رسالة المساجد والجوامع قديما وحديثا وثواب بنائها وإقامتها وتقريبها من المسلمين حيثما وجدوا

رسالة المساجد والجوامع قديما وحديثا وثواب بنائها وإقامتها وتقريبها من المسلمين حيثما وجدوا


قامت المساجد والجوامع ولا تزال بدور كبير في حياة الأمة الإسلامية منذ إن انبلج نور الإسلام ببعثة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة بجوار المسجد الحرام أول بيت وضع للناس ثم عند الانطلاقة الفعلية بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة حيث كانت البداية بالمسجد الذي خطه رسول الله صلى الهث عليه وسلم أين بركت ناقته القصواء في ارض لغلامين يتيمين ساومهما فيها رسول الله صلى الهط عليه وسلم ورغم أنهما رغبا في التصدق بها ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرص على دفع ثمنها. وكان تشييد هذا المسجد الأول ملحمة جماعية شارك فيها إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار وقد كان عليه الصلاة والسلام يردد وأصحابه من ورائه: “اللهم إن الأجر اجر الآخرة. فأرحم الأنصار والمهاجرة”. وكان بعضهم يقول: لئن قعدنا والنبي يعمل: ذلك إذن للعمل المضلل. وقد تعرض القرآن الكريم في عديد السور المكية والمدنية وكذلك السنة النبوية الطاهرة إلى المساجد والجوامع بإطناب ليعلي من شان هذه المواضع المطهرة ويدعو إلى عبادة الله فيها والاجتماع للصلاة في رحابها وغشيان لرياض الجنة فيها التي هي حلق الذكر والتفقه في الدين. وكان المسجد النبوي أول مسجد بني في الإسلام-القلب النابض للمجتمع الإسلامي الناشئ وقطب رحى كل نشاطات المسلمين حوله يدورون ومن فيض أنواره يغترفون سواء كان ذلك في الصلوات المكتوبة التي يشهدونها ويكادون لا يتخلفون عنها -إلا لعذر قاهر- أو عند الاستجابة لنداء المؤذن لصلاة الجمعة كل أسبوع (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع). ولم يقتصر دور المسجد النبوي على مجرد آداء الشعائر وحضور مجالس العلم والذكر بل تجاوز ذلك إلى تنظيم كل مجالات حياة المسلمين ومعاملاتهم في ما بينهم وحتى في ما بينهم وبين غيرهم من الذين يتقاسمون معهم العيش في المدينة أو من يفدون عليهم من خارج دار الإسلام. فقد استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسل الملوك والأمراء الذين كانت بينه وبينهم مراسلات واتصالات. وفي ركن من المجسد النبوي كان هناك مأوى للفقراء والمساكين من أهل الصفة وقد كان هؤلاء يجدون من إخوانهم الموسرين من الأنصار والمهاجرين كل ما يحتاجون إليه، يقوي هذا العطف وتلك الرحمة والرأفة لديهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده المبارك ويدفعهم إلى التنافس في ذلك، مباهيا بصنيعهم وتضامنهم وتآزرهم مشبها لهم بالجسد الواحد أو البنيان المرصوص، داعيا لهم أن يكونوا في ذلك مثل الأشعريين (وهي قبيلة من قبائل العرب) فإنهم إذا أرملوا (قل ما بين أيديهم) جمعوا ما عندهم وأقتسموه في ما بينهم بالسوية قال رسول الله في حقهم: (هم مني وأنا منهم). في المسجد النبوي تأسس دور المسجد في المسجد النبوي بالمدينة المنورة تأسس دور المسجد في المجتمع الإسلامي وتجسمت في حيز الواقع أعماله المتعددة وسرعان ما أثمرت إيمانا قويا وتقوى صادقة خالصة لوجه الله ومعاملة أساسها الرفق والرحمة واللين والمحبة والود. وكيف لا يكون الأمر كذلك! وكيف لا تكون النتائج من جنس المقدمات! والمكان مقدس مطهر بيت الله والمعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه ربه ما لم يكن يعلم حتى كان (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) والبرنامج المقرر هدي منزل من عند الله منزه عن كل زيغ وتحريف يتنزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبلغه عليه السلام في الحين لأصحابه رضوان الله عليهم فيتلقفونه ويسارعون إلى العمل به رغبة في رضوان الله وحسن جزائه. * انه مسجد أسس على التقوى من أول يوم مدحه المولى سبحانه وتعالى ومدح من فيه من الصحابة الكرام وبارك سعيهم حيث قال جل من قائل (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) التوبة 