غالبية مسلمي فرنسا تنسجم مع إسلام الوسطية: L’islam du juste milieu

غالبية مسلمي فرنسا تنسجم مع إسلام الوسطية: L’islam du juste milieu


“إن الغالبية العظمى لمسلمي فرنسا تنسجم في إسلام”الوسط الحق juste milieu“ وهو ما يسمى في العربية بالوسطية” ذلك هو الرأي الذي انتهى إليه محرر افتتاحية صحيفة لومند Le monde بتاريخ 21 جوان 2005 وذلك في التعليق الذي خصصه على نتائج انتخابات تجديد الهياكل الوطنية والجهوية للمجلس الفرنسي للشعائر الإسلامية CFCM التي جرت يوم 19 جوان 2005. وهذا الهيكل هو الذي وقع الانتهاء إلى تكوينه بعد مخاض طويل وجهود مضنية أشرفت عليها وزارة الداخلية الفرنسية لسنوات طويلة وتولى مباشرته وزراء عديدون إلى أن انتهى إلى التكوين والانطلاق بعد الاقتناع بضرورة المبادرة إلى إبرازه في حيّز الوجود ليكون الطرف الرسمي والمعترف به في تمثيل الديانة الإسلامية ومعتنقيها لدى السلطات والهيآت الفرنسية مركزيا وفي الجهات على غرار ما هو واقع مع بقية الديانات الأخرى (المسيحية واليهودية...) فالإسلام يأتي في المرتبة الثانية في فرنسا من حيث عدد معتنقيه (أكثر من خمس ملايين) منهم الفرنسي الأصل ومنهم حامل الجنسية الفرنسية بحكم الإقامة أو الولادة ومنهم المقيم للعمل أو للدراسة وغير هؤلاء والمسلمون في فرنسا اغلبهم من أصول مغاربية وافريقية بعد إجراء انتخابات المجلس الفرنسي للشعائر الإسلامية في الدورة الأولى التي أثارت جدلا كبيرا وحوارا واسعا وثريا اختلفت فيه الآراء والمواقف، ها هو ذا في نتائج دورته الثانية ينتهي إلى نتائج ولدت انطباعا عاما لدى المحللين والمتابعين لوضع الإسلام في أروبا عموما وفرنسا خصوصا فيه الكثير من الإنصاف والاعتراف بالحقيقة والواقع وهي أن الإسلام ليس هو ذلك الشبح المخيف والخطر الداهم الذي سيأتي على الأخضر واليابس وعلى كل المكاسب، فنتائج الانتخابات الثانية لتجديد هياكل المجلس الفرنسي للشعائر الإسلامية CFCM جاءت مطمئنة ومؤكدة كما قال المحلل والكاتب لافتتاحية “لومند” Le monde أن الغالبية العظمى لمسلمي فرنسا تنسجم مع إسلام الوسط الحق أو ما يسمى في العربية بالوسطية" إن هذا الحكم المنصف والموضوعي والذي جاء ثمرة لعمل مثابر وقناعة راسخة قام بها عديد الأطراف من اجل الإقناع بهذه الحقيقة وتجسيم هذا الأمل الذي راود الكثير واستطاع أن يجسمه في حيز الواقع وزير الدولة للداخلية نيكولاي ساركوزي رئيس الجمهورية الفرنسية بعد ذلك سواء في فترة توليه الأولى لمقاليد وزارة الداخلية أو لدى عودته إليها مرّة ثانية. انه رهان راهن عليه ساركوزي ونستطيع أن نقول أن بداية النجاح أصبحت تتراءى للعيان وهو نجاح سيزداد الجميع تمسكا به وعملا جادا ومتزنا من اجل تواصله فالمجلس الفرنسي للشعائر الإسلامية هو اليوم قائم الذات وهو متكون وفق منهجية ارتضتها أغلبية الأطراف الفاعلة في الساحة الفرنسية في المجال الديني ونتائج الانتخابات لهذا الهيكل على مستوى الجهات وعلى مستوى المركز تعبر عن ميول وتوجهات الغالبية العظمى لمسلمي فرنسا الأصليين أو المقيمين: وهي مع التفاعل الايجابي مع المحيط الذي تعيش فيه، وهي مع الوسطية والاعتدال والواقعية والتفتح وهي مع التعايش والانسجام، وهي مع التعاون والتكامل في كل ما فيه خير للجميع مهما كانت ديانته وعرفه وفئته. وما سوى ذلك من الرؤى والمواقف الشاذة يمينا وشمالا فإن مآلها إلى الزوال والاندثار وهي لئن شاعت وذاعت فبسبب واقع وبفعل فاعل: أما الواقع فهو الظروف المعيشية الصعبة وأما فعل الفاعل فهو تصرف كل مستفيد من تاجيج العواصف واستغلالها وكل محرض متحامل لا هم له إلا أن يزيد الطين بلة والأوضاع تأزما والعلاقات بين الناس ترد وذلك بالتخويف من الإسلام ومن المسلمين كأنهما عدوان لدودان لكل تمدن وتحضر!! والحقيقة التاريخية والواقع