طلب العلم في الإسلام من المهد إلى اللحد ومن الذكر والانثى

طلب العلم في الإسلام من المهد إلى اللحد ومن الذكر والانثى


يتميز الدين الاسلامي الحنيف بانه دين العلم والمعرفة على عمومها وشمولها واحاطتها توجه هديه إلى كل الفئات دون النظر إلى جنس او لون او وضع مادي واجتماعي فالجميع مخاطبون باوامر الدين ونواهيه بالطبع حسب الطاقة والاستطاعة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فاذا توفرت الاستطاعة لزم الامتثال للاوامر والنواهي واعتبر كل مخالف مستحقا للعتاب وحتى العقاب نظرا لتفريطه وظلمه لنفسه اذ المسلم مسؤول عن كل ما وهبه الله واعطاه من ملكات وطاقات وامكانات وصحة ومال وجاه كل ذلك سيكون عنه مسؤولا عندما يقف بين يدي الله للحساب. ولا يقبل الإسلام من المسلم ان يتواكل ويتكاسل ويتعلل بالاقدار ويرضي لنفسه بالاوضاع الدونية سواء كان ذلك ماديا او معنويا. ويرشد الإسلام المسلم إلى القوانين الحضارية التي بثها الله في العالم وجعلها سارية بين الناس والتي من ابرزها واجلاها قانون تغيير ما بالنفس الذي صرحت به الآية القرآنية (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) وهذه الآية الرائعة المليئة بالمعاني يجب ان تترك على عمومها واطلاقها بحيث يفهم منها بدون تمحل ولا تكلف انه المسؤول الاول والاخير عن الواقع والمصير هو الإنسان نفسه انه سيد نفسه وكما يريد ان يكون فانه يكون وبالطبع ليست هذه الارادة مجرد آمال وخواطر نفسية بل ينبغي ان تكون مشفوعة بحركة وفعل وتصرف يجسم تلك الارادة في حيز الواقع وذلك هو عين ما اراده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله “انما العلم بالتعلم” وذلك تماما مثلما ان تحصيل الرزق المكفول لكل دابة (وما من دابة إلا على الله رزقها) فان تحصيل هذا الرزق ينبغي ان يكون نتيجة للسعي في الارض الذي لا يناقض التوكل على الله اذ التوكل الحقيقي يوجب على المسلم ان يغدو كما يفعل الطائر غير العاقل يقول عليه الصلاة والسلام (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كالطير تغدو خماصا وتعود بطانا). ان الإسلام يرشد المسلم إلى ان انتظار تنزل الموائد من السماء يتنافى والايمان الصحيح وهذا هو ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن وجدهم في المسجد يرفعون ايديهم إلى السماء طالبين الرزق قال (قد علمتم ان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة). * انما العلم بالتعلم: وامر العلم وتحصيله ورفع الجهالة والترقي في سلم الدرجات العلمية لا يمكن ان يكون إلا وفق هذا المنهج القويم السليم والمعقول والمتاح للجميع دون مفاضلة او تهميش فقد وهب الله للجميع (اي المعافين) العقل الذي به يميز به الإنسان وبه يفكر كما وهب الجميع السمع والبصر واللسان وغير ذلك وغير ذلك مما لا نستطيع ان نحصيه وناتي عليه من النعم الالهية الظاهرة والخفية. وما وهبه الله للانسان من طاقات وملكات وقدرات يضاف إلى ذلك هذا العمر المديد الذي فيه من المتسع والخير ما يستطيع ان يستجيب به الإنسان إلى كل رغباته، وحاجاته وحتى راحته وترويحه يستطيع الإنسان العاقل المهتدي بما نزل إليه وبلغه له انبياء الله ومرسلوه والذي بدا جليا كاملا واضحا واقعيا شاملا سمحا ميسرا في رسالة الإسلام التي جاءنا بها سيد الانام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. * العلم في الإسلام دين، وامة الإسلام امة قراءة: لقد اعتبرت رسالة الإسلام العلم دينا يتعبد به الله ويتقرب إلى الله بطلبه وتحصيله ونشره بين الناس. واذا كان الامر كذلك فالدافع إلى طلب العلم قوي جدا لانه سبيل إلى تحقيق الحسنيين عز الدنيا والقوة فيها والتمكن منها والانسان بطبعه يحب العاجلة وعز الآخرة وهي الباقية التي لا زوال لها والمتمثل في رضوان الله تبارك وتعالى. ان دافع طلب العلم وتحصيله ذاتي داخلي انما يحتاج فقط إلى مجرد التذكير عند الغفلة (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين). لقد قدم الإسلام منذ انبلج فجره وهل هلاله العلم والقراءة على كل ما سواهما الم يكن أول ما نزل من القرآن الكريم