في رحاب القرآن: تفسير الآيات 102 إلى 111 من سورة الصافات(1):من معاني ومغازي التضحية والفداء

في رحاب القرآن: تفسير الآيات 102 إلى 111 من سورة الصافات(1):من معاني ومغازي التضحية والفداء


يقول الله تعالى: “فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما اسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين انه من عبادنا المؤمنين” صدق الله العظيم الآيات 102 إلى 111 من سورة الصافات هذه الآيات من سورة الصافات تقص للمؤمنين خبر سيدنا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام، وقصص القرآن كلها عبر ومواعظ ودروس، كثير هم الأنبياء والمرسلون عليهم السلام الذين استعرضت آيات الكتاب العزيز مسيرة حياتهم وما واجههم من امتحانات وابتلاءات وما كانوا عليه من صبر ومصابرة وقد أورد القرآن أخبارهم للأسوة والقدوة، فهم صفوة خلق الله وهم اشرف خلق الله، وهم المبرؤون المعصومون من الخطايا والذنوب. ولسيدنا إبراهيم الخليل ولابنه إسماعيل عليهما السلام أكثر من صلة ورابطة مع دين الإسلام ونبي الإسلام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. فقصة إيمان سيدنا إبراهيم عليه السلام وإسلام وجهه للذي فطر السماوات والأرض وانتهائه بعد نظر عقلي يستند إلى فطرة سليمة إلى أنه لا يستحق العبادة إلا من لا يأفل ومن هو حي قيوم فلا الشمس تستحق أن تعبد ولا القمر يستحق أن يعبد، إنما مستحق العبادة الأوحد هو رب العالمين وتلك هي عقيدة التوحيد في دين الإسلام الذي بعث به سيد الأنام سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، كما قص لنا القرآن الكريم خبر إقامة اركان الكعبة أول بيت وضع للناس من طرف سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وهي قبلة المسلمين في صلواتهم وهي التي إليها يحجون وبها يطوفون، فقد أمر إبراهيم عليه السلام بالآذان في الناس بالحج وجاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليجعل الله من الحج في الدين الذي جاء به أحد أركان الإسلام (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا). وهذه الآيات من سورة الصافات تبين لنا الصلة الوثيقة بين سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وبين دين الإسلام ونبيه الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والهدي الذي جاء به لامته وما أمرهم به الله من قربات، فأنبياء الله عليهم السلام هديهم واحد يكرعون من معين واحد هو الوحي المنزل عليهم من عند الله قال تعالى (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) في هذه الآية إخبار بأن هذا الابن (إسماعيل) عليه السلام الذي تركه أبوه (إبراهيم) عليه السلام مع أمه هاجر في واد غير ذي زرع قد تقدمت به السن إلى أن أصبح قادرا على السعي في أمور دنياه، واخبر الأب (إبراهيم) الابن (إسماعيل) بما رأى في المنام، ورؤيا الأنبياء طريق من طرق الوحي التي منها الرؤيا ومنها الكلام ومنها ما يأتي عن طريق الملك جبريل عليه السلام فما يراه الأنبياء والمرسلون عليهم السلام هو وحي من عند الله وقد ورد في الحديث الشريف أن (الرؤيا جزء من ست وأربعين جزءا من النبوة). فقد أرى الله نبيه إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه (إسماعيل) وقص الأب على ابنه ما رأى وجاء الجواب من الابن وفق المتوقع وهو الامتثال والطاعة، انه ابتلاء للأب وابتلاء للابن، وهو امتحان صعب أخضعهما الله له اختبارا لعزيمتهما وصبرهما وإيمانهما. والابتلاء والامتحان قدر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وهو أيضا قدر المؤمنين ليمحص الله إيمانهم فيرى من يثبت ومن يصمد فيكون جزاؤه جزاء كبيرا. إن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وهو ما يقتضيه الواقع والمنطق فهو من كان مع أبيه إبراهيم عليه السلام في مكة وهو من أقام معه أركان البيت ثم إن الفداء بعد الامتحان إنما وقع في مكة فلا يمكن إن يكون الذبيح إسحاق وهو الذي لم يدخلها قال أبو سعيد الضرير. إن الذبيح هديت إسماعيل * نطق الكتاب بذاك والتنزيل شرف به خصّ الله نبينا * واتى به التفسير والتأويل إن كنت أمته فلا تنكر له * شرفا به قد خصه التفضيل وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يلقب بابن الذبيحين إسماعيل (جده وجد العرب) وأبوه (عبد الله) وكل منهما والحمد لله لم يذبحا فعليا ولكن وقع الهم والعزم على ذبحهما ونجاهما الله. والأمر بالذبح جاء عن طريق الرؤيا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا) وقال ابن عباس رضي الله عنهما (رؤيا الأنبياء وحي واستدل بهذه الآية). وقد رأى إبراهيم هذه الرؤيا في ليال ثلاث عرف على إثرها أن الأمر جد وحق وعند ذلك قصّ على ابنه ما رأى (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) يا له من أسلوب بليغ معبر عن معان عديدة أولها مخاطبة الأب لابنه (يا بني) وكم فيها من الحنو وكم فيها من القرب وكم فيها من العطف فإبراهيم أب ككل الآباء والأنبياء بشر أسوياء لهم مشاعر وعواطف جياشة ومع ذلك فإنهم وقافون عند حدود الله ممتثلون لأوامر الله مهما كانت صعوبتها وشدتها وهذا هو الفرق بينهم وبين غيرهم ممن ينحازون إلى الدنيا ومفاتنها وبهارجها من مال وبنين. وفي الآية قول إبراهيم عليه السلام (فانظر ماذا ترى) إنها الشورى وعرض الأمر على من يهمه وهو هنا إسماعيل وفي هذا موعظة ودرس للمؤمنين بوجوب أن يعودوا بالشورى إلى غيرهم حتى ممن هم دونهم في السن وفي المرتبة قال القرطبي (شاوره ليعلم صبره لأمر الله أو لتقر عينه إذا رأى من ابنه طاعة في أمر الله فقال (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) انه الجواب المتوقع من الابن البار المطيع الذي لا يعصى لأبيه أمرا. في الجواب تحبب من الابن لأبيه (يا أبت) وهذا هو شأن الأبناء الأسوياء البارين تحنن وتعطف مع آبائهم (يا أبت) وإسماعيل مثال للابن البار العطوف الممتلئ حبا لأبيه. قوله تعالى (افعل ما تؤمر) مادام إبراهيم الخليل مأمورا والذي أمره هو ربه سبحانه وتعالى فلن يكون الجواب من الابن (إسماعيل) إلا سمعنا واطعنا (يا أبت افعل ما تؤمر) ثم قال (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) قال أهل الإشارة لما استثنى وفقه الله بالصبر.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.