دعوة الإسلام إلى التضامن الفعلي والتآزر الحقيقي بين أفراد مجتمعه

دعوة الإسلام إلى التضامن الفعلي والتآزر الحقيقي بين أفراد مجتمعه


يعتبر الإسلام بحق دين الإنسانية الصادقة والرحمة الشاملة بالبشر مهما كانت أجناسهم وألوانهم وأديانهم. فحق الحياة مكفول لكل إنسان لا يملك حرمانه منه إلا خالقه سبحانه القائل في محكم التنزيل (إنا نحن نحيي ونميت والينا المصير) ق43. إن قتل نفس بشرية واحدة ظلما وعدوانا هو عند الله كقتل الناس جميعا (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا) صدق الله العظيم المائدة آية32 وهذا التشنيع والتبشيع لجريمة القتل والتعدي على الآمنين المطمئنين دليل على كرامة الإنسان ومكانته عند خالقه وفي ذلك حماية للأنفس البشرية من أن تزهق وتقتل ويسفك دمها، وإذا كان الأمر بالنسبة للقتل بهذه الفظاعة فانه بالنسبة للإحياء والإنقاذ من الهلاك بكل طريقة ووسيلة عمل جليل فيعتبر من أحيى نفسا بشرية كأنما أحيى الناس جميعا. وهذا المنزع الإنساني التضامني يلاحظه الإنسان في عديد النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ذلك أن الإسلام يسعى جاهدا لتحقيق السعادة الفعلية للإنسان وذلك بصيانة حقوق الفرد وجعله عنصرا حيا متفاعلا مع المحيط الاجتماعي، فالفرد في المجتمع الإسلامي خلية حية سليمة قوية والمجتمع الإسلامي ويتكون من مجموع هذه الخلايا المتفاعلة المترابطة ببعضها البعض المتعاونة في السراء والضراء ولأجل ذلك جاء الأمر الإلهي للمسلمين فردا فردا بالتعاون مع بغضهم البعض على كل ما فيه الخير لهم جميعا (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) والبر هم الطاعة والامتثال لله رب العالمين وهو الخير والمصلحة للجميع والتقوى هي الخشية والخوف لله والاجتناب والابتعاد عما يغضبه مما حرمه على عباده. إن التعاون بين المسلمين ينبغي أن يكون في الخير العاجل والآجل الفردي والجماعي ولا يكون التعاون بين المؤمنين على فعل الشر سواء كان ذلك الضرر عاجلا أو آجلا فرديا أو جماعيا جسمانيا أو عقليا. إن المسلم لا يكون مسلما حقيقيا إلا عندما يحب لأخيه من الخير ما يحبه لنفسه ويكره لأخيه ما يكرهه لنفسه من شر وضرر. فلا مجال في مجتمع المسلمين إلى اللامبالاة وعدم الاكتراث بالغير، لا مجال في المجتمع الإسلامي إلى الأنانيين الذين يرددون قول من قال: (إذا مت ضمآنا فلا نزل القطر) إن المسلم ينبغي أن يكون مهتما شديد الاهتمام بأحوال إخوته في العقيدة وهو إذا لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ففي الحديث الشريف (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) وهذا الاهتمام ينبغي أن يكون اهتماما ايجابيا فعالا لا يتجاوز مرحلة المشاعر الجياشة والعواطف النبيلة إلى الخطوات الفعلية التضامنية فيسعى قدر طاقته لنصرة أخيه المسلم وتفريج كربه وقضاء حوائجه وإبلاغ صوته. فالصلة التي تربط بين المسلمين قوية جدا تصل في بعض الأحيان إلى مرتبة تتجاوز صلة الرحم والنسب فقد يكون إخوان من أم واحدة وأب واحد ومع ذلك يكون احدهما مسلما والآخر غير مسلم فلا ولاية بينهما بينما كل المؤمنين هم أولياء لبعضهم البعض بصريح الآية الكريمة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وهذه الولاية بين المؤمنين توجب لهم حقوقا على بعضهم البعض وقد وضح ذلك أجلى وضوح الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة). فبالإضافة إلى أن قتل المسلم حرام وظلمه حرام والتعدي عليه حرام إذا كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه بل إن مجرد استنقاص المسلم والسخرية منه ذنب عظيم حيث يقول عليه الصلاة والسلام (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل مسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله). والمسلم الحق هو الذي يسلم الناس من يده ولسانه وبالإضافة إلى كل ذلك فان المسلم مطالب بان يكون في عون أخيه المسلم عندما يحتاج إليه ينصره إذا استنصر به في غير ظلم وعدوان ويستجيب لصراخه وندائه إذا سمعه. وقد كانت صرخة المسلمة في أقصى الشرق وإسلاماه يستجيب لها المسلم في أقصى المغرب فيهب لنصرتها ورفع الظلم عنها. وقد بلغ بالمسلمين الأمر إلى الإقدام على الموت والهلاك من اجل أن ينقذوا إخوانهم من كل ضرر يلحقهم وصور لنا القرآن الكريم أجمل تصوير صنوفا من الإيثار والفدائية والتضحية لا غرض من ورائها إلا الإحراز على مرضاة الله ورسوله وبهذه الروح