108، وقد عرف الصحابة الكرام للمسجد حقه وما ينبغي أن يكونوا عليه عندما يدخلونه وقد بين لهم القرآن بجلاء ووضوح كيفية التصرف وما عليهم أن يؤدوه في المسجد من صلوات فقال جل من قائل (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) التوبة 18، وتهدد المولى سبحانه وتعالى بالعذاب الشديد أولئك الذين يعتدون على بيوت الله ويدنسونها ويمنعون عباد الله من ذكر الله فيها معتبرا جرمهم عظيما وظلمهم كبيرا حيث قال جل من قائل (ومن اظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) البقرة 115. المسجد الحرام يعزز المسجد النبوي وتعزز المسجد النبوي بعد أن فتح الله على رسوله والمؤمنين مكة المكرمة بالمسجد الحرام، أعظم المساجد على الإطلاق وأشرفها وأقدسها، قبلة المسلمين في كل صلواتهم، به يلوذون وبالكعبة يطوفون أقام أركانه بأمر من الله سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام في واد غير ذي زرع يقول جل من قائل في حق هذا المسجد في آيات بينات ليست إلا قليلا من كثير مما تنزل في حق المسجد الحرام (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)، (وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم) البقرة 128. ويقول جل من قائل موجها خطابه لنبيه (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق) الآيات: الحج26، 27، 28، 29. والمضي مع الآيات القرآنية المتعرضة لبيت الله الحرام لا يتسع له المجال وهو مفصل في مضانه وما أوردناه منه قليل من كثير وهو كاف لإدراك منزلة الكعبة بيت الله العتيق والمسجد الحرام. المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ولا يمكننا أن نذكر المسجدين: الحرام والنبوي دون أن نذكر المسجد الأقصى: أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فقد قرن المولى سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بينه وبين المسجد الحرام حيث قال جل من قائل (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير) الإسراء. فهذه المساجد الثلاثة: المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة والمسجد الأقصى ببيت المقدس هي أعظم مساجد الإسلام وأقدسها وهي وحدها التي تشد إليها الرحال كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث: مسجدي هذا والمسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى ببيت المقدس). وهذه المساجد الثلاثة هي التي يتضاعف فيها ثواب الصلاة، فالصلاة في المسجد الحرام تساوي مائة ألف صلاة في ما سواه والصلاة في المسجد النبوي تساوي الصلاة فيه ألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى تساوي الصلاة فيه خمسمائة صلاة. وقد عرف المسلمون لهذه المساجد فضلها وتضاعف الأجر لمن يقصدها للصلاة فيها فلم تنقطع أفواج الذين يشدون الرحال إليها على امتداد القرون والسنين إذ لا تزال القلوب تهفو وتشتاق إليها ولا يزال المسلمون يبذلون الغالي والنفيس في سبيل أن يفوزوا بهذا السبق. ولقد كانت هذه المساجد الثلاثة (المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى) ولا تزال عامرة بالصلوات وذكر الله وحلق العلم إذ في رحابها نشأت مختلف العلوم الشرعية وفي أجوائها المشرقة تخرج العلماء الأعلام بداية بجيل الصحابة ومرورا بالتابعين وتابع التابعين وهكذا لم ينقطع فيها سند الفقه في الدين ولم تلبث هذه المساجد أن أشعت على الآفاق البعيدة والقريبة وتأسست حركة مسجديّة عمت كل الأمصار والبلدان وحيثما وصل المسلمون. وكان المسجد الجامع هو الذي يبادر إلى تأسيسه وتشييده المسلمون بمجرد حلولهم ببلد من البلدان هنا في افريقية أو هناك في الأندلس وفي اسطنبول وطشقند وتمبكتو والهند حيدر آباد الهند، وغيرها من عشرات بل مئات المساجد والجوامع العظيمة الشأن التي أسست ابتغاء لمرضاة الله فظلت رغم السنين والأعاصير الهوجاء وما تعرض له مد المسلمين من جزر في بعض الأحيان ظلة هذه القلاع الدينية والعلمية شامخة تستمد الثبات والشموخ من الله سبحانه وتعالى الذي توعد من يرد في