سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو دعوة إبراهيم وبشرى عيسى عليهما السلام

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو دعوة إبراهيم وبشرى عيسى عليهما السلام


يقول الله تبارك وتعالى: “وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا انك أنت السميع لعليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه اسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون” (صدق الله العظيم) الآيات 127 إلى 132 من سورة البقرة. بعد رفع القواعد من البيت توجه إبراهيم الخليل عليه السلام بالدعاء والضراعة إلى الله، والدعاء مخ العبادة وهذا الدعاء (ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم) دعاء من نبي عظيم كريم صفي، انه الدعاء الخالص لوجه الله الدعاء الذي ليس بينه وبين الله حجاب أورد الله هنا الدعاء ليكون دعاء مأثورا يستعيده المؤمنون من امة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وكيف لا يدعو المؤمنون بما دعا به سيدنا إبراهيم ربه (ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم) لقد استجيب له عليه السلام فدعاؤه خالص لله رب العالمين وسأل الله أن يتقبل منه ما عمله وهو أعظم عمل وهو رفع القواعد من البيت العتيق وكذلك يفعل المؤمن فانه إذا عمل عملا خالصا لوجه الله فانه لا يرجو شيئا غير أن يتقبل الله منه هذا العمل وإذا تقبل الله من عبده عمله الصالح فان جزاءه عليه سيكون عظيما وكبيرا والله تبارك وتعالى سميع عليم يسمع دبيب النمل في الحجرة الصماء في الليلة الظلماء، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يسمع اخفت الأصوات كما يعلم اصغر شيء أين يقع. ثم يقول جل من قائل (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم) يقول الله تعالى (ربنا واجعلنا مسلمين لك) قال القرطبي انه سؤال تثبيت على الإسلام على الدوام والإسلام في هذا الموضع الإيمان والعمل جميعا والإسلام وهو الإقرار في الجنان والنطق باللسان والعمل بالأركان وفي القرآن الكريم تفصيل لمعنى الإسلام والإيمان من ذلك قوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) وبذلك يكون الإيمان قلبيا والإسلام كل ما هو ظاهر (عمل بالأركان) وكذلك هو ما فصله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسلام والإيمان والإحسان. فالإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. والإسلام إن تشهد أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. دعا سيدنا إبراهيم لنفسه ودعا لامته ودعا لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال (من ذريتنا) وقد اعلمه الله أن البعض من ذريته سيكون من الظالمين. قال القرطبي الأمة الجماعة هنا وتكون واحدا إذا كان يقتدى به في الخير. (وارنا مناسكنا) وقيل المناسك الحج ومعالمه قيل المذابح أي مواضع الذبح وقيل جميع المتعبدات أورد ذلك القرطبي ثم عقب بقوله (وكل ما يتعبد به إلى الله تعالى يقال له منسك) بفتح السين وكسرها. وعن زهير بن محمد قال: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء بيت الله الحرام قال: أي رب وقد فرغت فأرنا مناسكنا فبعث الله إليه جبريل فحج به حتى إذا رجع من عرفة وجاء يوم الثالث ثم علا بثيرا (وهو جبل بين مكة ومنى وهو على يمين الذاهب إلى مكة) فقال: يا عباد الله أجيبوا فسمع دعوته من بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان فقال: اللهم لبيك قال: ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا لولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها وهذا الأثر على تمامه وكماله يجده القارئ في الصفحة 128 و129 من تفسير القرطبي لهذه الآيات في الجزء الثاني. (وتب علينا) وهو دعاء يثبتهما على التوبة وإلا فهما معصومان لا تتصور منهما المعاصي. ويقول تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم). والرسول الذي دعا إبراهيم ببعثه هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم روى خالد بن معدان أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله اخبرنا عن نفسك قال: نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى. (ويعلمهم الكتاب والحكمة) والكتاب هو القرآن والحكمة هو الفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى قال ذلك مالك وقيل المعرفة بالدين والفقه والتأويل وقال قتادة: الحكمة السنة وبيان الشرائع. (ويزكيهم) وهو التطهير من الشرك و(العزيز) المنيع الذي لا يغلب قال ابن كيسان الذي لا يعجزه شيء ودليله قوله تعالى (وما كان ليعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض) وقال الكسائي الغالب منه قوله تعالى (ليس كمثله شيء) كل هذه الأقوال أوردها القرطبي. ثم يقول جل من قائل و(من يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين). وفي الآية توبيخ ومعناه وما يرغب قال النحاس والمعنى يزهد فيها (ملة إبراهيم) وينأى بنفسه عنها أي عن الملة وهي الدين والشرع (إلا من سفه نفسه) بمعنى جهل أي جهل أمر نفسه فلم يفكر فيها قال أبو عبيدة المعنى اهلك نفسه أورده القرطبي قال أي فعل بها من السفه ما صار به سفيها). ثم يقول جل من قائل (ولقد اصطفيناه في الدنيا) أي جعله الله صافيا خالصا لا تشوبه شائبة من شرك وضلال وفساد (وانه في الآخرة لمن الصالحين) والصالح في الآخرة هو الفائز. قال معاوية بن قرة (اللهم إن الصالحين أنت أصلحتهم ورزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم فارزقنا أن نعمل بطاعتك وارض عنا). يقول تعالى (إذ قال له ربه اسلم قال أسلمت لرب العالمين) قال ابن كيسان والكلبي: أي اخلص دينك لله بالتوحيد وقيل اخضع واخشع والإسلام في كلام العرب الخضوع والانقياد للمستسلم والإسلام بهذا المعنى هو كل الأديان السماوية في أصلها ومنطلقها (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا اله إلا الله). قال تعالى (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون) (وصى بها إبراهيم) وهي قوله (أسلمت لرب العالمين) وأوصى بذلك يعقوب من بعده (يا بني) أي إن يا بني (اصطفى) اختار (الدين) أي الإسلام (فلا تموتن إلا وانتم مسلمون) قال القرطبي المعنى: الزموا الإسلام ودوموا عليه ولا تفارقوه حتى تموتوا نسال الله تبارك وتعالى أن يلزمنا الإسلام ويجعلنا من الذين يدومون عليه إلى أن نلقاه انه سبحانه وتعالى سميع مجيب.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.