تفسير سورة الجن | تفسير آيات من القرآن الكريم للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله

تفسير سورة الجن | تفسير آيات من القرآن الكريم للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله


            الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين

يقول الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

: ( إنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا و أنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا و شهبا و أنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن بسمع الآن يجد له شهابا رصدا و إنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم رشدا وأنا منا الصالحون و منادون و ذلك كنا طرائق قددا و أنا ظننا إن لن نعجز الله في الأرض و لن نعجزه هربا )

صدق الله العظيم

مازلنا نتابع حكاية الجن و الإنس الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستماع إلى قرآنه الكريم و إلى الاغتراف من معينه الصافي و لقد كان آخر حديثنا عما ذكره الجن من سخافاتهم و سخافات الإنس و في جاهليتهم الأولى عندما كان أبناء آدم يستعيذون بسيد كل واد من سفهاء قومه و في هذا العدد نسمع أولا إلى تعليق هؤلاء الوافدين المؤمنين  عن هذه التصرفات الساذجة الرعناء فلقد قالوا لقومهم : ( و انهم ظنوا كما ظننتم إن لن يبعث الله أحدا ) إن كلمة الظن هنا لا يقصد منها إلا الاعتقاد و اليقين إذ كلا الفريقين كان يعتقد اعتقادا راسخا ان الله لن يبعث رسولا يأتي بقرآن يهدي إلى الرشد كما أنهم أيضا يعتقدون إن من يموت من مخلوقات الله لن يبعث من بعد موته ليحاسب عما اقترفت يداه و كلا العقيدتين قد ظهر سخفهما و بطلانهما إذ ها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث بكتابه المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلى عقائده التي اقرها و ألح علي دعمها و تثبيتها حقيقة بعث المخلوقات بعد موتها ليجازى المحسن عن حسانه و المسئ عن اسائته .

و يمضي النفر من الجن  الوافدين على رسول الله صلى الله عليه و سلم في تصحيح العقيدة و إقامة الأدلة على ثبوتها بما لمسوه من حقائق جديدة ظهرت آثارها جلية للعيان في الكون وفي كامل أنحاء الوجود وفي أحوال الأرض و السماء فما عليهم إذا إلا أن ينفضوا أيديهم تلك المحاولات التي لا تتفق مع إرادة الله و ما عليهم إلا أن يوطنوا من أنفسهم على تحمل و تقبل الهدي الالهي الجديد : ( وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا  شديدا و شهبا و إنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن بجد له شهابا رصدا و إنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) هذه الحقائق التي حكاها القرآن عن الجن و تصرفاتهم توحي بأنهم كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كما ألمحنا على ذلك يسترقون السمع لينزلوا بما استرقوه إلى الكهان و العرافين فيظللون به ضعاف الإيمان و ضعاف العقول مما يأخذونه مشوشا من صرف الأقلام و تلقي الأوامر و الأحكام و لئن كان ذلك متاحا في أزمنة ما قبل البعثة فانه لم يعد متسن لأحد من المردة و الشياطين بعد أن بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو الشأن عند بعثة غيره من الرسل ليسلم الوحي السماوي من التضليل و التشويه بهذه الأشياء التي يتمنى إبليس و جنده أن يجدوا لها فرصا مواتية ليلبسوا على الناس دينهم      

أما فيما يتعلق بالتاريخ فهناك رواية أخرى تثبت أن الحادثة  وقعت أثناء رجوع الرسول صلى الله عليه و سلم من الطائف لما خرج إلى أهله بعد موت عمه أبي طالب ينشد حمايتهم و يعرض عليهم الإسلام فخيبوا أمله و أغروا به سفهاءهم حتى توجه إلى ربه بذلك الدعاء الحار فكان باكورة لنصر شامل يعم الإنس و الجن الجديد و انه يطيب لي أن أسرد لكم دعاء الرسول الأعظم صلى الله عليه و سلم حتى نعيش معه ذلك الجو الروحاني الغامر (اللهم اليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي و هواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين و أنت ربي الي من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي و لكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات و صلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى و لا حول و لا قوة إلا بك )

        و لنعد بعد هذه العجالة المقتضبة إلى تتبع الآيات قلنا في مفتتح هذا الحديث أن السورة ابتدأت بأمر من الله سبحانه و تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول ما أوحي به إليه من استماع الجن القرآن و تأثرهم به ( قل أوحي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا أنا سمعنا  قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به و لن نشرك بربنا أحدا ) و يمضي القرآن في حكاية قول الجماعة الذين استمعوا و يصور تأثرهم و عمق إيمانهم و تنزيههم للخالق عما يلصقه به الجاحدون و الكافرون فيقول ( و انه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة و لا ولدا) و لقد اعترفوا بعظمة ربهم و بوحدانيته و باستغنائه المطلق عن الزوجة و الولد الذي ألصقهما به الملحدون من النصارى و الزائغون منهم، ثم يتعرض هؤلاء المستمعون إلى تفنين و إبطال ما كان يقوله سفيههم الذي هو إبليس أو الذي هو مطلق سفيه منهم من أقوال لا تخلو من مبالغة و تزيد و شطط : ( وانه كان يقول سفيهنا على الله شططا) بعد ذلك يعلنون تحيرهم وتعجبهم من الكذب على الله سواء أكان ذلك الكذب صادرا عن انسي أم عن جني ( وإنا ظننا أن لن تقول الإنس و الجن على الله كذبا) و يمضون بهذا فيتعرضون إلى ذلك الخوف و الجهل الذي كان تشترك فيه كل من الإنس و الجن في جاهليتهم الأولى ذلك أن الرجل من الانس كان إذا مر بمكان قفر مخوف قال : (أعوذ بهذا الواد من سفهاء قومه) يريد بذلك الجن و كبيرهم فإذا سمع الجن ذلك استكبروا فزادهم رهقا أي زاد الإنس الجن إثما باستعاذتهم بهم لأنهم كفروا و يمكن أن يقال فزاد الانس و الجن رهقا أي تعبا و خوفا و بعد أن صحح الإسلام المفاهيم الخاطئة و ابعد السخافات عن عقول معتنقيه حرم تحريما قطعيا على الإنسان أن يستعيذ بغير الله و لقد أوصى النبي صلى الله عليه و سلم أمته بأن يقول من شعر بخوف أو ارتباك منهم : ( أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يتجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما يلج في الأرض و ما يخرج منها و ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها من فتن النهار و من طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير ) هذه بعض نفحات الإسلام التي يحرر بها النفوس من أسر الشك و الشرك و الخوف و هذا الدين الذي جاء بالتحرير: تحرير العقول من الأوهام والخرافات و تحرير الرقاب من العبودية لغير الله .



 

الشيخ الحبيب المستاوي

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.