في رحاب القرآن: تفسير الآيات الأخيرة من سورة آل عمران: في الثواب الذي أعده للصالحين من أهل الكتاب والصابرين من المؤمنين

في رحاب القرآن: تفسير الآيات الأخيرة من سورة آل عمران: في الثواب الذي أعده للصالحين من أهل الكتاب والصابرين من المؤمنين


يقول الله تبارك وتعالى: “وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم وما انزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون”.صدق الله العظيم الآيتان 199 و200 من سورة آل عمران بهذين الآيتين اختتمت سورة آل عمران، أولى الآيتين هي قوله تعالى (وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله..). قال جابر بن عبد الله وانس ابن عباس وقتادة والحسن رضي الله عنهم هذه الآية نزلت في النجاشي وذلك انه لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي). فقال بعضهم لبعض يأمرنا أن نصلي على علج من علوج الحبشة، فانزل الله تعالى (وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم وما انزل إليهم)، قال الضحاك (وما انزل إليكم)، القرآن (وما انزل إليهم) التوراة والأنجيل. وفي التنزيل (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) وفي صحيح مسلم (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فذكر-رجلا من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران). وهذه المكانة الرفيعة والمنزلة العالية التي تبوأها النجاشي شهدت له بحسن الظن به، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة المكرمة قبل الهجرة وقد اشتد تعذيب وتسلط مشركي مكة على أصحابه بحث لهم الرؤوف الرحيم بالمؤمنين عن ملاذ، فإذا به عند النجاشي ملك الحبشة ذلك الملك العادل الذي لا يظلم عنده احد وفعلا فقد أحسن النجاشي وفادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان على رأسهم جعفر بن أبي طالب استمع إليه وتأثر أيما تأثر لما تلاه عليه من كتاب الله العزيز وردّ مبعوثي قريش على عقبيهما وقد جاءا ليرجعا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. * لقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم للنجاشي هذا الموقف، فكان بحق ملكا عادلا لا يظلم عنده احد وانتهى به الأمر إلى الدخول في دين الإسلام، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه نعيه وهو في المدينة صلى عليه صلاة الغائب. وليس النجاشي وحده وقف هذا الموقف النبيل والمنصف من الإسلام ومن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، فكذلك فعل هرقل ملك الروم عندما جاءته رسالة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانه بعد ما قراها سأل: هل من أحد من أهل مكة موجود بين ظهرانيه فجيء بأبي سفيان وهو لم يسلم بعد وسأله هرقل أسئلة محرجة كان أبو سفيان يتمنى أن يكذب ولكنه لم يستطع وكان كل جواب منه لا يزيد هرقل إلا اقتناعا بصدق نبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وفي نهاية هذا الاستجواب قال هرقل: إذا كان ما قلت صحيحا، فانه النبي الذي بشرت به توراة موسى وأنجيل عيسى ولو كنت اعلم أني أستطيع أن اصل إليه لتشرفت بغسل قدميه ثم عطر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أن يوضع في مكان رفيع فلما بلغ صنيعه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له بحفظ ملكه ما بقي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده محفوظا. عن هذين الموقفين من النجاشي وهرقل وهما من النصارى تبين ما تضمنته هذه الآية من إشادة ببعض أهل الكتاب حيث قال جل من قائل (وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم وما انزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب) صدق الله العظيم، انه حقا جل جلاله لا يضيع اجر من يحسن العمل وانه سبحانه وتعالى سريع الحساب يمهل أحيانا ويعجل أحيانا أخرى، ولكنه لا يهمل. يقول جل جلاله (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)، بذلك تختم سورة آل عمران، إنها تختم بأحسن ما ينبغي أن يتمسك به المؤمنون واهم ما ينبغي أن يتصف به عباد الله الصالحين. قال القرطبي في تفسيره لهذه الآية (ختم تعالى السورة بما تضمنته هذه الآية من الوصية التي جمعت الظهور في الدنيا على الاعداء والفوز بنعيم الآخرة وحضّ على الصبر على الطاعات وعن الشهوات. قال القرطبي الصبر هو الحبس (لغة) والمصابرة قيل معناه مصابرة الاعداء وقال الحسن: على الصلوات الخمس وقيل ادامة مخالفة النفس عن شهواتها فهي تدعو وهو ينزع، وقال عطاء صابروا الوعد الذي وعدتم أي لا تياسوا وانتظروا الفرج. قال صلى الله عليه وسلم (انتظار الفرج بالصبر عبادة). وفي الموطأ عن مالك بن زيد بن أسلم قال كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر (أما بعد، فانه مهما ينزل بعبد مؤمن منزل شدة يجعل الله له بعدها فرجا وانه لن يغلب عسر يسرين، وان الله تعالى يقول في كتابه (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). وقد توسع القرطبي في إيراد عديد الأحاديث والآثار المبينة لفضيلة الرباط في سبيل الله مما لا يتسع المجال لذكره فليراجعه من شاء في الجزء الرابع من الجامع لأحكام القرآن الصفحة 327 وما قبلها.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.