في وداع الشيخ عبد المجيد الحملاوي رحمه الله (شيخ الزاوية الحملاوية بالجزائر)
ببالغ الأسى والحسرة تلقيت عن طريق الأخ عبد الباقي مفتاح خبر نعي المنعم المبرور الشيخ عبد المجيد الحملاوي تغمده الله بواسع رحماته واسكنه في أعلى عليين بجوار النبيين والصديقين وأولياء الله الصالحين الذين كان رحمه الله لهم من المحبين. * لقد عرفت الفقيد العزيز والتقيت به في طرابلس ووهران والجزائر وكان آخر لقاء لي به في مراكش بالمغرب في سيدي شيكر في جويلية 2009 وكنت في كل مرة ألقاه أزداد به تعلقا وحبا لما أجده فيه من شفافية روحية عالية وكان يغمرني رحمه الله بمشاعره الفياضة ولا ينفك لسانه عن ذكر تونس وأوليائها ومعالمها: سيدي الصحبي وسيدي محرز وسيدي بلحسن والسيدة المنوبية وكنت أمني النفس بزيارة يؤديها إلى تونس التي أحبها لأتشرف بخدمته ولكنه عجل إلى ربه وترك في النفس لوعة وحزنا عميقين شديدين لا يسلينا عنهما إلا الدعاء الحار إلى الله كي يجمعنا به في الجنة في مقعد صدق عند مليك مقتدر. * كان رحمه الله شعلة من الحيوية والنشاط وكان المَرِح الذي لا تغادر محياه الابتسامة الصادقة. عمل قدر جهده على نصرة الدين وخدمته بجاهه وماله وقلمه وروحه الفياضة فربط الأواصر وسخر مجلة (منبر الإمام مالك) لخدمة العلم الصحيح والحقيقة الواضحة الجلية. استنهض الهمم فأثمر عمله خيرا عميما تجلى أعظم تجلّ في الزاوية الحملاوية التي تفرغ لخدمتها ليتخرج منها على يديه جيل قرآني عمّ به النفع الجزائر بكل مناطقها وتجاوزها إلى البلدان الإفريقية المجاورة. لكم تمثلت بإجابته لمن طلب منه أن يأتيه ليأخذ كرتونا من المصاحف قائلا له: سآتيك بقرآن يمشي على رجليه يتمثل فيمن تخرجهم الزاوية الحملاوية. (* ولد الشيخ عبد المجيد بن عبد الرحمان حملاوي رحمه الله بالزاوية الحملاوية في 13 جوان 1938م توفي والده وهو في الرابعة من العمر، حفظ القرآن الكريم في طفولته بالزاوية ثم التحق بجامع القرويين بفاس بالمغرب حيث درس علوم الحديث ليلتحق بعدها بجامع الزيتونة بتونس، قطع دراسته بدافع الوطنية والتحق بصفوف جيش التحرير سنة 1957 وشارك في ثورة التحرير وتابع تكوينه بمدرسة الإطارات العسكرية التي كانت بالحدود التونسية، لينخرط في صفوف الجيش الوطني الشعبي فكان في المدفعية ثم المحافظة السياسية قم القطاع العسكري إلى أن أحيل إلى التقاعد سنة 1992م برتبة ضابط سامي وتخرج على يده الكثير من الضباط والقيادات في الجيش. * كما شارك-رحمه الله- في تحرير قناة السويس ضد الصهاينة سنة 1967/1968م وتحصل خلال مشواره العلمي في صفوف الجيش الوطني على عدّة أوسمة وشهادات تقدير. * وبعد تقاعده إنصبّ اهتمامه على الزاوية التي تولى خلافتها فبعث فيها روح القرآن الكريم والعلوم الشرعية واللغة العربية. * وادخل على الزاوية تحسينات عدة في مرافقها وهيأ ظروف إقامة الطلبة والزوار، وكان يستقبل يوميا وفودا من الشعب لإصلاح ذات البين، ويستقبل الطلبة الجامعيين ويساعدهم في بحوثهم بتوفير أهم المراجع الأدبية والتاريخية النادرة التي تحتويها مكتبة الزاوية حيث زودها بمئات العناوين النادرة. * ولقد كان رحمه الله السبّاق في عقد أول ملتقى على مستوى الوطن يتناول شخصية الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه بمقر الزاوية الحملاوية 1995/1996م، كما عقد ملتقيات وندوات وأيام دراسية بالزاوية. * وخدمة لمذهب إمام المدينة أصدر مجلة بعنوان (منبر الإمام مالك بن أنس) وهي الآن في عددها الثامن. * وبصدر رحب استقبل 30 طالبا وفودا من دولة بوركينافاسو، حيث تكفل بهم كفالة تامة وأتموا حفظ القرآن ومبادئ الشريعة واللغة. * كان الشيخ-رحمه الله- يهتم كثيرا بمجريات الأحداث، وكان أول من ندد بالإرهاب في الجرائد وكان شغله الشاغل الوطن والقرآن والجيل الصاعد فهو حقا خدوما للقرآن والشريعة خادما لوطنه الحبيب منذ شبابه. * وقد أثبتت الإحصائيات أنه منذ 1992 إلى 2008م مر بالزاوية آلاف الطلبة منهم 1900 طالب تخرجوا حافظين لكتاب الله. وكان رحمه الله قد تولى مشيخة الزاوية اثر وفاة الشيخ عمر عام 1966. سائرا على نهج أسلافه على الطريقة الرحمانية وفي حوالي سنة 1970 اخذ الطريقة الهبرية الدرقاوية الشاذلية على يد المربي الكبير الرباني العارف بالله سيدي محمد بلقائد التلمساني (1911/1998). *توفي الشيخ عبد المجيد رحمه الله في 09 نوفمبر 2009م. لتنتقل الخلافة إلى نجله الأكبر الشيخ محمد الهادي حملاوي مكملا مسيرة آبائه في خدمة القرآن وأمة القرآن (انظر العدد 2 من مجلة الأنوار المحمدية الصادرة عن الزاوية البلقايديه الهبرية ربيع الأنوار 1431 فيفري 2010)). رحم الله الشيخ عبد المجيد الحملاوي رحمة واسعة واسكنه فراديس جنانه ورزق أسرته الكريمة: زوجة وأبناء وذوي أرحام ورزق إخوانه ومحبيه هناك في الجزائر وهنا في تونس وفي غيرهما من ديار الإسلام جميل الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