هو الامر بالقراءة (اقرا باسم ربك) والامر يقتضي الوجوب وامة الإسلام هي امة القراءة على شمولها وعمومها واطلاقها والقراءة وتحصيل العلوم عملية عبادية مفضلة على ما سوى الفرائض والاركان. ولقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يجلس في حلقة العلم مفضلا لها على حلقة الذكر وذلك لان فضل العلم متعد بالنفع تتجاوز فائدته من يتلقونه إلى سواهم من الناس وعلى قدر الاستفادة يكون الاجر والثواب. ولم يقتصر الامر بالقراءة في الإسلام على القراءة الدينية نعم هي الاصل والمنطلق وهي فرض العين اذ لا يعذر الجاهل بجهله ولا كهنوت في الإسلام وباب تحصيل العلم والترقي في درجاته مفتوح امام الجميع ولكن غير العلوم الدينية داخل في المامور به اذ مطلوب من المسلمين ان يحصلوا كل العلوم والمعارف والمهارات واللغات (ومن تعلم لغة قوم امن شرهم) و(كل علم رديء العلم إلا الجهل به اردى منه) الجهل هو الرديء وهو الذي لا يليق بالمؤمن المسلم ولا يقبل الإسلام من المسلمين ان يظلوا عالة وكلا على غيرهم وفي سبيل رفع الجهالة والامية على المسلمين اطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح من يعلم من الاسرى الذين بين يديه عددا من المسلمين القراءة والكتابة. * طلب العلم فريضة: كما دفع الإسلام المسلم إلى طلب العلم من اي كان مهما كان دينه او جنسه او لونه اذ (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها). ان المسلم يطلب العلم في ديار الإسلام وخارج ديار الإسلام عملا بالاثر القائل (اطلب العلم ولو في الصين) والصين ليست في ذلك الزمن المتقدم دار اسلام ومع ذلك فانه مطلوب من المسلم ان يسافر طلبا للعلم واكتسابا للمهارات. و(سالك سبيل طلب العلم سالك لطريق الجنة). ولم يختص الإسلام الرجل دون المراة في طلب العلم وتحصيله فالخطاب ينبغي ان يظل على عمومه (طلب العلم فريضة على كل مسلم) والمسلم يشمل الذكر والانثى على حد السواء وقد نبغت في صدر الإسلام عدة نساء نذكر منهن امهات المؤمنين وطليعتهن السيدة عائشة رضي الله عنها التي كان الصحابة يعودون إلى رايها فقد كانت من افقه الصحابة وقد استجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمبعوثة النساء المطالبات بحقهن في نصيب من وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهن فيه دينهن فقد قالت احداهن: (غلبنا عليك الرجال اجعل لنا يوما تعلمنا فيه ديننا) فكان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب استحسان حيث قال (نعم النساء نساء الانصار لم يمنعهن الحياء ان يتفقهن في الدين) وبهدي هذا التوجيه المحمدي تصرف امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما راجعته امراة لما اراد ان يحدد المهور قال: (اخطا عمر واصابت امراة كل الناس اعلم منك يا عمر). * طلب العلم من المهد إلى اللحد: ولان الإسلام دين العمل والامل الذي لا يعرف الحد وما دام المرغوب والمطلوب هو الاحراز على مرضاة الله من كل عمل وتصرف ياتيه المسلم جاء هدي الإسلام في دعوة المسلم إلى طلب العلم بلا هوادة وبدون توقف والى آخر لحظة في عمره ما دام عبادة وقربة إلى الله فان المسلم لن يعدم الاجر والثواب عن كل مسالة جديدة يحصلها فطلب العلم في الإسلام من المهد إلى اللحد فالفائدة الآجلة محققة أما الفائدة العاجلة فهي ما ينتهي إليه من تغيير نحو الاحسن والافضل لكل من يطلب العلم ويتزود منه، وهذه الفائدة تتجاوز شخص المتعلم إلى من يحيط به من أسرة ومجتمع، انها فوائد ملموسة محسوسة وهي استفادة من طاقات كان يمكن ان تهدر وتضاع ذلك انه مهما كان عدد غير المتعلمين على مختلف اعمارهم وتقدمهم في السن كلما كانت هذه الفئة كبيرة العدد كلما انعكس ذلك سلبا على المجتمع في كل نواحي الحياة: اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وهذه الفئة من المجتمع (فئة الكهول والشيوخ) ممن هم ليسوا في سن الدراسة في مختلف مراحلها عددها اليوم كبير جدا ومن هنا وقع التفكير بصفة جدية في تعليم الكبار ووضعت لذلك البرامج ورصدت الاعتمادات على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.