سيرة الإمام الرباني أبو الحسن الشاذلي رحمه الله

سيرة الإمام الرباني أبو الحسن الشاذلي رحمه الله


اسمه: علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف بن هرمز، المغربي (وطنا)، الشاذلي (سكنا)، المصري (وفاة ومدفنا). ويعود نسبه الشريف الى أهل البيت الأطهار، فهو من ذرية الامام الحسن بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما، لذلك فهو يكنى بأبي الحسن.

      ولادته: ولد سنة (593 هـ = 1196م)[1] بقرية "غمارة" من قرى بلاد المغرب الأقصى[2]   

      نشأته وتعلمه: نشأ في بني زرويل- قرب شفشاون- فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ العلوم، ثم رحل في سبيل البحث والزيادة من "العلم الشريف" وأخذه عن اهله، فكانت له عدة محطات راسخة في هذا الشأن منها: (تونس/ القاهرة/ دمشق/ المدينة/ بغداد)، وفي كل محطة كان يتتلمذ على كبار علمائها، وآخر من لقيهم وجلس اليهم، فتعلقت همته العالية به، هو الامام الرباني الشيخ ابو الفتح الواسطي رحمه الله، وفيه يقول: "ما رأيت بالعراق مثله"

      ثم ما لبث أبو الحسن ان عاد الى مسقط رأسه "غمارة"، وفي نفسه توقان شديد، الى المزيد من التربية السلوكية، والتفقه في العلوم الشرعية، وإذ به يتصل فيها ويلاقي المربي الأجل الامام ابن مشيش، إذ كانت الحلقة المفقودة، والضالة المنشودة، وبه سيكون له شأو بعيد، وصيت حميد في جميع الآفاق.

      شيخه ابن مشيش وتنقله في الأوطان:

      كان الإمام ابن مشيش هذا من أولياء الله الصالحين: عالما ومربيا على بصيرة، يحكى عنه أنه دخل عليه رجل وقال له: "وظف لي وظائف وأورادا، فغضب منه الشيخ ابن مشيش رحمه الله، وقال له: "أرسول أنا اوجب الواجبات؟ الفرائض معلومة، والمعاصي مشهورة، فكن للفرائض حافظا، وللمعاصي رافضا، واحفظ قلبك من إرادة الدنيا، وحب النساء، وحب الجاه، وايثار الشهوات" لذلك وصفه المؤرخ ابن عياد في كتاب (المفاخر العلية) بقوله فيه: "كان مقام ابن مشيش في المغرب، كمقام الشافعي بمصر"

      قال الشيخ أبو الحسن علي الشاذلي وهو يقص لقاءه بالشيخ الامام ابن مشيش هذا: "لما قدمت عليه- وهو ساكن بمغارة في رأس جبل، اغتسلت بعين في أسفل الجبل، وخرجت عن علمي وعملي، وطلعت اليه فقيرا، واذا به هابط الي، وعليه مرقعة، وعلى رأسه قلنسوة من خوص، فقال لي: مرحبا بعلي بن عبد الله بن عبد الجبار، وذكر نسبي فارتفع به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا علي ! طلعت الينا فقيرا من علمك وعملك، فأخذت منا غنى الدنيا والآخرة، فأخذني منه الدهش، وأقمت عنده أياما، الى أن فتح الله على بصيرتي"

      صحب أبو الحسن شيخه هذا مدة من الزمن، آخذا عنه العلم والمعرفة والتربية ثم لما رأى شيخه في تلميذه ومريده هذا "علامات النبوغ" وإشارات الفتوح والصلاح، أشار عليه بالتحول الى بلاد افريقية –تونس اليوم- قائلا له: "يا علي! اذهب الى افريقية، واسكن فيها بلدا تسمى بشاذلة، فإن الله يسميك الشاذلي، وبعد ذلك تنقل الى (تونس)، ويؤتى عليك بها من قبل السلطنة، وبعد ذلك تنقل الى المشرق، وبها ترث القطابة"

      ثم طلب الشيخ ابو الحسن الشاذلي من شيخه النصيحة- بعد ان استجاب له- فقال له ناصحا ومرشدا: "يا علي! الله الله والناس، نزه لسانك عن ذكرهم، وقلبك عن التمايل من قبلهم. وعليك بحفظ الجوارح، وأداء الفرائض، وقد تمت ولاية الله عندك...."

