خواطر حول الملتقى العالمي التاسع للتصوف: التصوف في السياق المعاصر بمداغ المغرب الأقصى
تلبية لدعوة كريمة تلقيتها من الدكتور مولاي منير القادري البودشيشي مدير الملتقى العالمي للتصوف شاركت في أشغال هذا الملتقى: التصوف في السياق المعاصر: الحال والمآل أيام 10 و11و12 ربيع الأول 1436/ 2و3و4 جانفي 2015 بمداغ اقليم بركان جهة وجدة شمال شرقي المغرب وكانت مناسبة لحضور الاحتفالات الكبرى التي تقيمها سنويا الطريقة القادرية البودشيشية بإشراف شيخها سيدي حمزة أمدّ الله في أنفاسه وابنه الشيخ جمال وحفيده الدكتور منير *وسنة بعد سنة تشد هذه الاحتفالات المتميزة الآلاف ممن يأتون من مختلف المناطق والمدن المغربية بوسائل نقل خاصة وعامة (مئات السيارات والحافلات وبواسطة القطارات والطائرات..) ويأتي لحضور هذه الاحتفالات الكبرى ضيوف الطريقة واتباعها المنتشرون في أروبا و الأمريكيتين وآسيا وأستراليا فضلا عن البلدان العربية والافريقية و القادمون من المغرب وخارجه من كل الفئات العمرية فيهم الشيوخ والكهول ولكن أغلبهم من الشباب من طلبة الجامعات في مختلف الاختصاصات وتحضر هذه الاحتفالات نخبة متميزة من أساتذة الجامعات بأعداد كبيرة ملفتة للانتباه كما يحضر رجال الثقافة من المبدعين وتحضر المرأة بكثافة *ومواكبة هذه التظاهرة التي لا تقتصر على الليلة الكبرى الليلة المشهودة التي تنتظم بالجامع الكبير الذي هو في طور الانشاء الى جانب مشاريع كبرى علمية واجتماعية وثقافية تعمل الزاوية على إنجازها ليتم ويكتمل هذا المعلم الزاوية القادرية البودشيشية المتكون من فضاءات رحبة جميلة مكتملة المرافق تعانق سفحا مكسوا بالأشجار والحقول الفلاحية الخصبة مما يزيدها بهاء ويدخل الراحة والمسرة على زائرها * في الليلة الكبرى يوم المولد النبوي الشريف تلتقي الجموع في سهرة سماع وإنشاد تقدمها بأصوات عذبة فرقة الزاوية بقيادة الشيخ معاذ حفيد الشيخ فتتعالى الأصوات والحناجر بأرقى وأجمل المدائح النبوية والمواجيد الروحية والابتهالات والضراعات إلى الله ممزوجة بأبدع الصيغ في الصلاة على صاحب الذكرى سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. يشرف هذا الحفل البهيج شيخ الزاوية سيدي حمزة ويتابع جانبا منه بتفاعل كبير يهز كل الحاضرين من المريدين فيتعالى التكبير والذكر الخاشع المستغرق الذي يهز كل أرجاء المسجد الكبير والذي تزيده بهاء وجمالا الأضواء وكاميرات المصورين وأجهزة مختلف المحطات التلفزية التي تحرص على تغطية هذا الحفل الديني المولدي الشعبي الكبير الذي يعد اليوم أحد مظاهر احتفال المغرب الأقصى بالمولد النبوي الشريف إلى جانب الاحتفال الرسمي الذي يشرف عليه جلالة الملك محمد السادس كل عام في مدينة من مدن المغرب التاريخية العريقة (فاس، مراكش، مكناس) والمدن الأخرى (طنجة تطوان وجدة وغيرها) *ويشتمل حفل الليلة الكبرى في الزاوية القادرية على كلمات مختصرة يطلب من بعض الضيوف إلقاءها تكون في شكل شهادات لما رأوه وعاشوه طيلة أيام إقامتهم في رحاب الزاوية القادرية البودشيشية وكل ذلك يوثق ويبث بوسائط متعددة تحرص الزاوية على الاستفادة منه في سبيل مزيد الاشعاع والتعريف بأنشطتها المختلفة وتتفرغ لهذا العمل فرق من المختصين من تلاميذ الزاوية ومريدي الطريقة ويكون ذلك بمختلف اللغات *ويشتمل الاحتفال بالمولد النبوي على انعقاد الملتقى العالمي للتصوف الذي يشهد سنة بعد أخرى تطورا ملحوظا فالمشاركون عددهم كبير من الجامعات والهيآت المغربية العلمية والثقافية والمراكز المختصة خصوصا تلك التابعة للرابطة المحمدية للعلماء التي يتولى أمانتها العامة الدكتور أحمد العبادي (وهي مراكز مختصة بالبحث في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف وعلوم القرآن وعلوم الحديث والسيرة والشمائل وتصدر دوريات علمية محكمة (الاحياء الإبانة، الغنية، قوت القلوب وغيرها) كما يشارك في الملتقى العالمي للتصوف باحثون آتون من الجامعات في أروبا (فرنسا ألمانيا ايطاليا اسبانيا هولاندا انقلترا وكذلك من بريطانيا والأمريكيتين واستراليا وآسيا وافريقيا وبعض البلدان العربية) *و الملتقى العالمي للتصوف الذي تمتد جلساته إلى ساعة متأخرة من الليل بحضور