عندما شبه بابا روما الإسلام بالشيطان!! (طراودة الأحد 24 ماي 1987) كان جواب المسلمين: سنظل أوفياء لقيم الإخاء والتسامح والسلام

عندما شبه بابا روما الإسلام بالشيطان!! (طراودة الأحد 24 ماي 1987) كان جواب المسلمين: سنظل أوفياء لقيم الإخاء والتسامح والسلام


لاشك أن كل من اطلع على ما أوردته وسائل الإعلام في أواخر شهر ماي (الأحد 24 ماي 1987) من تصريحات خطيرة صادرة عن البابا يوحنا بولس الثاني قد انتابته حيرة ذلك أن قداسته تناسى موقعه ومركزه الرفيع وتأثيره الكبير على الملايين من أتباعه في مختلف القارات ممن لا يملكون في الغالب ما عند قداسته من واسع معرفة وبعيد نظر وتقدير للعواقب!! لقد انطلق البابا يوحنا بولس الثاني في حملة مسعورة على الإسلام والمسلمين مغتنما فرصة وجوده في قرية شهدت في فترة تاريخية معينة اختلافات ونزاعات بين المسلمين في مدينة (لوشيرا) ومن حولها من سكان القرى المجاورة ممن أعمت أبصارهم العصبية والحقد الدفين فدفعتهم إلى قبر المسلمين المنفيين في (لوشيرا) أحياء لا لذنب اقترفوه سوى أنهم قاوموا حملات استئصالهم المتكررة من طرف الصليبيين. أراد قداسة البابا أن يذكر أتباعه ومريديه بهذه الحقبة المظلمة من تاريخ الغرب المسيحي المتعصب وعوض أن ينتصب قارئا معتبرا ومنصفا للأحداث ويذكر أتباعه بجوهر الرسالة المسيحية التي انحرفوا عنها فيدعوهم إلى الإخاء والوئام والسلام والتعاون بين بني البشر على مختلف ألوانهم وأجناسهم ومعتقداتهم وعوض أن يدعوهم إلى نبذ العنف والظلم والعدوان والتبرؤ مما اقترفه في حق المسلمين الأبرياء أجدادهم عوضا عن ذلك أوقد قداسته نار العصبية وأشعل فتيل الصليبية وحرض على إحياء النفسية العدوانية. وبلغ به الحد إلى درجة أن أعلن وهو من هو في مكانته وشدة تأثيره وسرعة انتشار أفكاره وتوجيهاته بين أتباعه أعلن بالحرف الواحد (ان الشيطان لا يزال حيا وان أخطارا لا تزال تحدق بطروادة ومن ورائها كل المسيحيين إنها الإيديولوجيات المادية والاستهلاكية أي الشيوعية والعلمانية وبصفة عامة الإسلام والإيديولوجيات المادية). فإذا كان هذه هو موقف قداسة البابا من الإسلام وإذا كان يرى في الإسلام شيطانا ينبغي القضاء عليه وخطرا داهما ينبغي إعداد العدة لمواجهته وإذا كان يحشره في سلة واحدة مع الشيوعية والعبثية المادية فلا نستغرب بعد ذلك كل ما يصدر عن فئات مسيحية صليبية وتصريحات تقطر حقدا وعمليات انتقامية وعقلية أساسها الحقد والكراهية للمسلمين. كنا نود لو ان قداسة البابا قدر موقعه وراجع نفسه وتثبت فيما سيعلنه لأتباعه إذ لو فعل ذلك لجاءت تصريحاته مختلفة مغايرة لما صدر عنه يوم الأحد 24 ماي 1987 بمدينة طروادة. * ألا يجد قداسته تناقضا واضطرابا في آرائه؟!! * ألا يذكر جولاته في إفريقيا وآسيا واستقباله للجاليات والمجموعات الإسلامية وكلماته الودية المتبادلة مع كبار رجالات المسلمين في ميادين العلم والسياسة؟!! ترى هل نسي قداسته لقاءه مع الشباب المسلم في ملعب الدار البيضاء بالمغرب وإعلانه أمامهم للمسلمين وللمسيحيين وللعالم بأسره التقاء المؤمنين على مختلف أديانهم على صعيد الحب والخير والتعاون والسلام؟!! * أين تصريحات 24 ماي المشؤومة بطروادة من حلقات الحوار المسيحي الإسلامي التي دعا إليها الفاتيكان وباركها قداسته كما باركها أسلافه؟!! إن رسائله الموجهة إلى هذه الحلقات التي انعقدت هنا وهناك لا تزال ترن في أذاننا؟ * إن كلمات: المحبة والإخاء والتعاون والسلام بين المؤمنين هي الأكثر ترددا وطغيانا على هذه البيانات!! * وان من يراجع ما يصدره الفاتيكان من نشرات بمختلف اللغات وما تتضمنه كل سنة حولية المعهد البابوي للدراسات الإسلامية المسيحية من مقالات دسمة وبيانات واضحة تخطها أقلام من الجانبين الإسلامي والمسيحي ممن آمنوا بضرورة التلاقي والتعاون والتحاور، إن كل ذلك وغيره يقف صوتا صارخا ومحتجا على ما صدر عن قداسة البابا من تصريحات في مدينة طروادة!! لقد استغرب كل من قرأ هذه التصريحات أو سمعها أو شاهد قداسة البابا يتفاعل معها ويعبر بها عن خلجات نفسه الداخلية. المسلمون أوفياء دائما لقيم الإخاء والتسامح والسلام إن المسلمين يأبى عليهم دينهم الذي آمنوا به وتأبى عليهم المواثيق والعهود التي أعطوها أن ينكثوا أو يتنكروا أو يتراجعوا عن الخط الواضح والطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه الذي سلكوه دائما وسيظل المسلمون دعاة محبة وحوار وإخاء وسلام ولن ينقلبوا مهما كانت إثارة وتحريض ذوي المراتب والمكانات العالية لجماهير الشعوب البسيطة في تفكيرها ومعارفها. * إن تاريخ المسلمين يشهد وكتابهم ينطق أنهم لا يعادون أحدا ولا يعتدون على احد ولا يجادلون الناس إلا بالتي هي أحسن وخصوصا إذا كان هؤلاء الناس من أهل الكتاب. * إن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام وخلفاءه أمروا المسلمين دائما بالدعوة إلى السلم ونهوهم عن الظلم والعدوان وسفك الدماء وإكراه الناس حتى على الإيمان. * لقد عاش بين المسلمين دائما في أمان واطمئنان وحرية ووئام يهود ونصارى ولا تزال إلى اليوم وفي كل قرى المسلمين ومدنهم احياء لأهل الكتاب تصان كل خصوصياتها من معابد ومحاكم ومدارس ومساكن. * ولم نسمع ولم نقرأ أن حيا من أحياء المسلمين روع أو قتل فيه كتابي واحد اللهم إلا أن يكون تصرفا طائشا ينال المقدم عليه عقابه الشديد من طرف ولاة أمور المسلمين في اقرب اجل. * ولم يكره المسلمون في يوم من الأيام كتابيا واحدا على الدخول في الإسلام ومن أين لهم أن يفعلوا ذلك ودينهم يعلن [لا إكراه في الدين].؟ * وحتى جيوش الفتح الإسلامي لم تخرج لتلزم الناس وتدخلهم في الإسلام وإنما خرجت لتبلغ للناس رسالة الإسلام وهي في طريق خروجها يوصيها أمراؤها بالرفق والرحمة واللين وينهونها عن الظلم والسفك للدماء والترويع للضعفاء [لا تقتلوا النساء والشيوخ والأطفال لا تحرقوا الأشجار لا تقتلوا الحيوان ستجدون أناسا نذروا أنفسهم في صوامع لعبادة الله فاتركوهم وما نذروا أنفسهم إليه]. ولم تكن تلك الوصايا شعارات نظرية بل كانت واقعا ممارسا لقد أوقف عمر بن الخطاب قبطيا جاءه متظلما من ابن عمرو بن العاص جنبا إلى جنب مع خصمه وناول القبطي درته ثم قال له [اضرب ابن الأكرمين] والتفت إلى عمرو وقال له [متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا]. ولما زار عمر بيت المقدس أعطى لأهل الكتاب ميثاقا وعهدا حمى لهم به معتقداتهم ومعابدهم وحرماتهم وممتلكاتهم. وعندما هم بالصلاة في إحدى كنائسهم في بيت المقدس تراجع خشية أن يتخذ المسلمون صنيعه ذريعة لإفتكاك كنائس النصارى ومعابدهم. ووجدت مختلف الفرق والمذاهب المسيحية في معاملة المسلمين وحسن معاشرتهم ما طمأنها وأمنها من الخوف والفزع وما جعلها تثق في المسلمين ثقة تتجاوز ثقتها في بعضها البعض إلى درجة أن مفاتيح الكنائس كانت توضع عند عائلات مسلمة تطمئن لها كل الأطراف المسيحية. * وعندما هجمت جيوش الصليبيين على بلاد المشرق الإسلامي وقف نصارى الشرق جنبا إلى جنب مع المسلمين يدافعون عن بلادهم ويصدون الغزاة المستعمرين. وبقدر ما كانت معاملة المسلمين لأهل الكتاب حسنة بقدر ما كانت معاملة الصليبيين متوحشة شرسة لا تراعي موثقا ولا عهدا ولا مثلا، وشهدت بلاد المسلمين مجازر الأطفال والنساء والشيوخ وإذلال