      رحل الشيخ ابو الحسن، ولما وصل تونس قصد شاذلة ثم صعد جبل زغوان صحبة مرافقه: عبد الله ابن سلامة، وانقطعا للعبادة في مغارة بهذا الجبل.

      وهكذا، تأهل الشيخ ابو الحسن الى القيام بتزكية النفوس، وتربية الخلق، تلبية لتوجيهات شيخه المربي ابن مشيش أولا، ثم بعد أن نودي عليه ثانيا "يا علي! اهبط الى الناس ينتفعوا بك"

      أصبح الشيخ ابو الحسن الشاذلي "من الدعاة الموهوبين" لما وهبه الله عز وجل علما واسعا، ورسوخا في المعرفة والتربية، وحذقا في فصاحة اللسان، وسلطانا على العقول والنفوس، وامتدت هذه الخصائص التي جمعها الله فيه الى المشرق من خلال رحلته اليها واتصاله بالجماهير الغفيرة التي لقيته، والتي جلست اليه، وأخذت عنه: كبارا وصغارا من حيث الجاه أو المكانة العلمية أو المجد الأفقي، حتى ان كبار أهل عصره من الحفاظ والعلماء والمؤرخين، قد شهدوا له بالنبوغ والنفوذ فكان يحضر مجلسه خيرة علماء القاهرة، منهم ابن دقيق العيد، وعز الدين ابن عبد السلام (سلطان علماء عصره) وابن الصلاح، وابن الحاجب، وابن جماعة، والمنذري، وابن عصفور، وهي كما ترى مجموعة من العلماء العظام

      وهذه عينة من شهادة أولئك وهي للمؤرخ ابن عياد في كتابه المفاخر العلية فقال عنه "أما المعارف الالهية فقطب رحاها، وشمس ضحاها...وهو صاحب الاشارات العلية، والعبارات السنية...جمع بين العلم والحال، أو الهمة والمقال، وتخرج بصحبته جماعة من الأكابر، مثل: أبي العباس المرسي، وأبي العزائم ماضي، وغيرهم" ا هـ

      وها هو تلميذه ذاك الامام ابو العباس المرسي- الذي غدا فيما بعد- شيخ الشيوخ في عصره، يروي أثناء صحبته لشيخه الامام ابي الحسن الشاذلي، فيقول: كنت مع الشيخ سيدي ابي الحسن الشاذلي في مدينة القيروان، وكان شهر رمضان المعظم، ليلة سبع وعشرين، وكانت ليلة جمعة، ودخلنا الجامع، فاجتمع على الشيخ أولياء الله، فلما أصبحنا وخرجنا من الجامع، قال الشيخ أبو الحسن: "ما كانت البارحة الا ليلة عظيمة، وكانت ليلة القدر، ورأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: "يا علي طهر ثيابك من الدنس، تحضى بمدد من الله في كل نفس" قلت: يا رسول الله وما ثيابي؟ قال: "اعلم ان الله قد خلع عليك خمس خلع: خلعة المحبة، وخلع المعرفة، وخلعة التوحيد، وخلعة الايمان، وخلعة الاسلام" فمن أحب الله هان عليه كل شيء ومن عرف الله صغر لديه كل شيء ومن وحد الله لم يشرك به شيئا ومن آمن بالله أمن من كل شيء ومن أسلم لله قل ما يعصيه، وان عصا له اعتذر اليه، وان اعتذر اليه قبل عذره. ففهمت عندئذ معنى قوله تعالى "فثيابك فطهر"

      توفي شيخ العلماء، وإمام الأتقياء، وصالح عباد الله الأوفياء: الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله الشاذلي سنة (656 هـ =1258م) رحمه الله وطيب ثراه

 


[1]  وعند العلامة الزركلي في كتابه (الأعلام: سنة 591 هـ)

[2]  تقع "غمارة" في شمال المغرب العربي، القريبة من ساحل البحر الابيض الجنوبي، وقد ظهر وبرز من هذه القرية الريفية: مجموعة من العلماء والمحدثين اشتهروا في جميع الآفاق خارج المغرب، مثل: آل الصديق الغماريون، وهم سبعة أخوة كلهم علماء وأجلاء. ويقول فيهم صاحب كتاب (صديقون/ ص7) ذ المختار التمسماني "لا نعلم وجود سبعة إخوة كلهم علماء شرعيون....فهذه من النوادر التاريخية التي لا ثاني لها فيما اطلعنا عليه..." ا هـ 

 



الكلمات الشائعة

 

صلاح العود

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.