صور مضيئة ومواقف مشرقة من حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

صور مضيئة ومواقف مشرقة من حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه


يقل الله تبارك وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم “إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم” الآية 40 من سورة التوبة. صدق الله العظيم. هذه الآية الكريمة نزلت في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه العظيم أبي بكر الصديق رضي الله عنه. فان قريش أخرجتهما من مكة بعد أن سلطت عليهما وعلى كل المؤمنين صنوفا من الأذى والعذاب فخرجا من مكة في ظلام الليل وقصدا الغار، واختفيا فيه عن أنظار قريش التي جندت جنودها ووصلت إلى باب الغار وكان أبو بكر في الطريق إلى الغار طورا يتقدم الرسول وطورا يتأخر عنه وطورا يكون عن يمينه وطورا عن شماله خوفا على الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى قريش وكيدها ولما وصل الباحثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار ووقفوا عند الباب وكادوا أن يدخلوه ويروا الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه اشتد الخوف بابي بكر على الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن عين الله التي حرستهما عند خروجهما فلم ترهما عين رغم استعداد قريش وفتيان القبائل لتقاسم دم الرسول صلى الله عليه وسلم عند خروجه من بينهم “وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون”. عين الله هذه ما كانت لتغيب عن الرسول وصاحبه وهما في الغار، فالله معهما ويرعاهما لذلك طمأن الرسول صلى الله عليه وسلم صاحبه “لا تحزن إن الله معنا” ومن كان الله معه فانه ينزل عليه السكينة والطمأنينة ويؤيده بجنود يراها الناس وجنود لا يرونها. وهذا الشرف الكبير الذي نال أبا بكر الصديق ليس الأول ولا الأخير. لقد كان أبو بكر في الجاهلية وقبل الإسلام من خيرة رجال قريش شرفا وكرما ورجولة وبعد نظر وسموا عن الفواحش والمناكر جمع بين كل هذه الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة بالإضافة إلى شرف النسب وسعة ذات اليد والبسط في الرزق. وكانت له مع الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام خلة وصداقة وعلاقة دعمتها الأيام ووطدتها ما في شخصيتيهما من فضل ورفعة وصدق وإخلاص. فلنحاول التعرف على هذا الرجل العظيم وهذا الصديق الكريم والمسلم الغيور والصاحب المخلص الوفي. * كان يسمى في الجاهلية عبد الكعبة وأصبح بعد الإسلام عبد الله ويلقب بابي بكر بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وأمه سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مرة. * فهو ذو نسب كريم واصل شريف وكان مركزه ممتازا عند قومه يعرفون فضله ويحترمونه، وكان معروفا في الجاهلية بينهم بالابتعاد عن كل منكر وفاحشة يلزم نفسه بالاستقامة. يحكم عقله فلا يسمح للعاطفة والهوى والنفس الأمارة بأن تسيطر عليه يجتنب كل فساد وينتهي عن كل شر، سليم الفطرة طيب النفس فلا عجب أن يحرم على نفسه الخبائث قبل أن يعلم أن الله سينزل تحريمها مثل الخمر. فقد قيل لأبي بكر في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل شربت الخمر في الجاهلية؟ قال: أعوذ بالله فقيل: ولم؟ قال كنت أصون عرضي واحفظ مالي فمن شرب الخمر كان مضيعا في عرضه ومروءته فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدق أبو بكر، صدق أبو بكر. * وكان أبو بكر من علماء الأنساب وهو علم يفتخر به العرب ويحرصون عليه ليثبتوا شرف أصولهم وصحة أنسابهم وسلامتها من كل دخيل. * وما أن بعث الرسول صلى الله عليه وسلام بدين الإسلام حتى سارع إلى الإيمان به اقرب الناس إليه وأصدقهم ودا وأخلصهم صحبة فكان أبو بكر أول من اسلم من الرجال ولم يكن إسلامه مشروطا ولا منقوصا ولا مترددا حين إعلانه بمجرد أن أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم نبأ بعثته حتى سارع إلى تصديقه أبو بكر والإيمان بهذا الدين الجديد وما أصعب مواجهة الناس على كثرتهم ومخالفتهم بمعتقد جديد لا عهد لهم به قال الرسول صلى الله عليه وسلم “وما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر” البخاري. اسلم بدون تردد وصدق بدون تلعثم واخلص الصحبة لحبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن لاقى ربه. ولم يبخل على الدين الجديد بكل ما يملك من وقت وأهل ومال وجاه فعمل على نشر الإسلام بأعماله وسيرته وبأخلاقه وفضله. وكان من أثرياء الجزيرة فما كان ليبخل بماله على الدعوة الجديدة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله بعثني إليكم فقلتهم كذب وقال أبو بكر:صدقت صدقت وواساني بنفسه وماله فهل انتم تاركون لي صاحبي فهل انتم تاركون لي صاحبي” البخاري. * جعل كل أمواله على ذمة الرسول صلى الله عليه وسلم يتصرف فيها لمصلحة الإسلام والمسلمين فما كان ليبخل أو يظن بالمال الزائل على الأجر الباقي. * سمع أبو بكر رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام: ما نفعني مال قط كما نفعني مال أبي بكر فبكى وقال: هل أنا ومالي إلا لك؟" الرياض النضرة. يظهر هذا التسخير في عتق رقاب المسلمين وتجهيز الجيوش للفتح وشراء كل ما يحتاج إليه الدين الجديد والمسلمون الجدد، فكان الممول للدعوة الواقف وراءها، وما كان ليكتفي بهذا الباب من أبواب الخير بل انطلق وهو من خطباء العرب وحكمائها وزاده الإسلام حكمة ورصانة وعلما وحجة قوية فبادر إلى دعوة كل من يلقاه ويعرفه وتربطه به علاقة مطبقا قول الله عز وجل “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين” فصلت 33. * اسلم على يديه عدد كبير من الصحابة الكرام وأفاضلهم بعضهم من المبشرين بالجنة وبعضهم من المهاجرين الأولين والبعض الآخر ممن شهدوا الغزوات الكبرى: بدرا وأحدا ساروا على منهجه وطريقة ودعموا الإسلام بمواقفهم وكل ما تملك أيديهم من هؤلاء ذو النورين عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وعثمان بن مظعون وأبو عبيدة عامر بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم كانوا مصابيح الهداية وسهام الإسلام وجنوده الأبطال الذين نشروه ونصروه وكانوا بحق كما قال الله تبارك وتعالى فيهم “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا أيبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة والإنجيل” “صدقوا ما عاهدوا الله عليه فلم يغيروا ولم يبدلوا وكانوا عباد الله إخوانا”. * أحب أبو بكر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم واخلص له الود والصحبة فبادله الرسول صلى الله عليه وسلم حبا بحب وخلة بخلة وصحبة بصحبة. * تحمل مع الرسول صلى الله عليه وسلم أذى قريش وكيدها وحمى الرسول صلى الله عليه وسلم منهم قدر طاقته. وخرج مهاجرا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وسخر الراعي وكلف الدليل وأناط مهاما إلى ابنته أسماء وابنه عبد الله من اجل أن تنجح عملية الهجرة ولا ينال الرسول صلى الله عليه وسلم كيد ولا شر. فبينما صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ اقبل عقبة فوضع ثوبه في عنق الرسول صلى الله عليه وسلم فخنقه خنقا شديدا فاقبل أبو بكر حتى اخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم” البخاري. * وزوج أبو بكر حبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم من ابنته عائشة برهانا على الحب الشديد والتعلق الكبير. استحق بهذه المواقف وغيرها أن يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم “لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا” البخاري ومسلم. ظل يحتل أبو بكر من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم السويداء فها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه من حجة الوداع يقول: أيها الناس إن أبا بكر لم يسوءني قط فاعرفوا له ذلك" الرياض النضرة. وعندما اشتد به المرض عليه الصلاة والسلام لم يجد غير أبي بكر أهلا لنيابته في إمامة المسلمين رغم تعلل ابنته عائشة بشدة تأثر أبيها وهي على حق “لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس” البخاري ومسلم. وكان محبا شديد الحب للرسول صلى الله عليه وسلم وكان من الذين إذا قرأوا القرآن ووقفوا بين يدي الله يكبر عليهم الموقف