في وداع القاضي الفاضل التهامي شنينة (1914-2014): الهمة العالية والعفة الفائقة والاستقلالية الكاملة

في وداع القاضي الفاضل التهامي شنينة (1914-2014): الهمة العالية والعفة الفائقة والاستقلالية الكاملة


شيعت مدينة أريانة في الأيام الأخيرة أحد البقية الباقية من الأسرة القضائية الزيتونية القاضي الفاضل التهامي شنينة إلى مثواه الأخير بمقبرة الزلاج بعد عمر مديد (حوالي مائة سنة) قضاه في التحصيل العلمي بجامع الزيتونة الذي قصده ضمن قلة قليلة من أبناء الجنوب الشرقي من مدينة تطاوين وقرية الرقبة المعروفة بعراقتها العلمية، إنها ثلة عصامية ذات همة عالية رغم ضعف عائلاتها المادي لقد كان التهامي شنينة رحمه الله من أوائل هؤلاء الطلبة الزيتونيين الذين اتصل سندهم إلى أن وضع حد للتعليم الزيتوني في أوائل الاستقلال نذكر منهم الشيوخ والقضاة: عمر الواعر وعمر بن علي والحبيب المستاوي والبشير البركاوي والشافعي الدوكالي والحبيب بوطبة والطاهر بوطبة والمدني بالهاشمي ومحمد اللقاني رحمهم الله والقائمة طويلة جدا من آخرهم الشيخ الحبيب النفطي حفظه الله كانوا جميعا يمثلون كوكبة وطليعة لأجيال أخرى جاءت من بعدهم وتتلمذت علي أيديهم وجعلوا من مدينة تطاوين والرقبة حاضرة علمية مثلها مثل توزر ونفطة في الجنوب الغربي رغم البعد عن العاصمة إلا أن مجالس ونوادي هذه المدن كانت بحق منارات علمية ترسخ العقيدة الصحيحة وتفقه بالعلوم الشرعية وتثري الحياة الفكرية والأدبية... تلك حقبة مضت من تاريخ تلك المنطقة من البلاد التونسية يتذكرها ويذكرها أبناء تلك الربوع باعتزاز *القاضي الفاضل التهامي شنينة رحمه الله تدرج بعد تخرجه من جامع الزيتونة بأرفع الدرجات العلمية في سلم القضاء من أدناه إلى أعلاه في محكمة التعقيب رئيسا لإحدى دوائرها عمل في عديد المحاكم داخل البلاد في باجة وسوسة وغيرهما وكان مثالا للقاضي النزيه المتفرغ بصفة تامة وكلية لعمله والمبتعد عن كل مجالات النشاط وبالخصوص السياسي منها. والرجل كان معروفا باستقلاليته التي تسببت له في صعوبات وإشكالات تمثلت في إبعاده المرة تلو الأخرى وعرقلة تدرجه الوظيفي، لقد كان معروفا بنفسه العروبي إلى درجة الحماسة وما كان ذلك ميسورا في سنوات الاستقلال الأولى ولكن الرجل صمد ولم يتزحزح قيد أنملة عن قناعاته الفكرية والقومية وكان يصدع بهذه المواقف لا يعبأ بردود الأفعال مهما كان مأتاها ولأن الرجل نزيه نظيف اليد لم يشا ان يكسب من حطام الدنيا إلا ما يستحقه من راتب خطته القضائية التي كان شديد الاعتزاز والافتخار بها وهو بذلك يذكر بالأسلاف من القضاة الذين دأبهم أن يعطوا كل ذي حق حقه لا تأخذهم في ذلك لومة لائم. كان القاضي الفاضل التهامي شنينة رحمه الله من كوكبة من كبار القضاة البلاد التونسية من أمثال القضاة بن سلامة والعنابي وشمام والمالقي والعياري والزغلامي وسعيّد وبلحاج فرج وغيرهم كثيرين ممن تركوا بصماتهم ولهم آثارهم التي لا تزال باقية: أحكاما محررة مدققة وأفهاما عميقة مما هو محفوظ في السجلات العدلية وما يستفيد منه طلبة العلوم القانونية. والقاضي الفاضل التهامي شنينة رحمه الله على علو درجته وغزارة علمه ومعرفته القانونية والفقهية معروف بتواضعه وحسن خلقه وحبه الشديد للحياة الطبيعية البسيطة الخالية من التكلف ورغم انه جاء مبكرا جدا إلى العاصمة واستقر فيها وتزوج منها واختلط بأوساطها إلا أنه ظل موصولا بمسقط رأسه يعود إليه كلما سنحت الفرصة ويعيش بين أقربائه وقريباته بدون تكلف أو ترفع يجد في ذلك الراحة والسعادة الكبرى وكان حريصا على أن يصطحب معه أفراد أسرته وكان كأغلب الزيتونيين شغوفا بالأدب: شعرا ونثرا وكانت تربطه بأعلام تونس وأدبائها علاقات صداقة وتواصل وتواصل وممن كان على علاقة وطيدة بهم الأستاذ محمد المرزوقي رحمه الله وابن خاله الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله والشاعر السعودي بابا طاهر (الطاهر زمخشري رحمه الله) وكان يضع على ذمته منزله في أريانة أثناء العطلة الصيفية في كرم وأريحية صادقة خالصة. رحم الله القاضي الفاضل التهامي شنينة وأسكنه فراديس جنانه وأجزل مثوبته على ما كان يتصف به من عفة وجرأة وصدق وتواضع وتعلق بالشخصية التونسية العربية الإسلامية إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب وإنا لله وإنا إليه راجعون.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.