الرجال وانتهاك الحرمات وترويع الآمنين وتدمير العمران وكل مظاهر التحضر والتمدن من طرف الغزاة الصليبيين، ولما دارت الدائرة من جديد على الغزاة المعتدين لم ينتقم المسلمون ولم يثأروا لأنفسهم بل اكتفوا فقط برد العدوان وتامين الخائفين من المسلمين وغير المسلمين. * لقد شهدت عواصم المسلمين عبر تاريخهم الطويل خصوصا تلك المتاخمة للغرب المسيحي في شمال إفريقيا والأندلس امتزاجا واتصالا وتفاعلا بين المسلمين والنصارى في ميادين العلوم والمعرفة واستقبل المسلمون في دور الحكمة ومعاهد العلم القساوسة والرهبان وأبناء الملوك والأمراء ينهلون من معين العلم الصافي والصحيح ما اعتمدت عليه النهضة الأوروبية الحديثة. * وعلى هذا الأساس تجاوب اغلب المسلمين مع الدعوات الصادرة عن الجهات المسيحية للحوار المسيحي الإسلامي ورجوا من صميم أفئدتهم أن يكون حوارا صادقا وصريحا وجادا ومفيدا للطرفين كما تغاضى الجانب الإسلامي عن الممارسات التي تصدر بين الفينة والفينة هنا وهناك عن الجانب المسيحي والتي تستهدف استئصال الوجود الإسلامي واعتبر الجانب الإسلامي أن ذلك من رواسب القرون الطويلة من القطيعة والتعصب والجهل وان الأيام كفيلة بإحلال المودة والتعاون محل الحقد والعدوان. * وكنا نود لهذه الحلقات من الحوار والتقارب أن تزداد تقدما وتوثقا وان تتجاوز المجال النظري إلى الميدان العملي فيتعاون أتباع الديانتين على الخير ويضعون اليد في اليد من اجل تحقيق السعادة والأمن والطمأنينة لبني البشر الذين يعانون في شتى أنحاء المعمورة صنوفا من العذاب والحرمان. * إن ما في الدينين العظيمين الإسلام والمسيحية من قيم ومثل ومبادئ سامية كفيلة إن هي استغلت أحسن استغلال بتحقيق التوازن لدى الأفراد وفي المجتمعات سواء كانت فقيرة مدقعة أو غنية متخمة. * إن قدرات الدينين لعظيمة جدا في ميدان محاربة الشرور والسموم الفتاكة المتربصة بالإنسان أيا كان دينه وهي شرور تستعمل كل وسائل التأثير والإغراء المادي والغرائزي والمعنوي جاعلة نصب عينيها تجريد الإنسان من أسباب تكريمه وتفضيله على البهائم والحيوانات آيلة به إلى النهاية المأساوية التي يقضي بها على نفسه وعلى كل مظاهر الحياة والمدنية في هذا الكون. * ان التفكك العائلي والاجتماعي وانتشار العنف والرذيلة والفساد وطغيان نزعة المنفعية المجحفة وضياع الطاقات المتوثبة لشباب الأمم المتقدمة والسائرة في طريق النمو في مهاوي الفساد والمخدرات والميوعة من انتشار النزعة المادية العبثية واللادينية. يدعو كل ذلك وغيره أتباع الديانتين إلى وضع اليد في اليد من اجل إنقاذ البشرية مما توشك أن تتردى فيه.. ولكن ذلك لن يتحقق إلا متى صدقت النوايا وصفت السرائر ولا نظن أن تصريحات كالتي صدرت على لسان البابا يوحنا الثاني تشجع مثل هذا المسار إنها على العكس من ذلك تجعله يتراجع إلى الوراء وتشكك في جدوى التلاقي والتحاور حيث يجد المتشككون الحجة الدامغة ويستعملون مثل ما صدر عن قداسة البابا ذريعة لجعل العلاقات بين أتباع الدينين تباعدا. نرجو أن لا تكون لتلك التصريحات البابوية انعكاساتها السلبية كما نتمنى أن لا تكون لها خلفيات وبرامج عملية وتخطيطات خفية تسعى إلى إذكاء روح الصليبية من جديد أما الجانب الإسلامي فانه سيبقى ملتزما نحو ربه ودينه أولا ونحو أهل الكتاب عموما والنصاري خصوصا بالتطبيق الفعلي والصادق لما ورد في الكتاب العزيز من آيات بينات [قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء..]، [ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن...]، [لا إكراه في الدين...]



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.