ويشتد بهم الوجد والخشوع شديد البكاء والتأثر يفرح بالوعد ويحزن ويتألم للوعيد لذلك نجده يسارع إلى أبواب الخير كلها فلا يترك بابا إلا ويفعله مخافة لله ورجاء فيه يصوم ويصلي ويحج ويتصدق ويجاهد ليدخل الجنة يوم القيامة من أي الأبواب شاء وتلك خاصية لأبي بكر. لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم اضطرب كبار الصحابة وما كادوا يصدقون النبأ إلا الصديق فانه رغم حبه للرسول صلى الله عليه وسلم لم يغب عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر ككل الناس، ردد على مسامع الصحابة قول الله تعالى “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا”. من الصحابة الذين زعزعتهم الحادثة والفاجعة العظمى عمر بن الخطاب الذي خرج يقول “من قال إن محمدا مات قطعت عنقه”. رجع للصحابة صوابهم واجتمعوا يدبرون أمرهم في يوم مشهود تكاد نياط قلوبهم تتمزق وهم يودعون نبيهم ورسولهم وحبيبهم وشفيعهم بين يدي ربهم ولكن لا راد لقضاء الله. انه يوم لا يوصف ولكن جلد المؤمنين وصبرهم وصدقهم جعلهم يبايعون بسرعة أبا بكر خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قائلهم “رضيه رسول الله لديننا فكيف لا نرضاه لدنيانا”. بايعوه جميعا فقام في الناس خطيبا “أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم إن رأيتموني على حق فأعينوني وان رأيتموني على باطل فقوموني القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”. اطمأن المسلمون لسيرة خليفتهم فأطاعوه واخلصوا له واخلص لهم الحب ورغم ذلك فهناك من استضعف أبا بكر، وشق عصا الطاعة عنه وارتد عن الإسلام وامتنع عن أداء الزكاة فما كان من أبي بكر إلا أن قال بإصرار “والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ولو لم أجد أحدا أقاتلهم به لقاتلتهم وحدي حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين” وهكذا قضى على الفتنة في المهد وجمع للمسلمين كلمتهم بعد أن كادت تتفرق واخرج الجيوش للفتح ومنهم جيش أسامة بن زيد وأوصاهم خيرا “فقال لا تقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ ستجدون أناسا نذروا أنفسهم لعبادة الله في صوامع فاتركوهم وما نذروا أنفسهم إليه”. كانت لفاطمة رضي الله عنها ارض تدعى فدك فقال أبو بكر لفاطمة: ردي يا فاطمة فدك لبيت مال المسلمين ومالي على ذمتك فأبوك قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. طلب من المسلمين أن يقرروا له راتبا لا يتعداه من بيت مال المسلمين بعد أن شغلوه عن تجارته بالخلافة. هذا هو أبو بكر الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم “لو وزن إيمان هذه الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر”. وقال فيه “ما فضل أبو بكر الناس بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام ولكن بشيء وقر في صدره” الترمذي. وقد تصدق أبو بكر مرارا بكل ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك فقال: الله ورسوله" الترمذي. وقف علي بن أبي طالب يوم وفاته باكيا قائلا: “رحمك الله يا أبا بكر كنت والله أول القوم إسلاما وأصدقهم إيمانا وأشدهم يقينا وأعظمهم غنى واحفظهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدبهم على الإسلام وأحماهم عن أهله وأشبههم برسول الله خلقا وفضلا وهديا وصمتا فجازاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيرا صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس وواسيته حين بخلوا وقمت معه حين قعدوا وسماك الله في كتابه صديقا قال”والذي جاء بالصدق وصدق به“يريد محمدا ويريدك. كنت والله للإسلام حصنا وللكافرين ناكبا لم تضل حجتك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا في بدنك قويا في دينك متواضعا في نفسك عظيما عند الله جليلا في الأرض كبيرا عند المؤمنين لم يكن لأحد عندك مطمع ولا هوى فالضعيف عندك قوي والقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق من القوي وتأخذه للضعيف فلا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك” اشهر مشاهير الإسلام.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.