بيت من بيوته بعبث أو عدوان بحرب لا تبقي ولا تذر. ويحق للبلدان والشعوب الإسلامية أن تفتخر بما تحتضن من مساجد وجوامع متقدمة في تاريخ تأسيسها، عظيمة في بنيانها وعمارتها وذات ادوار متقدمة في بث العلوم والمعارف واحتضان طلبة العلم القادمين من كل صوب وفج. جامعا عقبة والزيتونة شاهدان على تجذر الإسلام في افريقية * ففي تونس ارض افريقية والقيروان وفي سنة 50هـ وقع تخطيط مسجد عقبة منذ بداية النصف الثاني للقرن الهجري الأول والى اليوم لا يزال عامرا بذكر الله تخرج منه علماء الغرب الإسلامي الأعلام وقصده الطلبة من مختلف الأمصار وأشع على محيطاته القريبة والبعيدة بالعقيدة الصحيحة والدين القويم محافظا للأمة على مر العصور ما بلغه الصحابة الفاتحون لأهل هذه الربوع ومن حولهم من هدي محمدي قويم. * وهل يمكن أن نذكر هذا المسجد الجامع ولا نذكر بعضا ممن تعلموا فيه وتخرجوا منه ثم أصبحوا مدرسين فيه من أمثال: سحنون وأسد بن الفرات وابن أبي زيد وغيرهم عددهم كبير لا يمكن حصره وإحصاؤه في إطار الرعاية والعناية بهذا المعلم الديني العريق أذن سيادة الرئيس بأن يظل القرآن الكريم يتلى آناء الليل وأطراف النهار بين جنبات وأرجاء جامع عقبة. * وثاني المساجد والجوامع بعد جامع عقبة هو جامع الزيتونة بتونس العاصمة فقد وضع أساس هذا الجامع المعمور حسان بن النعمان سنة 79هـ عندما فتح تونس وأتم عمارته عبد الله بن الحبحاب سنة 110هـ ومنذ ذلك التاريخ وهذا الجامع العتيق يعج بالعباد وطلبة العلم وحفظة القرآن وكان هذا الجامع أول جامعة في بلاد الإسلام مشرقا ومغربا اتصل فيه السند العلمي لما يزيد على ثلاثة عشر قررنا من الزمان علم فيه علي بن زياد تلميذ الإمام مالك رضي الله عنه وعلم فيه ابن عرفة وابن خلدون. * وتواصل التعليم في جامع الزيتونة إلى بداية النصف الثاني من القرن العشرين على أيدي أعلام كبار ممن تعتز بهم تونس من أمثال آل عاشور وآل بيرم وآل النيفر وآل جعيط عليهم رحمة الله. جامعا عمرو بن العاص والأزهر بمصر وفي مصر هناك جامع الأزهر وهو جامعة احتفلت قبل سنين بالذكرى الألفية لتأسيسها وقد خرجت ولا تزال للمسلمين علماء في الدين وآخرين في الطب والهندسة والزراعة والاقتصاد والإدارة وقد تجاوز عدد طلابها في السنوات الأخيرة عشرات الآلاف من مصريين وقادمين من مختلف البلدان الإسلامية. جامعا القرويين والحسن الثاني بالمغرب وفي المغرب الأقصى هناك جامع القرويين الجامع والجامعة في مدينة فاس فقد اهتمت فاطمة بنت محمد بن عبد الله الفهري الرجل الصالح القادم من القيروان بجامع القرويين وأنفقت مالها في بنائه وتوسيعه وهو منذ سنة 243هـ منارة علم وهداية ومعهد فقه مالكي بالخصوص تخرج ولا يزال منه العلماء الأعلام الذين يزينون الجناح الغربي من العالم الإسلامي وانضاف إلى هذا الجامع العتيق جامع جديد هو جامع الملك الحسن الثاني بالدار البيضاء والذي يعد بحق تحفة معمارية راقية جدا فقد شيد جزء كبير منه على المحيط الأطلسي حيث وقف عقبة بن نافع، ومساحة هذا المسجد هكتارات وطاقة استيعابه تصل إلى 25 ألف مكان للرجال و5 آلاف مكان للنساء وقد استغرقت مدة انجازه 6 سنوات ونصفا حيث عمل فيه 10 ألف صانع وعامل على مدار الساعة بدون انقطاع وكل المواد التي استعملت فيه مغربية باستثناء الرخام والثريات ولهذا الجامع صومعة طولها 200م ترى من مسافة 70 كيلو مترا تهتدي بها سفن المحيط وفي هذا الجامع مكتبة ومتحف ومدرسة قرآنية واستراحة ملكية وقد تم الافتتاح الرسمي لهذا الجامع التحفة في شهر أوت 1993. والمساجد التاريخية عديدة لا تحصى فهي هناك في طشقند وبخارى واسطنبول وتمبكتو وتاج محل وقرطبة وغيرها وقد الفت في عمارتها وخصوصياتها كتب عديدة تضمنت كل المميزات وعرفت بما قامت به من ادوار متقدمة في خدمة الإسلام والمسلمين. اجتهاد المسلمين في كل القارات في بناء المساجد ولقد اجتهد المسلمون أفرادا وهيئات في تأسيس المساجد والجوامع خارج بلاد الإسلام حيث يوجد مسلمون إما مهاجرون لطلب العلم والعمل أو معتنقون للإسلام في أروبا وأمريكا وإفريقيا وآسيا، وهي جهود تذكر