المعيش غير ذلك فضلا عن صراحة ووضوح التعاليم الإسلامية في القرآن الكريم وفي السنة النبوية في التأكيد على إنسانية الإسلام يشهد بها بذلك كل منصف وكل ذلك يكذب مقولة أن الإسلام خطر داهم. * إن الإسلام الدين الذي ختم به الله سبحانه وتعالى سلسلة الرسالات السماوية هو دين الرحمة الشاملة لجميع الناس مهما كانت أديانهم وأجناسهم، فالرحمة هي جوهر رسالة الإسلام وهي الغاية من بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). * والرحمة تقتضي رفقا ولينا وحكمة ودعوة إلى سبيل الله بالحكمة وبالموعظة الحسنة وبالسيرة والسلوك وبحسن المعاملة والمعاشرة فالمؤمن هو من امن الناس من لسانه ويده والمسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده ذلك هو المؤمن الحق وذلك هو المسلم الحق فالمقياس والمعيار للإخلاص والمصداقية هو السلوك والمعاملة والمعاشرة للناس وألسنة هؤلاء الناس هي أقلام الباري وهي ألسنة إذا أجمعت على فضل أحد فهو فاضل حقا. * والمسلمون في كل مكان في ديار الإسلام وخارج ديار الإسلام هناك حيث تقوى الملاحظة وتشتد الشفافية فإن السلوك والتصرف الذي يأتيه المسلم هو الذي يتخذ حجة أما للإسلام أو عليه فالمسؤولية كبيرة والجرم عظيم إن تسببت تصرفات المسلم إذا كانت مشينة في الاشمئزاز والاحتقار للإسلام والمسلمين وكثير من هذه المواقف يحصل مع الأسف الشديد!!. * نحن لا نطالب المسلمين أينما كانوا بالكمال ولا بالعصمة وإنما الذي نطالب به أنفسنا ونطالبهم به هو أن يقتربوا أقصى ما يمكن من المثل التي يدعوهم إليها الإسلام وهي مثل واقعية تراعي كل ما في الإنسان مما خلق الله فيه فالمسلم عندما يتصرف بلتقائية وعلى سجيته يجد نفسه في الطريق الوسط والصراط المستقيم الذي لا إفراط فيه ولا تفريط. إن الإسلام يأبى على المسلم التطرف والتزمت والتعصب “إن هذا الدين فأوغل فيه برفق” (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وبذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبيه “يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا” ولقد نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المتشددين المغالين فقال: هلك المتنطعون. * فالمتزمت المتعصب المتطرف مخاطر سلوكه اشد في الحكم على الدين وإلصاق أشنع التهم به لأن هذا المتعصب المتزمت المتطرف هو ألصق بالدين من سواه حسب دعواه وحسب ما يتصوره من يراه ويتابع خطاه ممن ليس لديه المقياس الصحيح لمعرفة الصواب من الخطأ. * والمتزمتون المتعصبون المغالون المتطرفون يسيؤون إلى الإسلام وهم لو كانوا على علم في الدين وعلى روية وبصيرة في الإتباع لصاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام لساروا على سنته في كل شيء فقد قال عليه الصلاة والسلام: “أنا محمد بن عبد الله غفر لي ربي ما تقدم وما تأخر أصوم وافطر وأتزوج النساء وامشي في الأسواق فمن رغب عن سنتي فليس مني”. * إن عملا كبيرا ينبغي القيام به في التبصير والتنوير والتوعية والإرشاد إلى أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، انه دين لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا ضرر فيه ولا ضرار. انه عمل كل الهيآت والفئات وجميع الأطراف وفي الطليعة العلماء الذي هم ورثة الأنبياء فلا ينبغي أن يمنعهم منه صخب أو غوغاء أو عواطف هوجاء، ولا ينبغي أن يصرفهم صارف من مغنم عاجل عن أجر آجل جزاء على قيامهم بالواجب. وهو واجب زادت في الاقتناع به أوضاع وأحداث مرت وتمر بها الأمة هي من أشد ظروفها دقة وحدة عبر تاريخها المديد. وسنظل نلح ونؤكد ونبصر بأن الإسلام هو بحق دين الوسطية والاعتدال، دين التسامح والتعايش، دين الاجتهاد والتجديد، تلك حقيقته وذلك هو قدره وقدر المسلمين.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.