في رحاب التفسير:المرأة ركيزة لا يقوم دونها بنيان الأسرة والمجتمع

في رحاب التفسير:المرأة ركيزة لا يقوم دونها بنيان الأسرة والمجتمع


يقول الله تعالى “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا”صدق الله العظيم,الآية الأولى من سورة النساء سورة النساء من السور التي نزلت بالمدينة إلا آية منها هي قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فقد نزلت بمكة ويبين القرطبي أن قول من قال أن السور والآيات التي فيها (يا أيها الناس) قد نزلت بمكة ليس على عمومه فسورة النساء التي بدأت بيأيها الناس وفي سورة البقرة ورد يا أيها الناس كل من السورتين (البقرة والنساء) نزلتا في المدينة وفيهما من الأحكام ما يتناسب مع الفترة المدنية التي نزلت فيها الآيات تبين للمسلمين هدي دينهم في مختلف مجالات حياتهم. وان تكون سورة بأكملها تسمى بسورة النساء أمر لاشك يلفت الانتباه فضلا عن انه هناك سورة تحمل اسم السيدة مريم عليها السلام لا شك أن ذلك يدل دلالة قطعية على العناية الكبيرة التي حظيت بها المرأة والنساء بصفة عامة في دين الإسلام وذلك إذا وضعنا في اعتبارنا الظرفين المكاني والزماني الذين تنزل فيهما القرآن الكريم على قلب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، كان ذلك قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنا من الزمان كان فيه الناس كافة في المجتمعات البشرية في ظلام دامس فلا كرامة للإنسان ولا مساواة ولا عدالة ولا حرية إذا كان قانون الغاب هو السائد، القوي يأكل الضعيف والغني يمتص الفقير، كان الناس كما قال جل من قائل (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) كان الناس كما قال جعفر بن أبي طالب عندما قام يخطب بين يدي النجاشي ذلك الملك العادل (أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونسيء الجوار ونقطع الأرحام...) وكانت المرأة الأكثر تضررا فقد تسلط عليها في كل المجتمعات ظلم كبير فاعتبرت عارا وشنارا في جبين أبويها ووصل الأمر ببعضهم إلى حد وأد ابنته حية لا لذنب اقترفته سوى أنها ولدت أنثى وهل يختار الواحد منا جنسه؟ وهل التفاضل بين الناس هو بالجنس؟ ولكن “إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” لقد صور القرآن هذا الوضع الذي وجد الناس عليه ووجد العرب عليه فقال جل من قائل (وإذا المؤودة سئلت بآي ذنب قتلت؟) انه التفكير المعوج والنظرة القاصرة المحدودة المملؤة كبرياء وغرورا وإلا فهل يخرج أي واحد من بني الإنسان عن أن يكون ابنا لذكر وأنثى؟ وهو نظام الزوجية الذي بنى الله عليه كل ما خلق وكل ما في الكون بداية بالإنسان إلى الحيوان إلى النبات إلى الليل والنهار والظلام والنور إلى السالب والموجب في اصغر الذرات. ما أجملها إذن وما أروعها من بداية في هذه السورة (النساء) بداية معبرة ومذكرة بأننا كلنا مهما كانت أجناسنا وألواننا ولغاتنا ومراتبنا الاجتماعية، بل مهما كانت أدياننا وعقائدنا فإننا ناس بخطابنا ربنا بقوله (يا أيها الناس) وبعد ذلك يأتي الأمر بأعظم ما يطلب من المخلوق نحو الخالق المصور البارئ المنعم يقول جل من قائل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ذلك حق الله على عباده بعد توحيده وعدم الشرك به، والتقوى هي خشية الله والخوف من عذابه وعقابه عند الأعراض عن هديه وعدم الامتثال لأمره ونهيه، تقوى الله حيثما كان الإنسان، مراقبته عند كل أمر ونهي تلك هي التقوى الحقيقية والتي ليست بالتمني أو بالتحلي وإنما محلها ومكانها القلب الذي لا يعلم ما فيه إلا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التقوى ههنا وأشار إلى قلبه). (اتقوا الله الذي خلقكم من نفس واحدة)... وهي آدم وحواء، خلق الله آدم من تراب ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له ثم خلق حواء فتكون منهما زوجان قال جل من قائل (وخلق منها زوجها) من طينتها ومن جنسها ليتحقق الانسجام والقرب الذي ليس دونه قرب شبهه الله باللباس فقال جل من قائل (هن لباس لكم وانتم لباس لهن) وفي اللباس معاني القرب والستر والدفئ وغير ذلك مما لا تضيق به الآية الكريمة. ومن الذكر والأنثى بواسطة الزواج الشرعي، الميثاق الغليظ الذي هو عقد مكارمة يرزق الله الزوجين (الأب والأم) البنين والبنات الذين يصبحون بعد حين رجالا ونساء كثيرين. ثم يقول جل من قائل (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) ينبغي على المسلم أن يراقب الله في زوجه وينبغي عليه أن يراقب الله في ذوي رحمه الذين له بهم قرابة فالرحم من الرحمان ينادي اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وواصل رحمه موعود بأن يمد الله له في عمره بمعنى يبارك له فيه ويوسع عليه في رزقه. إن هذه الآية من سورة النساء إلى جانب عديد الآيات الأخرى والأحاديث النبوية الشريفة والهدي المحمدي تبين المكانة الرفيعة والمنزلة العالية التي أعطاها الإسلام للمرأة والأسرة، فالمرأة في هذه الخلية الأساسية ركيزة وعمود لا يقوم بدونه البنيان الأسري والاجتماعي فالنساء شقائق الرجال، لهن مثل الذي عليهن يقول جل من قائل (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن...) فلا ينظر الله إلى من يعمل بل ينظر إلى العمل، والعمل الصالح من المرأة عمل كامل تماما مثل الرجل بل في بعض الأحيان الجزاء عليه يكون اكبر وأعظم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.