فتشكر كان وراءها أهل بر وإحسان وكانت وراءها همم وعزائم صادقة ومخلصة ولو كانت قليلة ذات اليد، وللمسلمين اليوم مساجد وجوامع في واشنطن ولندن وبون وروما وباريس ومدريد وليون وبروكسال وغيرها وبعض هذه المساجد جدير بحمل هذا الاسم والبعض الآخر هي عبارة عن مصليات متواضعة جدا لا تكاد تسع المصلين الذين هم في ازدياد والحمد لله. وفي مبادرة رائدة جديرة بالتنويه أعلن الأمين السابق لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة الدكتور عبد الله بن صالح العبيد عن الإعداد والتجهيز لتنفيذ مشروع إنشاء مسجد في كل عاصمة من دول العالم التي لا يوجد فيها مسجد تنفيذا لتوصية المجلس الأعلى العالمي للمساجد بالرابطة وذلك من خلال تأسيس صندوق خاص يعمل على تمويله من قبل الهيئات والمؤسسات الإسلامية ورجال الأعمال وجموع المسلمين ويتضمن المشروع إنشاء ما لا يقل عن خمسين مسجدا تقدر تكلفة الواحد منها ما بين مليون وثلاثة ملايين دولار. وقد أوضح الأمين العام بأن عواصم رئيسية في بعض دول العالم لا توجد فيها مساجد مع أن فيها سفارات وممثليات إسلامية وأقليات وجاليات مسلمة. وسيتم إن شاء الله بناء هذه المساجد ليتسع الواحد لما بين خمسمائة وألف مصل بالإضافة إلى كل المرافق الضرورية. والعواصم التي لا توجد فيها مساجد منتشرة في القارات الخمس يصل عدد المسلمين في بعضها إلى 30 ألف مسلم (عاصمة منغوليا) وعاصمة أوكرانيا (50 ألف مسلم) وعاصمة المكسيكو (أكثر من 30الف مسلم) وعاصمة ناميبيا وعاصمة البيرو ليما (أكثر من 100 ألف مسلم) وعاصمة الدومينكان (50الف مسلم) وغيها من العواصم الخمسين التي ليس فيها إلى حد الساعة مساجد وفيها مسلمون بعدد كبير، وانه لعمل مشكور ومشروع عظيم تتوج به الرابطة أعمالها الجليلة في خدمة الإسلام والمسلمين منذ أكثر من ثلاثين سنة. اخذ الله بيد من سيتفاعلون مع هذا المشروع العظيم الشأن الذي سيسدى للمسلمين أجل خدمة إذ سيكون المسجد مكان آداء صلواتهم، ومجال تلاقيهم، ومنطلق تعاونهم على البر والتقوى. ولا يدرك أهمية مثل هذا المرفق العظيم الشأن إلا من لا يجده قريبا منه مثلما هو الحال بالنسبة للعواصم الخمسين التي ليس فيها مساجد، وانجاز هذه المبرة التي لا يمكن أن يعلم إلا الله الأجر والثواب التي سيحوزه من يساهم في انجازها وبنائها بما في مقدوره ومستطاعه والتي لا نملك إلا أن نورد الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتنا في الجنة). ثواب بناء المساجد وعمارتها: كان بناء المساجد أول ما تتم المبادرة إليه عند النزول بأرض أو فتح مصر وفي ذلك إشارة صريحة تدل على خصوصية الأمة الإسلامية حيث يسبق بناء المسجد والجامع كل الأعمال الأخرى المتمثلة في المرافق الحياتية الضرورية واللازمة لكل تجمع سكني كبيرا كان أم صغيرا. والمسلمون بهذا الصنيع الذي ظل سنة متصلة يقتدون فيها برسول الله صلى اله عليه وسلم الذي ما إن نزلت به ناقته القصواء المأمورة في المدينة المنورة وحيث بركت اختط للمسلين أول مسجد أسس على التقوى من أول يوم. ولا شك أن في المبادرة من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بناء المسجد وفي اقتداء المسلمين به في كل الديار والأمصار وحيثما نزلوا في ذلك ما يدل على دور المسجد المحوري في حياة المسلمين أفرادا وجماعة. وكيف لا يكون الأمر كذلك وفي المسجد يؤدي المسلمون حق الله عليهم المتمثل في عبادته وعدم الشرك به هذه العبادة التي من اجل أدائها خلقهم وبعثهم إلى هذا العالم، ألم يقل جل من قائل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) ومن شرف وأهمية ما يقع القيام به في المساجد والجوامع ارتفعت مرتبتها وسمت على ما سواها من المواضع الأخرى مهما كان علوها وفخامة بنائها ومهما كانت مرتبة أصحابها. فالمساجد والجوامع هي أشرف وأفضل وأطهر وأقدس الأماكن فوق الأرض، إنها بيوت الله في الأرض. والعائد لكتاب الله القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتمثلة في أقواله وأفعاله وإقراراته يجدهما يزخران بالآيات البينات والأحاديث البليغة الفصيحة التي