تطابق كامل بين هدي الاسلام وما تدعو اليه برامج البيئة

تطابق كامل بين هدي الاسلام وما تدعو اليه برامج البيئة


يجد الباحث في منزلة النظافة والحفاظ على البيئة مادة دينية غزيرة قوامها عشرات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة فضلا عن الآثار والقواعد الفقهية وما ذلك الا لأن ما جاء به سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من عند ربه للناس أجمعين ان هو في النهاية الا دعوة لما يحييهم أمروا من طرف المولى سبحانه وتعالى ان يستجيبوا له ان كانوا يريدون النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة والاسلام يشترك مع الديانات التي جاءت قبله في كل ما يتعلق بالعقائد الايمانية والأخبار الغيبية والتضمن لمنهجية العبودية لله رب العالمين إلا انه يتميز عليها بأنه يعين المسلم ويساعده على سلوك المنهج القويم والطريق المستقيم الذي يستجيب به بدون انحراف لما خلق الله فيه من رغبات وآمال وتطلعات يلتقي في اعتبارها العقل السليم والشرع الحنيف المنزه عن كل تحريف والنظافة والحفاظ على البيئة من الميادين التي نالت من تعاليم الاسلام منتهى العناية والرعاية باعتبار ان النظافة والحفاظ على البيئة يحققان للكائن البشري السلامة البدنية والراحة النفسية والوقاية من كل ما عسى ان يتهدد مصالح الانسان العاجلة والآجلة الفردية والاجتماعية ومن المعلوم ان الشريعة الإسلامية في كل ما نهت عنه وأمرت به لا تخرج عن درء المفسدة وجلب المصلحة للانسان باعتباره أكرم مخلوق وأشرف موجود وباعتباره خليفة الله في أرضه وان الناظر بتمعن وتدبر في ذات الانسان وفي كل ما يحيط به يلاحظ التسخير لكل ما خلق الله في الكون من أجل ان تهنأ وتطيب وتسعد حياة الانسان ولا تكتفي تعاليم الاسلام بمجرد السكوت وهو في حد ذاته عند العلماء إشارة بفتح الباب على مصراعيه أمام المسلم لكي يتخذ لنفسه من الأسباب ما يدرء به المفاسد ويجلب به المصالح بل ذهبت تعاليم الاسلام الى أبعد من ذلك مدى حيث وردت عشرات الآيات والأحاديث النبوية الداعية للمسلم لأخذ حذره والمحافظة على ما وهبه الله سبحانه وتعالى والتصرف فيه بحكمة ورفق كما حرمت تعاليم الاسلام على المسلم كل ما يمكن ان يتسبب به لنفسه ولغيره من فساد وضرر وليس من قبيل الصدفة ان نقرأ في كتاب الله العزيز العديد من الآيات القرآنية التي تصرح بهذا التسخير ولا تكتفي فيه بالتلميح والإشارة وما ذلك الا لتقييد هذه النعم التي انعم بها الله على عباده بالشكر والنظر من خلا لها الى رحمة الله بعباده كما ان هذا التذكير ببعض نعم الله على الانسان إقامة للحجة والبرهان على قدرته سبحانه وتعالى هذه القدرة التي لا يمكن أن تطاولها أية قدرة أخرى، وفي هذا التذكير ببعض نعم الله وما سخره لعباده في البر والبحر والجو بانهم مؤتمنون على هذه النعم ومدعوون الى ان يتصرفوا فيها برشد والآيات المذكرة بهذا التسخير الإلهي لما في الكون تتحدث عن تسخير ما في السماوات وما في الأرض جميعا سورةالجاثية، وتسخير الفلك التي تجري في البحر وتسخير الأنهار والشمس والقمر والليل والنهار، سورة ابراهيم وتسخير البحر وما فيه من لحم طري والحلية التي تلبس والفلك المواخر سورة النحل، وفي القرآن الكريم حديث مطول عن السماء الدنيا وكواكبها وكيف بنيت وزينت وكيف رفعت بغير عمد فضلا عن تسخير الأرض بما فيها من جنات ونخل وزرع مختلف أكله والزيتون والرمان وكثيرا ما تختم هذه الآيات البينات بمثل قوله تعالى ولعلكم تشكرون لآيات لقوم يعقلون قليلا ما تشكرون ان في ذلك لآيات لأولي النهي لقوم يتفكرون ان في ذلك لآية لقوم يسمعون ولا يخفى ما في ذلك من تنبيه وتحذير وتذكير فالمادة البيئية في كتاب الله العزيز القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة مادة غزيرة جديرة بالدراسة والاستلهام وهي خير نبراس نهتدي به اليوم ونحن نؤسس لوعي بيئي يعمل جاهدا للحفاظ على ما وهب الله وسخر لبني آدم في هذا الكون من خيرات بعضها تدركه العين المجردة وعموم الناس وبعضها الآخر مما لا يزال مكنونا يتوصل الى استكشافه بين الفينة والأخرى الراسخون في العلم الذين يقول لسان حالهم (سبحانك ما خلقت هذا باطلا) وافساد ما خلق الله وسخر واتلافه والعبث به والحاق الضرر به من اكبر الكبائر في دين الاسلام وهو حرام على المسلم لأنه ظلم وعدوان لذلك وردت الآيات القرآنية المرهبة والمحذرة من الإفساد في الأرض يقول جل من قائل في هذا السياق (ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) الأعراف ويقول (واذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) سورة البقرة والمسلم له من اسمه نصيب