في تعاليم الاسلام تعادلية بين الروح والجسد والدنيا والآخرة

في تعاليم الاسلام تعادلية بين الروح والجسد والدنيا والآخرة


ما من أحد فوق ظهر هذه البسيطة إلا وهو يتوق بحرارة إلى غائب عزيز طال نشدانه له وحنينه إليه وكلما تخيل أنه ظفر به توارت أطيافه ملتحفة بالمجهول وموغلة فيه حتى يلتحق به في عالم آخر ولست أدري هل يظفر بغائبه الحبيب؟ او يحرم منه هنالك كما حرم منه هنا؟ فمن عساه يكون هذا الغائب العزيز؟ انه ملاك يحبه كل الناس على اختلاف طبقاتهم وتباين غرائزهم وميولهم، انه السعادة فأين تكمن هذه السعادة؟ وما هو كنهها وبماذا يقدر مهرها حتى يعجز عن التحصيل عليها من الله بوافر خيراته فأصبح في أعين الناس منعما مغموطا ولو سألوه عن حاله لانبرى يبث أحزانه ويعدد ما حرم منه مما هو ضروري أو كالضروري لتوفر السعادة أو التنعم بوصالها؟ وانه لصادق في ما يقول وما يذكره لمخاطبه مدعم بحجج لا تذر مجالا للارتياب وللشك فلله در فيلسوف المعرة إذ يقول :

                          تعب كلها الحياة فما اعجب                  الا من راغب في ازدياد

         وكم هو حكيم أيضا لما قال:

         صحب الناس قبلنا ذا الزمان              وعناهم من أمره ما عنانا

         اجل ليس في الأمر ما يثير الدهشة فما السعادة إلا توفر متطلبات الإنسان في هذه الحياة واني لبشر تناشرت إغراضه وتناقضت رغباته أن ينعم بهناء العيش واطمئنان البال انه مزيج من مادة ونور فإذا ما أحس بالارتواء من هذه الناحية شعر بالضمإ من الناحية الأخرى وهكذا يعيش حياته كلها بين حرارة وبرودة وبين مد وجزر اللهم إلا إذا أصبح متمحضا لاحدى مادتيه أو كالمتمحض لها فانه والحالة تلك قد يحس بنوع من السعادة المتأتية من الإغراق في المتعة واللذة إذ اجتذبته حيوانيته إليها واستأثرت به دون سواها (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) أو قد يحس بنوع من السعادة الأخرى إن هو استطاع أن يميت غرائزه الحيوانية فيرى في عالم الأشباح وما هو في الحقيقة والواقع إلا روح في عالم الأرواح وهذان النوعان من السعادة قد اشتملا على كثير من الإجحاف والإغراق وفي كليهما تعطيل لجزء من أجزاء الخلقة البشرية الكريمة ولو شاء الله لجعلنا ملائكة في السماء أو ليبقى أبانا آدم في جنات النعيم ولو شاء أيضا لجعلنا حيوانات نأكل و نأكل إلى أن يأتي من يأكلنا فنندثر ونفنى غير انه سبحانه وتعالى له التصرف المطلق لم يشأ أن يجعلنا من هذا ولا من ذاك بل جعلنا بشرا من بني آدم يقول فيهم (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) وبهذا التكريم والتفضيل أناط بعهدتنا أشق رسالة وأعظم مسؤولية هي مسؤولية الجمع بين متطلبات الجسم والروح وبالأحرى بين الملائكية والحيوانية وهو في هذا التكليف الذي قد يرى شاقا لم يطلب منا مستحيلا إذ قال وهو أصدق القائلين: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) ثم نراه يقول (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ويقول (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)

         هذه علامات الطريق ودلائل التوفيق وليس فيها ما يعجز الإنسان ولا ما يميت خاصية من خصائص إنسانيته المكرمة وهو إذا ما أدركها حق الإدراك أمكن له أن يظفر بنصيب لا يستهان به من السعادة إذ هي في نظر العقلاء لا تعدو الرضا بالقسمة والاطمئنان لكل ما يجري به القدر

         أما توفر جميع أسبابها المادية والروحية فسوف يتاح للمطمئنين الراضين في عالم آخر وفي حياة سرمدية خالدة، ولقد علمتنا الحياة أن أكبر الناس نفوسا وأعظمهم عقولا وأشدهم إيمانا هم الذين يستهدفون للنوائب أكثر من سواهم ولقد أقر هذه الحقيقة رائد البشرية الأول سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول (أكثركم بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل) لله ما أعظمها من حكمة وما أروعها من آية فمن يستطيع تحمل الامتحان القاسي غير الأنبياء والأولياء والمصلحين الذين يستعذبون العذاب في سبيل المثل العليا ولو سئلوا عن حالهم في تلك اللحظات الحرجة أجابوا بدون تلعثم (انهم السعداء) بيد أنهم قد يشعرون بشيء من الضيق والحرج في بعض الحالات وهو ضيق خارج من محيط أجسامهم وأشخاصهم فيمارسون مهامهم على أكمل الوجوه ولا تسمع لهم ضجيجا ولا تأوها ولا أنينا وكم يلذ لي أن أردد معهم قول القائل         

         لا تجتنى راحة إلا على تعب               ولا ينال العلى إلا من الهون

         وصاحب العقل في الدنيا أخو كدر        وإنما الصفو فيها للمجانين 



الكلمات الشائعة

 

الشيخ الحبيب المستاوي

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.