سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الانسان الكامل

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الانسان الكامل


يقول الشيخ محمد رشيد رضا صاحب المنار وتلميذ الشيخ محمد عبده يرحمهما الله في كتاب خلاصة السيرة النبوية وحقيقة الدعوة الإسلامية وكليات الدين وحكمه في الصفحة اثنتين وستين وما بعدها (كان صلى الله عليه وسلم) يربي المؤمنين بالقرآن وبما أتاه الله من الخلق العظيم والعرفان فآخى بين المهاجرين والأنصار حتى أنهم كانوا يتقاسمون المال والعقار وألف الله بين قلوب الأوس والخزرج فأصبحوا بنعمته وتعالى اخونا وكانوا في الجاهلية أعداء لا يألو أحدهما على الآخر بغيا وعدوانا وكان يشاور أصحابه في الأمر ويساوي بينهم في الاقبال والبشر ويوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم ويكرم فقيرهم ويعود مريضهم ويشيع ميتهم ويقبل هديتهم ويجيب دعوتهم ويكون معهم كاحدهم وكان صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق أخلاقا وأعلاهم فضائل وآدابا امتاز بذلك في عهد الجاهلية فكيف يدرك كنهه بعد النبوة وقد خاطبه العلي العظيم (انك لعلى خلق عظيم) كان جامعا بين اللطف والتواضع والدماثة وبين العزة والوقار والمهابة من رآه بديها هابه ومن خالطه معرفة أحبه جامعا بين الرأفة والرحمة والحياء وبين الشجاعة والحزم والمضاء فكان في حومة الوغى أثبت الناس وكانوا يلوذون به اذا اشتد البأس حتى انه ثبت بعد انكشاف الناس عنه في يوم أحد ولكنه لم يقتل بيده غير ابي بن خلف وانما كان يدافع عن نفسه وغيره دفاعا ويرشد المقاتلين بالتدبير والتثبيت ارشادا ولم يكن ينتقم لنفسه ولا يحابي في الحق عشيرته ولا أبناء جنسه وكان على حلمه الواسع لا تأخذه في الله لومة لائم وكان أجود من الريح المرسلة والسحب المنهملة وكان أعظم الناس ثباتا وصبرا وأحسنهم للناس ولله شكرا وكان يحب اليسر ويأمر به ويكره العسر وينهى عنه ويأكل من الطعام ما وجد لا يأبى المستلذ منه نسكا ولا يتحراه تنعما وترفا ولكنه كان يعتني بأمر الماء وكان يحب الطيب والنساء ويكثر الوصية بهن وباليتامى والأرقاء ليمحو من أنفس امته احتقار الضعفاء فبهذه الأخلاق والآداب كان الأسوة الحسنة لخير الأصحاب وقد قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن (كتاب خلاصة السيرة المحمدية تأليف السيد محمد رشيد رضا) أردت أن أقتبس هذه الفقرات المعبرة بايجاز بليغ عن خلق وسيرة سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام لتكون منطلقا لتحيتنا المعتادة لسيد الكائنات بمناسبة ذكرى مولده الشريف التي يحييها المسلمون في شهر ربيع الأول ولا شك ان الجميع يتفق على ان احياء ذكرى المولد النبوي الشريف اذا كان بالتذكير للمسلمين (فإن الذكرى تنفع المؤمنين) بما كان عليه هذا الرسول الكريم من خلق عظيم وأدب رفيع حتى يدرك الناس ان سيدنا محمدا بن عبد الله عليه الصلاة والسلام هو الانسان الكامل الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وانه حجة الله على عباده وانه الرحمة المهداة والموعظة الحسنة وانه المؤهل دون سواه ليكون أسوة وقدوة للسير ة الحسنة والخلق الكريم فاحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بهذه الكيفية مرغوب فيه ومندوب اليه والذي يستعرض حياة سيدنا محمدا بن عبد الله صلى الله عليه وسلم سواء قبل البعثة حيث كان يلقب بالصادق الأمين أو بعد البعثة حيث أجمع القريب والبعيد والصغير والكبير والمرأة والرجل والعدو والصاحب على انه كان على خلق عظيم وأدب رفيع واجماع هؤلاء الذين عايشوه وعاشروه من قرب في كل ظروف حياته: عسرها ويسرها وشدتها ورخاءها وضعفها وقوتها وسفرها واقامتها اعترفوا له عليه الصلاة والسلام بالخلق العظيم والأدب الرفيع ولا يمكن ان يكون ذلك عن تمالؤ ومجاراة وضلالة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول (لا تجتمع أمتي على ضلالة ) والتواتر كما يقال يفيد القطع و هذا الإجماع لا يمكن ان يكون سببا له سوى الخلق الكريم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ بالخلق الكريم فقط ودون سواه يمكن ان يسع الناس وصدقت السيدة عائشة رضي الله عنها حين قالت (انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) وهي لا شك محقة فيما قالت لأن من أوتي الخلق الكريم فقد أوتي الخير كله فالخلق الكريم محقق لصاحبه والمتحلى به مرضاة الخلق والخالق وسعادة الدنيا والآخرة فمرضاة الخلق تتحقق بسلامة