطاهرة لما أقدم على هذا الصنيع. فالمساجد أماكن طاهرة حسية ومعنوية ولابد أن تصان من كل ما لا يليق بها ولذلك كان رد فعل الصحابة الذين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أنهم قاموا قومة الرجل الواحد، تداعوا على هذا الأعرابي ليقعوا عليه سواء كان ذلك بالضرب أو التعنيف أو حتى إذا اقتضى الأمر قتله لا قدر الله. هنالك قال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء (دلوا) أو ذنوبا من ماء، يا له من عفو وصفح وحلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان به في الطرف المقابل لتصرف أصحابه الذين غضبوا وكان غضبهم لله لا شك في ذللك. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ولا شك احرص منهم على دين الله وعلى بيت الله ومع ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم ير في صنيع هذا الأعرابي قصد الإساءة والانتهاك لحرمة بيت الله وإنما كان الدافع لصنيعه هو الجهل بما تقتضيه بيوت الله من صيانة وعناية وتجنيب لها لكل ما عساه أن ينجسها ويدنسها. وليس تلك ولا شك نية وقصد هذا الأعرابي الحديث العهد بالإسلام والذي لم يتعلم بعد أصول التمدن والتحضر والرقي، انه حديث عهد بحياة البداوة والجهالة بما فيها من تدنّ في الذوق والأدب إن ذلك هو الذي دفعه إلى فعل ما فعل، فليس في نيته تدنيس المسجد ولذلك عذره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهون عليه ووقف إلى جانبه في وجه أصحابه الذين تداعوا عليه من كل جانب ولولا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلام الذي وجههم إلى وجهة أخرى تناقض وجهتهم وما عزموا عليه من الوقوع على هذا الأعرابي لولا ذلك التصرف الحليم الرحيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان مصير الأعرابي الهلاك. لقد لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه درسا في الحلم والأناة والرحمة والرفق واللين وعلّم من ورائهم أمته جمعاء بأن تتحلى دائما بالرفق وان لا تكون عجولة، لقد قال عليه الصلاة والسلام (إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه). فالرفق يصلح كثيرا من الفساد. لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وكل الأمة أن الدفع بالتي هي أحسن هو نهج الإسلام وسبيله في تغيير كل منكر، وأن هذا الدفع بالتي هي أحسن لا تكون عاقبته إلا حسنة للجميع، يقول جل من قائل (ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). * وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأعرابي وكل من يرتكب خطا من هذا القبيل أن المساجد بصفة خاصة وكذلك غيرها من المنازل والمجالس والطرقات والمحلات العامة والمرافق التي يستفيد منها الجميع كالظل أو الماء (ماء البحر أو الأودية) كل تلك لا يليق ولا يجوز أن تنجس بالبول وغيره. * فالإسلام دين النظافة الفعلية العملية الحسية المادية فضلا عن انه دين النظافة المعنوية النفسية الروحية، بل عن النظافة المعنوية النفسية الروحية ترتكز في الإسلام على النظافة الحسية في الملبس وموضع العبادة (الصلاة) وكذلك نظافة ما به تتحقق الطهارة اعني به الماء الذي هو طاهر ومطهر. والذي هو اصل الحياة يقول جل من قائل (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ) وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجال مثل غيره من المجالات الأخرى لا يمكن الإتيان عليه ولا حصره وهو مفصل في كتب السنة النبوية الطاهرة. * إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وفي غيرها يجسم عمليا أمر ربه سبحانه وتعالى في كتابه العزيز القائل: (ولو كنت فضّا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر). وهو عليه الصلاة والسلام بهذا الصنيع قد احتل قلب هذا الأعرابي السويداء ولذلك تذكر بعض الروايات أن هذا الأعرابي لم يتمالك عن الدعاء (اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم معنا أحدا). * فالأنفس البشرية مجبولة على حب من يعفو عنها ولا يشهر بها ولا يقتص منها وكان ذلك هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما يوم الطائف حيث لم يزد عن أن قال (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ويوم فتح مكة عندما قال لقريش (لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فانتم الطلقاء). * ما أعظمه وما أحلمه وما ارحمه من رسول كريم صلى الله عليه وسلم انه بحق (رحمة للعالمين) وهو بحق (بالمؤمنين رؤوف رحيم). * وختم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، صلى الله عليك يا رسول الله. * فما أحوج أمتك إلى هديك، ففيه الرشاد وفيه الفلاح وفيه الصلاح وفيه إصلاح ذات البين، ما أحوج كل الأمة لاسيما أولئك المعسرين المشددين إلى أن يكرعوا من معين هديك العذب فينفوا عن الإسلام كل ما تلصقه به تصرفات البعض من الأفراد والجماعات من غلظة وشدة هو منها وأيم الله لبراء



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.