استقبل الأنصار إخوانهم المهاجرين وتقاسموا معهم الأموال والديار والنساء بطواعية وطيب خاطر يقول جل من قائل (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون غلى أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) سورة الحشر آية9. لقد تحقق في المجتمع الإسلامي التضامن الفعلي الذي أصبح به المسلمون فعلا كالجسد الواحد يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينا ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون (مثل المؤمنين في تواددهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وقرانا كيف بلغ الأمر بالمسلمين درجة من الإيثار تجاوزت الوصف (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا). إن الرحمة والرأفة والرقة والشفقة بالمؤمن وبالإنسان بصفة عامة وحتى بالحيوان مما دعا إليه الإسلام ورغب فيه بإلحاح ومدح الله سبحانه وتعالى أصحاب الميمنة حيث قال (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة) إن المؤمنين رحماء بينهم (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم). وفي الحديث الشريف يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم امسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا قال: في كل ذي كبد رطبة اجر). فإذا كان هذا الأمر بالنسبة للكلب فما بالك بالنسبة للإنسان أي إنسان والمسلم بصفة خاصة فان الإشفاق به والرأفة بحاله ومحاولة تفريج كربه وتضميد جراحه من علامة الإيمان. وشريعتنا الإسلامية مبنية على درء المفسدة وجلب المصلحة والمحافظة على كليات هي النفس والمال والعقل والعرض والدين، وكل ما يمكن أن يحافظ عليها ويحفظها سواء كان ذلك بالنسبة للإنسان أو لغيره فان الإسلام يدعو إليه ويرغب فيه ويعد بالأجر العظيم عليه. ولذلك أجاز فقهاء الإسلام إجراء عمليات ونقل الأعضاء والتبرع بالدم لإنقاذ المرضى والمصابين في حوادث المرور أو الأمراض المعضلة فكل ما تقع به المحافظة على الأرواح الآدمية والأنفس المسلمة وإنقاذها من الهلاك والضرر إلا ويدخل ضمن ما دعت إليه الشريعة ورغبت فيه، فالشريعة الإسلامية مبنية على درء المفسدة وجلب المصلحة إذ لا ضرر ولا ضرار والله تبارك وتعالى يريد لعباده اليسر ولا يريد لهم العسرا لم يجعل لعباده فيما شرعه لهم الحرج (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وحيث ما وجدت المصلحة فهنالك شرع الله. فكل مصلحة حقيقية لا تلحق ضررا بالغير لا يمانع فيها الإسلام بل يدعو إليها المسلم ومن هنا فان المسلم ينبغي أن يتجاوب ويسارع إلى فعل الخير خصوصا إذا كان هذا الخير الذي سيقدم عليه راضيا مختارا سينقذ نفسا بشرية من الهلاك فهو بهذا الصنيع يكون قد ساهم في أحياء نفس بشرية ومن أحيى نفسا فكأنما أحيى الناس جميعا. ليتصور المسلم ذلك المريض الذي ينتظر قطرات من الدم يتبرع بها عليه احد إخوانه في العقيدة والدين من الممكن جدا أن يكون المتبرع في نفس الحالة غدا ينتظر من يعيد إليه الأمل في الحياة وينقذه من الهلاك ويمكنه من فعل الخير والزيادة فيه لمصلحة الأمة جمعاء. من الممكن جدا أن يكون هذا المريض أخا لنا أو ابنا عزيزا علينا أو والدة أو والدا. فان مفعول تلك المبادرة والمسارعة إلى نجدته والتبرع بقطرات من الدم ستشعره بقوة رابطة العقيدة والأخوة بين المسلمين وستدفعه هو أيضا في يوم آخر إلى الإقدام على فعل الخير للغير وبذلك يترابط المسلمون فيما بينهم برباط صادق من الأخوة والتعاون والتضامن وهذا ما يرضى عليهم به ربهم ويجازيهم عليه أفضل الجزاء في الدنيا والآخرة إنهم يشدون بعضهم البعض كالبنيان المرصوص إنهم لا يضيعون بعضهم البعض. وديننا الإسلام هو دين التضامن الفعلي والتعاون الصادق المخلص والترابط الذي يبرز عمليا في المصاعب والشدائد ولا يعرف الإخوان إلا عند الشدائد. فكيف لا يقدم المسلم على فعل الخير ومساعدة الغير ودينه يدعوه إلى ذلك بإلحاح ويبيح له كل ما يحقق للمسلمين مصلحة عاجلة أو آجلة وكل ما يقوي اللحمة بينهم ورابطة الأخوة والتعاون على الخير إذ الإسلام هو دين الإنسانية الصادقة والأخوة المخلصة وما من أمر يحقق ذلك إلا ويبيحه الإسلام للمسلم طالما انه لا يتعارض مع مقاصد الشريعة وأصولها ونصوصها المحكمة المجمع عليها. إن دين الإسلام دين يصلح لكل الأزمنة والأمكنة ويجلب للمؤمنين الخير ويدفع عنهم الشر والضرر في أبدانهم وعقولهم وأديانهم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.