القلب على الناس جميعا وحسن ذكرهم بالكلمة الطيبة والكلمة الطيبة في دين الاسلام صدقة وهي كالشجرة الطيبة (أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها بإذن ربها) وبذل الجهد والطاقة في جلب الخير لهم ونفعهم ومن كانت هذه حاله فهو على خلق كريم وهو بإذن الله من الفائزين ومرضاة الخالق الذي لن يصل العباد الى نفعه أو ضره انما يحققها للمسلم بتطابق سلوكه ومعاملته للناس مع ما يريده الله من عباده وقد عبرت عن هذا المراد من الله عديد النصوص من ذلك على سبيل الذكر لا الحصر (لا يكون أحدكم مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) (أحب العباد الى الله أنفعهم لعباده ) (الراحمون يرحمهم الرحمان) (والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه) (من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عليه كربة من كرب يوم القيامة) (المسلم أخو المسلم ) (المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ) (مثل المؤمنين في تواددهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ) وعظمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انما تتجلى أعظم تجل وتبرز أعظم بروز في جانب الخلق العظيم الذي كان عليه طيلة حياته اذ لم يكتب عليه التاريخ نقيصة خلقية واحدة يمكن ان تتخذ عليه حجة لقد كان بشرا سويا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق (يخالط الناس ولا ينعزل عن الحياة) ويتزوج النساء ومع ذلك فان انغماسه في المجتمع لا يكون على حساب الأدب الرفيع الذي جبل عليه وكيف لا يكون كذلك وهو يقول معترفا بمنن الله عليه ( أدبني ربي فأحسن تأديبي) والأخلاق المحمدية كل لا يتجزأ قوامها الظاهر والباطن أي المشاعر والأقوال والتصرفات والمعاملات لا تعارض فيها بين الشعار المرفوع والممارسة الفعلية بل ان الممارسة الفعلية تطغى على القول والشعار وتسبق الى الميدان لتقيم الحجة والبرهان على ان دين الاسلام ليس بالتمني أو التحلي بل هو دين يصدق فيه العمل ما وقر في القلب يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس الإيمان بالتمني أو بالتحلي ولكن الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل) وكل امر دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وامته كان الأسبق الى تجسيمه إعطاء المثل فتجسيم عليه الصلاة والسلام لمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال كان دائما يسبق الحديث عن هذه المكارم وتحبيبها للناس ودعوتهم اليها وكذلك الشأن بالنسبة لما كان ينهى عنه من فواحش وشرور وأضرار ومنكر فقد كان عليه الصلاة والسلام ينأى عنها ولا يقربها وتأباها نفسه الطيبة النقية وفطرته السليمة لقد كانت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء به من عند ربه دينا حنيفا وصراطا مستقيما وسراجا منيرا ومحجة بيضاء كانت دعوته الى ذلك دعوة حال لا دعوة مقال وشتان بينهما في التأثير والاقناع لذلك لم يحفظ تاريخ البشرية نموذجا للخلق العظيم والأدب الرفيع والسيرة المثالية القويمة أرفع من النموذج المحمدي الذي اتخذه الله حجة على عباده فحيثما التفت الدارس وهو يستعرض مختلف جوانب حياة سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الا ويرى الكمال والجمال والرفعة وعلو الهمة والمقام لأجل ذلك وغيره قال من جعله على خلق عظيم وأدب رفيع (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) آل عمران، ولم يقل أحد ان الاتباع الذي نحن مأمورون به يقتصر على ما يقول و ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو على إطلاقه تؤكد ذلك آيات أخرى منها قوله جل من قائل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب، بل ان المؤمن لا يكون مؤمنا حقا حتى يكون هواه تبعا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ان المؤمن لا يطمع في تذوق حلاوة الإيمان وللايمان حلاوة لا يعرفها الا من ذاقها الا من كان الله ورسوله أحب اليه مما سواهما ولأن الأمر بهذه الدقة والأهمية والتلازم فقد حل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قلوب أصحابه ومن جاؤوا من بعدهم محل السويداء وتنافسوا في التعبير الفعلي عن هذا التعلق به عليه الصلاة والسلام تقربا الى الله وابتغاء لمرضاته وكان مضمار التعبير عن صدق هذا الحب والتعلق برسولهم هو العمل الصالح خصوصا وان في هذا العمل الصالح صلاحهم العاجل والآجل وهم مأمورون بذلك بصريح الآية (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم) الأنفال، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخرج من كل ماله متصدقا به على الفقراء والمحتاجين مستجيبا لأمر الله تبارك وتعالى لعباده بالإنفاق في سبيل الله والجهاد بالمال والنفس ولما يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا تركت لأهلك يا أبا بكر فيقول أبو بكر تركت لهم الله ورسوله فهذه الحادثة وغيرها كثير تبين مدى ما بلغه اليقين من قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك الذين ذكرهم الله في كتابه وخلد ذكرهم التاريخ حيث قال في حقهم جل من قائل ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) الفتح، وأولئك الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله الله في أصحابي لو أنفق أحدكم ملء الأرض ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ولم تكن هذه الشهادة فيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الا لبلائهم الحسن في التعلق العملي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ملك عليهم كل أنفسهم واستعدوا لأن يفدوه بأنفسهم فضلا عن أموالهم وأولادهم وبادروا رضي الله عنهم مسارعين الى كل ما دعاهم اليه وتسابقوا في ذلك التسابق الشريف النظيف وتحكي كتب السيرة والتاريخ من امرهم عجبا وكان الدافع لكل ما فعلوه وعبروا عنه واتخذوه من المواقف المشرفة هو ابتغاء مرضاة الله والتي لا تتحقق الا بمرضاة الرسول صلى الله عليه وسلم وحبه الحب الشديد حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الى الواحد منهم من نفسه التي بين جنبيه كيف لا يكون صنيع كل عاقل كذلك وكيف لا تكون مشاعر كل محب صادق كذلك وهو الذي أخرج به الله تبارك وتعالى عباده من الضيق الى السعة ومن الجور الى العدل ومن الضلال الى الإيمان وكيف لا يحب المؤمنون رسولهم عليه الصلاة والسلام وقد هداهم الله به الى الصراط المستقيم والدين الحنيف الدين الذي لن يرضى الله من عباده سواه (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران، وكيف لا يعبر المسلمون في مثل هذا الشهر من كل عام شهر ربيع الأول الشهر الذي شهد ميلاد سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام عن الفرحة والسرور بهذه المنة التي امتن بها الله على عباده وخص بها أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم ألم يقل جل من قائل (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة، فرسول الله سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام هو رحمة الله للعالمين والمنصفون من غير المسلمين عبر التاريخ يعترفون بهذه الرحمة التي عمت البشرية جمعاء ببعثته عليه الصلاة والسلام وهو رحيم رؤوف بالمؤمنين سواء كان ذلك في هذه الحياة الدنيا حيث ترى مظاهر هذه الرحمة والرأفة في كل ما جاء به عليه الصلاة والسلام ودعا اليه ونهى عنه انها رفق وتيسير وتبشير وهي تخفيف ومراعاة للأحوال إنها اعتماد أولا وقبل كل شيء على النوايا الطيبة الحسنة (انما الأعمال بالنيات) (يبلغ المرء بنيته ما لا يبلغه بعمله) (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) ثم هي في الدين الذي جاء به سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام اباحة للطيبات وزينة الحياة الدنيا ودعوة لعدم نسيان المسلم لنصيبه من الدنيا (وابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) القصص ، وسيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام رؤوف رحيم بأمته في الدار الآخرة عندما يقوم الناس لرب العالمين في ذلك اليوم الذي لا يمكن وصف أهواله والذي لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم فان سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام سيكون في ذلك اليوم شفيعا لأمته طالبا من ربه التخفيف والغفران والتجاوز والعفو عما يمكن أن يكون قد صدر عن هذه الأمة من خطأ أو عصيان واكراما من الله سبحانه وتعالى لقدر سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ومكانته الرفيعة عنده يأذن له في الشفاعة فترد أمته حوضه وتدخل بإذن الله جنة ربها راضية مرضية فالتعبير عن الحب الشديد من المسلم المؤمن لحبيبه صلى الله عليه وسلم مطلوب ومرغوب وهو مباح بكل الأساليب والطرق المشروعة بل ان ذلك مظهر من مظاهر الشكر الواجب لله على العبد المسلم وهو إبداء لنعمة الله



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.