يلفت الانتباه يبدو فيه الالتزام والانضباط والرغبة الجادة والصادقة في الاستفادة مما يقدم من مادة علمية حول التصوف بمختلف تجلياته وأهم محاوره يستعد لعقد دورته العاشرة في السنة القادمة وبنفس المناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وستكون هذه الدورة متميزة إذ سيقع فيها التقويم لما مضى من دورات: تقويم الحصيلة العلمية التي يحرص على تدوين مضامينها وتوثيقها لتكون مادة بين أيدي الباحثين والدارسين وبين أيدي آلاف التلاميذ والمريدين من أتباع الطريقة القادرية البودشيشية الذين يمثلون بمستوياتهم العلمية الرفيعة وبأدبهم وخلقهم الرضي: لطفا ورفقا وسماحة ولينا أحد نجاحات الطريقة القادرية البودشيشية التي تركز على تقوية الصلة بالله من خلال ذكره الذي لا يعرف الانقطاع فورد القادرية البودشيشية الأساسي هو لا إله إلا الله يذكره المريد في اليوم لا أقل من 15 ألف مرة (لا مبالغة) ويضيفون إلى ذلك فضلا عن قراءة القرآن الكريم قراءة كتاب الشفا للقاضي عياض وقراءة دلائل الخيرات للامام الجزولي وانشاد البردة والهمزية للامام البوصيري يواضب شباب الطريقة القادرية البودشيشية على ذلك فلا تفتر ألسنتهم عن ذكر الله فترى عليهم آثاره المتمثلة في الأنوار والإشراقات والآداب التي تغلب عليهم ان الشباب القادري البودشيشي نموذج للشباب المسلم المتوازن الذي لا تتأتى منه ولا يصدر عنه إلا ما فيه الخير للناس أجمعين وتلك هي ثمرة التربية الروحية التي هي ملاذ الأمة في المرحلة الدقيقة والحرجة التي تمر بها *إن الشباب القادري البودشيشي هو بارقة أمل للأمة بعدما زج بعشرات الآلاف من خيرة أبناء الأمة في متاهات تطرف وإرهاب، أخذوا على غرة وجعلوا منهم عبوات ناسفة متفجرة في حرب استهدفت فيها الأمة باسم دينها !وباسم الجهاد !وباسم الشهادة!ويا ليت ذلك كان لتحرير الأوطان وحماية المقدسات ومواجهة العدوان الخارجي الظالم أما وهو يستهدف الآمنين المطمئنين والأمنيين والعسكريين الذين يسهرون على أمن الناس وسلامتهم ويؤمنون عيشهم وسعيهم سواء لتحصيل العلوم والمعارف أو الكد في الحقول والمصانع تحقيقا لكفاية الأمة بل وتطال أعمال هؤلاء التي لا تمت إلى الدين في سماحته ورحمته بأية صلة الركع السجود في بيوت الله وفي الزوايا وتحرق وتدنس أضرحة صلحاء هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأولياء والصالحين بحجة مقاومة ومحاربة الشرك !! غير عابئين بأن لا إله إلا الله التي لا يفتر يرددها صباح مساء هؤلاء الأبرياء تعصم الدماء والأعراض والأموال كما ذكر بذلك صاحب الرسالة المبعوث رحمة للعالمين صاحب الخلق العظيم الرؤوف الرحيم بالمؤمنين في حجة الوداع عليه الصلاة والسلام حيث وقف يقول: ألا وان بلدكم هذا بلد حرام وشهركم هذا شهر حرام ألا وإن دماءكم وأعراضكم وأموالكم بينكم حرام كحرمة الشهر الحرام، لا تنقلبوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا هل بلغت اللهم فأشهد، ألا هل بلغت اللهم فأشهد. *كانت أيام الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف مشرقة مليئة بالأنوار وكانت فرصة للقاء ثلة من الأساتذة الكبار من أمثال الدكتور الفيلسوف طه عبد الرحمان والدكتور أحمد العبادي والدكتور أحمد قسطاس والدكتور الصكلي وغيرهم من أعلام المغرب الشقيق الذين تابعوا وشاركوا في أشغال الملتقى وواكبوا فعاليات الليلة الروحية الكبرى بتلقائية وفعالية في إشارة واضحة إلى ان التزكية الروحية والتصوف لها اليوم دور في تحقيق التوازن المنشود والذي يفرضه الواقع الذي تعيشه الامة الإسلامية والمتمثل في التمزق والاختلاف وظهور تيارات التطرف والارهاب ولذلك كان من المحاور الرئيسية للملتقى التاسع نقطة التصوف حصن ضد التطرف الذي كانت مساهمتي ببحث حاولت فيه أن أسلط الضوء على مشكلة التطرف وكيفية تحصين فئات الأمة ضده والتي لا تكون بغير التزكية (قد أفلح من تزكى..) وهو المعنى الذي أوجزت فيه القول في الشهادة التي أدليت بها في ليلة الاحتفال الكبير وخلاصة القول إن الزاوية القادرية البودشيشية بما يدور في رحابها من فعاليات علمية واحتفالات دينية تمثل نقلة نوعية يسجل لها بكل إكبار وتقدير تشكر عليه وعلى كرم ضيافتها