تتعرض لبيوت الله بناء وتشييدا وعمارة وصيانة وتأدبا وتعاملا واستفادة شاملة بما يكرم به الله تبارك وتعالى ضيوفه فيها ممن عمار بيوت الله وقد ورد التعبير عن هذه المواضع المقدسة التي تتخذ لعبادة الله في الأرض وكلمة مسجد (موضع السجود) (اقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد). وكلمة جامع فيها إشارة إلى الاجتماع والتلاقي على الخير والصلاح والفلاح وكلمة بيت وجاء ذلك في صيغتي المفرد والجمع حسب السياق. بيت الله الحرام بمكة المكرمة واشرف بيوت الله وأعظمها شأنا بيت الله الحرام الذي بمكة فقد أمر بإقامة أركانه بواد غير ذي زرع نبيان كريمان هما إبراهيم الخليل وابنه اسماعيل عليهما السلام إنه أول بيت وضع للناس (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) تعرض لمراحل بناء هذا البيت القرآن الكريم في عدة سور يكفي استعراض بعضها لمعرفة عظمة وقداسة هذا البيت العتيق الذي توعد الله تبارك وتعالى من يرد فيه بالحاد بظلم حيث قال جل من قائل (من يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم) وقص علينا المولى سبحانه وتعالى خبر أبرهة وجنده الذي لم يصغ إلى نصح عبد المطلب عندما قال له (أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه) وأبى إلا أن يتقدم بجنده المدجج بالسلاح الراكب على الفيلة نحو الكعبة المشرفة يريد هدمها فما زاد رب العزة والجلال على أن أرسل عليه وعلى جنده طيرا أبابيل رمته بحجارة من سجيل فجعلتهم كعصف مأكول (الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل الم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول) فكان مصير أبرهة وجنوده عبرة وموعظة لكل معتبر انه بيت الله الحرام مهوى أفئدة الناس إليه تتوجه وجوه المسلمين المؤمنين في كل صلوات (فولّ وجهك شطر المسجد الحرام) واليه يحجون كل عام يأتون استجابة لنداء إبراهيم الخليل عليه السلام بعد أن انتهى من إقامة أركان البيت (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق). واستعراض بعض ما ورد في القرآن الكريم من خبر هذا البيت فيه ما يدل ببلاغة عن عظمة هذا البيت يقول جل من قائل (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا انك السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة وارنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم) البقرة 128. وقوله جل من قائل (وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقكم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا نفثهم وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق) الحج 26، 27، 28، 29 ويقول جل من قائل ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود). ويقول جل من قائل (وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير). والمضيّ مع كتاب الله في تعرضه لبيت الله الحرام الكعبة المكرمة لا يمل ولا ينقطع فيض أنواره ولكن ما أوردناه من الآيات كاف للدلالة على عظمة هذا البيت وجلاله وهيبته وجماله ومن أكرمه الله فعاينه وطاف به وتعلق بأستاره وقبل الحجر الأسعد الذي جعل في أحد أركانه ووقف عند الملتزم (ما بين الحجر والباب) من أكرمه الله بذلك يعلم أن لهذا البيت خصوصية لا يمكن أن يرقى إليها أي موضع في الأرض مهما كانت فخامته وجماله وتزويقه، انه مقام الجلال الذي يصاحبه اضمحلال لكل كبرياء وشموخ وأنانية وغطرسة وعجب في الإنسان الظلوم الجهول فيتذلل عند البيت العتيق لربه ومولاه رب البيت ومعتق الرقاب وغافر الزلات سبحانه وتعالى (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما). ويأبى الله إلا أن يجعل شرف التتويج والكمال لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في دين الإسلام الذي جعل من التوجه في الصلاة التي هي عماد الدين إنما يكون إلى البلد الحرام مكة المكرمة حيث الكعبة المشرفة ويجعل من الحج إلى بيت الله الحرام (الذي يخرج به العبد من ذنوبه كيوم ولدته أمه) إنما يكون إلى مكة المكرمة والكعبة المشرفة. كما يجعل المولى سبحانه وتعالى ثواب