في رحاب التفسير:الأزواج والبنون والحفدة والطيبات من نعم الله على عباده
قال الله تعالى “والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون”.صدق الله العظيم,الآية 72 من سورة النحل هذه الآية من سورة النحل تذكر بواحدة من منن الله ونعمه التي لا تحصى وما أجملها من بداية وما أروعه من استهلال يتركز به الاهتمام وينصرف به كل انشغال، فقد بدأت الآية باسم الجلالة (الله)، الله وليس أحدا غيره أو سواه من يقول للشيء كن فيكون، بقدرته على كل شيء. لا يعجزه أمر مهما كان صعبا، تلك عقيدة المسلم وينبغي أن تكون عقيدة كل مؤمن بالله فهو الذي على كل شيء قدير. وقد عبر عن منة الزوجية في آية أخرى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا)، نعم إن ذلك من الآيات الباهرات الدالات على عظمة قدرة الله وجميل صنعه، وهذا التذكير (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) ينبغي أن يترك أثرهما فيجعل المتلقي يتدبر ويعتبر فيقيد ما انعم الله به عليه بالشكر الذي لا حد له، والذي لا يمكن أن يكون باللسان فقط بل ينبغي أن يكون قبل ذلك بالجنان (القلب) وكذلك بكل الأعضاء بالانتهاء عن كل ما يغضب الله من قول وفعل وبإتيان كل ما أمر به المولى سبحانه وتعالى من عبادات وطاعات وقربات، تلك هي العبودية الحقيقية وذلك هو الشكر الفعلي الذي يستحق به العبد من ربه مزيد التفضل عليه بالمنن والعطايا. ونعمة خلق الزوجة من نفس الزوج من أعظم النعم ومن أقوى الأدلة والبراهين على عظيم قدرة الله. ولا يوجد ابلغ في التعبير عن القرب والحميمية التي يتحقق بها الانسجام من أن يكون الزوجان من نفس واحدة فبذلك تتحقق السكينة الفعلية قال تعالى (لتسكنوا إليها) وقال جل من قائل (هن لباس لكم وانتم لباس لهن) ولا يخفى ما في السكون والسكينة من الراحة النفسية التي هي أساس السعادة وحجر الزاوية فيها. ولا يخفى أيضا ما في التعبير (هن لباس لكم وانتم لباس لهن) من معاني القرب والدفء والستر وغير ذلك مما لا تعبر عنه إلا العربية في معانيها المتعددة البليغة التي تتجاوز المعنى المتعارف للناس إلى ما يتصل باللباس من القرب أولا ثم من بقية المعاني الأخرى. وقد جاء في تفسير القرطبي (قيل والمعنى جعل لكم من أنفسكم أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقتكم كما قال (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) أي من الآدميين وفي هذا رد على العرب التي كانت تعتقد أنها كانت تزوج الجن وتباضعها حتى روي أن عمرو بن هند تزوج غولا وكان يخبئها عن البرق لئلا تراه فتنفر) انظر الصفحة 124 من الجزء العاشر قوله تعالى. (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) فالله تبارك وتعالى هو خالق البنين والحفدة وهو سبحانه وتعالى من يجعل ثمرة الزواج إنجاب البنين ومن هؤلاء البنين يولد أحفاد ولا تخفى قيمة وأهمية هذه النعمة، فالأولاد زينة الحياة الدنيا وبهم يتم السرور وقرة العين. والبنون والحفدة الذين يمتن بهم الله على عباده هم ثمرة للزواج الشرعي الذي هو سنة سيد الأولين عليه الصلاة والسلام. الزواج الشرعي الذي اعتبره الله ميثاقا غليظا وارشد إلى كل أسباب نجاحه المفصلة في كتب الفقه والحديث والهدي المحمدي هذا الزواج هو الذي يملك به المسلم نصف دينه. ثمرة هذا الزواج الصحيح والشرعي هي هؤلاء البنون والحفدة والذين تستمر بهم الحياة في الكون إلى ما شاء الله والذين يلحق بهم الأجر والثواب لآبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم حتى بعد رحيلهم عن هذه الدار الفانية (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به وصدقة جارية). ولا يلحق العمل الصالح إلا من ولد صالح أحسن أبواه تربيته وإلا فان هؤلاء الأبناء يمكن أن ينقلبوا إلى فتنة وغواية وسبب للعذاب والعقاب والعياذ بالله. وقد أورد القرطبي في تفسيره لهذه الآية في المسالة الرابعة قال (ويخدم الرجل زوجته فيما خف من الخدمة ويعينها لما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الآذان خرج، وهذا قول مالك: ويعينها وفي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخصف النعل ويقمّ البيت ويخيط الثوب وقالت عائشة وقد قيل لها ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه) انظر الصفحة 145 من الجزء العاشر قال القرطبي وينفق على خادمة واحدة وقيل أكثر على قدر الثروة والمنزلة وهذا أمر دائر على العرف الذي هو أصل من أصول الشريعة. قوله تعالى (ورزقكم من الطيبات) من كل الخيرات (أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون) كلا، لا يؤمن بالباطل إلا من كفر وأشرك ولا يكفر بنعم الله إلا الجاحدون الضالون.