الصلاة في المسجد الحرام يتضاعف فالصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة في ما سواه من المساجد، كما أن الله تبارك وتعالى جعل المسجد الحرام أحد الثلاثة مساجد التي تشد الرحال إليها. المسجد النبوي بالمدينة المنورة أما المسجد النبوي فإن خبره في كتاب الله منصوص فهو أول مسجد أسس على التقوى من أول يوم يقول جل من قائل (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين) التوبة 108. وكان بناء هذا المسجد كان ملحمة رائعة شارك فيها الجميع متطوعين يدفعهم إيمانهم وإيثارهم لما عند الله مما هو خير وأبقى عبرت عن تلك المشاعر الجياشة أشعارهم وهم يتنافسون في إقامة أركان هذا البيت الأول بعد بيت الله العتيق فأنشدوا: نحـن جـوار بنى النجـار * يـا جندا محمد من جـار وقولهم اللهم إن الأجر اجر الآخـرة * فارحم الأنصار والمهاجرة وقولهم لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعـدا وقولهم لئـن قعدنـا والنبي يعمـل * ذاك إذن للعمل المضلـل إنها مشاعر وأحاسيس فياضة وفرحة عارمة معتزين بالمساهمة في بناء هذا المعلم الخالد الذي سيصبح بعد تمامه ثاني الحرمين إليه تشد الرحال وفيه يتضاعف ثواب الصلاة: (صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في ما سواه) كما سيشهد هذا المسجد الجامع تنزل الوحي فيه واكتمال أركان الدين وأسسه يتنزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام ويتلقاه منه سيد المرسلين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ليبلغه للمؤمنين من حوله من أنصار ومهاجرين ومن يلحق بهم من بعدهم من صالح المسلمين كما سيشهد هذا المسجد الجامع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظام سائر شؤون المسلمين في هذه الحياة الدنيا وما ينتظرهم عند ربهم في الدار الآخرة من نعيم مقيم. ثواب من بنى لله مسجدا لقد استجاب المؤمنون لنداء ربهم في كتابه العزيز فآثروا ما بين يديه واعرضوا عما سواه وسعوا إلى ما دعاهم إليه يجتهدون فيه بإخلاص يقول جل من قائل (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) التوبة 18. فكان إعمارهم لبيوت الله ببنائها وتشييدها وإنفاق الغالي والنفيس في سبيل أقامتها تنافسوا في ذلك ابتغاء لرضوان الله وطمعا في ثوابه الذي أخبر عن بعض منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة) رواه البخاري ومسلم. وقال (من يبني لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة) رواه الإمام أحمد. لقد رأينا هذا التنافس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نزال نراه والحمد لله من امة الإسلام فيما شيد ولا يزال يشيد في كل ديار الإسلام من مساجد وجوامع. * وعمارة المساجد لا تتحقق بالبناء فقط بل لابد مع البناء من القيام بما أمر الله به من طاعات مختلفة: صلوات وأذكار وتسابيح وأدعية واعتكاف وهي المعنية في قوله جل من قائل (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) النور 36. من آداب المسجد * فبيوت الله إنما جعلت لطاعة الله وعبادته والمسلمون مدعوون إلى تجنيبها كل ما يمكن أن يحيد بها عن مهمتها الأصلية كمكان للعبادة والطاعة والسكينة والطمأنينة وتجنيبها كل ما يمكن أن يعكر صفو المؤمنين من لغط ولغو وغيرهما امتثالا لأمره جل وعلا (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) الجن 18. وقد تعرضت الأحاديث النبوية الشريفة إلى أحكام المساجد وآدابها وثواب ارتيادها وتعلق القلوب بها والأجر الذي أعده الله لضيوفه في بيوت الله حيث قال عليه الصلاة والسلام (إن بيوتي في الأرض المساجد وان زواري فيها عمارها) رواه أبو نعيم (ومن السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه: رجل قلبه معلق بالمساجد). وقال (من غدا إلى المسجد أو راح اعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح) رواه مسلم. وقال (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده) رواه مسلم. وقال (من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيرا وليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ومن دخل لغير ذلك كالناظر إلى ما ليس له) رواه أحمد. * ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم إلى التأدب مع بيوت الله أولا بدخولها على حالة طيبة: طهارة وجمالا ثم بالقيام بما يجب من تحيتها بالصلاة والدعاء عند الدخول والخروج وكذلك تجنب إيذاء المساجد وروادها باللغو والروائح الكريهة وغيرهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطوا المساجد حقها قالوا وما حقها؟ قال: أن تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا) وقال (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لنا أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك) رواه أحمد والنسائي وقال (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت). * كما أن من أكل ثوما أو بصلا منهي عن ارتياد المساجد إلى أن ترتفع تلك الروائح منه وذلك حتى لا يؤذي غيره ممن في بيوت الله. * ورواد المساجد مدعوون لترك رفع الأصوات في البيوت الله والجدل والتخاصم ونشدان الضالة والبيع والشراء وغيرها من شؤون الحياة الدنيا. قال عليه الصلاة والسلام (إنما هي المساجد لذكر الله الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن) متفق عليه. دور المسجد في المجتمع الإسلامي لقد كان المسجد قلب المجتمع النابض به بدا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حل بالمدينة، فاختار له عليه الصلاة والسلام الموضع المناسب بحيث كان يتوسط المتساكنين ومنه انطلقت رسالة الإسلام تغزو الآفاق، ومن محرابه خرجت للعالم دعوة التوحيد فاتت على كل ضروب الشرك والوثنية في الجزيرة العربية وفيه ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه وروضهم على مجاهدة أنفسهم ومحاربة ما رسب فيها من بقايا الجاهلية غارسا في مكانها أخلاقا إسلامية وقيما ربانية جعلت منهم دعاة صادقين وأخوة متآلفين متعاونين يجمع بينهم الإيمان ويؤلف بين قلوبهم ويتقاسمون الآمال والآلام لقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على جعل المسجد قطب رحى المجتمع ومركز تجمعه ومنطلق تحركه. لقد قامت المساجد بهذا الدور أحسن قيام فأخرجت للعالم جهابذة في كل فن ومحت من المجتمع شبح الجهل والأمية فسمت أذواق الناس وانتظمت أمورهم. كما لعب المسجد دورا في التكافل الاجتماعي والترابط الأخوي فشهد المسجد النبوي وفي جزء منه إيواء المعوزين والفقراء من أهل الصفة الذين كان منهم كبار الصحابة. وشهد المسجد إقتبال الوفود القادمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلن إسلامها. ومن المسجد انطلقت كتائب الإيمان مؤيدة مدعمة تحرسها عين الله وتكلؤها فلا يهزم جانبها ولا يفل حدها وفي المسجد تدارس المسلمون أمور دينهم ودنياهم وتشاوروا في كل كبيرة وصغيرة. لقد كان المسجد قبلة المسلمين وجهتهم لحل مشاكلهم والتعرف على بعضهم البعض ومنطلق مشاريعهم وأهدافهم. فالدور الكبير الذي لعبه المسجد في المجتمع الإسلامي لا ينكر ومهمته في إصلاح المجتمع وخدمته لا تخفى على احد وهو دور قام به في الماضي على أحسن وجه فجني المسلمون من ذلك الخير العميم والفوائد الكثيرة. ولم يكن المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر هذه الأمة مكان إقامة الشعائر الدينية فقط بل كان المسجد جامعة شعبية يتلقى فيه المسلمون على مختلف طبقاتهم وألوانهم شتى صنوف العلم والمعرفة فبين عرصات المساجد قامت حلقات العلم وازدهرت مجالس البحث في كل صنوف العلوم من تفسير وحديث وفقه وأصول وصرف ونحو وأدب وتاريخ وفلسفة ومنطق بل تعدته إلى علوم تبدو لأول وهلة مقطوعة الصلة بالمسجد والدين من مثل الطب والجبر والفلك والكيمياء. تلقى المسلمون الأوائل هذه العلوم المختلفة في بيوت الله وفي أجوائها الروحانية المشرقة فأنتجت علومهم للبشرية الخير والأمن والطمأنينة فهي علوم يتلقاها المسلم ليتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى وكلما ازداد المسلم علما ازداد قربا من الله وازداد خشية له مصداقا لقوله سبحانه: “إنما يخشى الله من عباده العلماء” وعملا بالهدي النبوي: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”. * والمسجد اليوم مدعو بان يعود إلى القيام بالدور المنوط بعهدته فحاجة مجتمعاتنا ماسة وأكيدة إلى خدماته الكثيرة. ففي خضم هذه المادية الطاغية وهذا التكالب على الدنيا وحطامها وفي موجة هذا التنافس المذهل والتسابق الغريب في شتى المجالات تزداد حاجة إنسان العصر إلى لحظات يخلو فيها بربه وينسى فيها همومه ويحاسب فيها نفسه ويقف فيها وقفات تأمل وخشوع ولن يتسنى له ذلك إلا في بيوت الله يجد فيها السكينة والطمأنينة وينشد فيها الراحة والأمن ويلتقي فيها بأخوة يحبهم ويحبونه يتعاونون في السراء والضراء يتناصحون ويتشاورون في كل صغيرة وكبيرة. * وضيوف الله في الأرض بحق هم زوار بيوته وعمارها وحق على المضيف أن يكرم ضيفه خصوصا إذا أكثر هذا الضيف من التردد في ظلام الليل الدامس وبرد الشتاء القارس وحر الصيف اللاهب فان له بكل خطوة يخطوها إلى بيت الله حسنة تكتب وذنب يغفر. وهل يعمر مساجد الله اله من آمن به وباليوم الآخر وكم تكون الخدمة جليلة والفائدة كبيرة عندما ينفتح المسجد (من يقومون عليه) على المجتمع المحيط به ويتعرفون على مشاكله وهمومه ويحاول أن يقدم حلولا لمشاكل الناس فستكون بلسما وشفاء لأمراضهم المزمنة وعللهم المتكاثرة. * إن على المسجد ورواده والقائمين عليه أن يزيحوا الحواجز المصطنعة التي أحكمت إفهام قاصره قصرت ارتياد المسجد وزيارته على المناسبات والجمع والأعياد فانقطعت الصلة بين المسجد والمسلمين وصرت ترى المساجد مقفرة إلا من شيخ مسن أو مصاب مكلوم أتى يسال الله تفريج كربه وذهاب غمه. إن هذا التصور لدور المسجد غريب عن الإسلام والمسجد معا فإذا كانت الكنائس والبيع والمعابد هي أماكن الطقوس الموسمية يقف فيها الأتباع أمام رجال الدين طلبا للتوبة والغفران فان المسجد في الإسلام مدعو إلى أن ينفتح على ما حوله ويتسع صدره لهموم الناس ومشاكلهم ويزيح عن أبصارهم ما غشيها من مفاهيم مغلوطة وآراء مشبوهة مأتاها الجهل وحده. ذلك أننا نعتقد اعتقادا جازما انه لا يبعد الناس عن الإسلام إلا جهلهم بحقائقه الرائعة ومبادئه السامية التي توافق الفطرة وتحترم الغرائز ولا تكبتها وتعد من آمن بها وتبناها بجنة في هذه الدنيا وجنة في الدار الآخرة (ولمن خاف مقام ربه جنتان) جنة في الدنيا يتنعم فيها برضى الرب والضمير وجنة في الآخرة يجازى بها عما قدمت يداه. فإذا ما اقترب المسجد في المكان فكان الناس في مساكنهم ومحلات عملهم يحيطون به من كل جانب تذكرهم مئذنته في اليوم خمس مرات: بان حي على الصلاة حي الفلاح وإذا ما اقترب من الناس بحيث اختلط القائمون عليه والمرتادون له بالناس وأشعروهم أن في بيوت الله كثيرا مما ينقصهم في المجتمع من صفاء وإشراق وسكينة وطاعة لله وان المسلم المرتاد لبيت الله ليس بالضرورة متزهدا منزويا تاركا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ضعيفا متخاذلا بل على العكس من ذلك يخرج من بيت الله قوي الإيمان وثيق الصلة بالله دائم الخشية له فلا يأتي منه للأفراد والمجموع إلا الخير والنفع، وهو غير مطالب بان يترك نصيبه من الدنيا، فان ذلك النصيب لم يحرمه عليه الله بل قال له في سؤال استنكاري: (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة). إذا ما وضح هذا التصور لدى الناس جميعا فلن تقفر المساجد ولن تخلو من المؤمنين، لا ولن يدعي مدع باستغنائه عما يقدمه المسجد من زاد روحي وشحنة إيمانية تعين الإنسان على الاستمرار في القيام بدوره باعتدال وتوسط. فإذا ما أضفنا إلى هذين القربين المعنوي والمادي أن يلحق ببيت الله روض قرآني عصري يقع التنسيق فيه بين المسجد والمدرسة فيلتقي الأطفال بالإضافة إلى مقررات الدراسة النظامية علوما دينية أخلاقا قرآنية وآيات محكمة تكون لهم عاصما وحافظا من الوقوع في مهاوي الرذيلة والفساد والجريمة آنئذ يمكننا أن نطمئن على أن المسجد يقوم بدوره الحقيقي وننتظر منه نتائج يكون فيها الخير لكل أفراد المجتمع.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.