انه سلام على نفسه وغيره وعلى كل ما خلق الله في الكون كما ورد في الحديث الشريف (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) وهذه السلامة من اليد هي السلامة المباشرة والسلامة غير المباشرة اذ لا يمكن ان يترك المسلم ضر غيره ثم يتأخر عن الحاق الأذى والضرر الغير بطريق غير مباشرة وذلك من خلال ما يمكن ان يقدمه له مما فيه من ضرر أو من خلال إتلاف خير كان في طريقه الى الغير، ان يد المسلم يد سمحة، إنها يد رفق وإحسان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله كتب الإحسان على كل شيء فاذا قتلتم أحسنوا القتلة واذا ذبحتم أحسنوا الذبحة) وستظل أبد الدهر خالدة تلك الوصية التي أوصى بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيشه الخارج للفتح حيث نهاهم عن قتل النساء والأطفال أو قطعها ونهاهم عن قتل الحيوان، والمؤمن امن وطمأنينة على نفسه وغيره وكل ما يحيط به ولا يمكن ان يروع أحدا من خلق الله أو يتسبب في ضرر أو إتلاف شيء مما خلق الله فسمة المؤمن هي الرفق واللين حتى اذا مشى على الأرض فانه يمشي عليها هونا واذا ما توصل اليوم الباحثون والدارسون والمختصون في مجالات البيئة المتعددة الى أنه لا بقاء للحياة في الكون بغير القصد والرفق وحسن الاستعمال والاستفادة مما خلق الله في الكون فان تعاليم الاسلام وشريعته السمحاء تشد على أيدي هؤلاء الرواد وتعاضد جهودهم الخيرة وتباركها من الأعماق تدعو المسلم بدافع من ايمانه واستجابة لأمر ربه ورغبة في جزيل ثوابه فضلا عن حصول عاجل المنفعة الى الانخراط في هذا الوعي البيئي الذي تشتد الحاجة الماسة اليه يوما بعد يوم حفاظا على حياة الانسان مما يتهددها من مخاطر التلوث بكل أنواعه ورعاية لحقوق الأجيال القادمة في وما وهب الله وسخر للانسان من خيرات في هذا الكون، نعم الله من لطف الله بعباده ان جعل كثيرا مما سخر ووهب للانسان في الكون يتجدد وفي طليعة ما يتجدد الماء هذا الذي هو بعد الله يعد سبب بقاء الحياة في الكون يقول جل من قائل (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وحديث القرآن الكريم عن الماء حديث مستفيض ويتكرر التذكير بقيمة وأهمية هذه النعمة التي أنعم بها الله سبحانه وتعالى على عباده وكل مخلوقاته وكائناته يقول جل من قائل في كتابه العزيز (وهو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) النحل ويقول (وأرسلنا الرياح لواقح فانزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه وما انتم له بخازنين ) الحج ويقول (والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم ) النازعات ويقول ( والله انزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ان في ذلك لآية ليقوم يسمعون) النحل، فهذه الآيات وغيرها تذكر المسلمين بل وغير المسلمين من عقلاء الناس بقيمة الماء واهميته وان وراء انزاله من السماء وجعله ينبع من الأرض ولا يكون غورا إرادة وقدرة الهية تريد خيرا بالانسان وتريد من هذا الانسان ان لا يبذر هذا الماء وان يحسن استعماله وان لا يلوثه أو يلطخه بأية وسيلة من الوسائل القديمة أو المستجدة وقد وردت في النهي عن تلويث المياه والتسبب في قذارتها وتحولها من حالة الطهارة الى حالة النجاسة والفساد أحاديث نبوية عديدة منها قوله عليه الصلاة والسلام في ما رواه ابن ماجة (لا يبولن احدكم في الماء الراكد ) كما وردت احاديث أخرى في هذا المعنى حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبول الرجل في مستحمه رواه ابو داود (لا تبل في الماء الدائم )اي الراكد الذي لا يجري ثم تغتسل منه رواه مسلم (لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم الراكد وهو جنب ) رواه مسلم (اتقوا اللاعنين) اي الآمرين الجالبين اللعنة لفاعلهما قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى (يتغوط) في طريق الناس وظلهم ) مسلم (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل) أبو دواد ولا شك ان هذه الأحاديث والآثار ان هي الا منطلقات تمنع أدنى الأذى وأقل الضرر وأبسطه جاعلة الانتهاء عن الأشد والأكثر إفسادا وضررا من باب أولى وأحرى فما يمكن ان يلقى في الأودية والأنهار والبحيرات والبحار وحتى الفلوات الشاسعة من مواد كيمياوية أو مواد سامة وضارة في العاجل والآجل على ما ينبت من الأرض أو ما هو في خباياها وبطونها واضح الحرمة جلي المخالفة لمقاصد الدين الاسلامي الحنيف وتشريعاته السمحة وكل ما من شأنه ان يقي البيئة والمحيط من المخاطر والأضرار العاجلة والآجلة التي تسبب فيها الانسان بحكم تطور حياته في المجالات المادية والصناعية مما ينبغي التعجيل والمبادرة الى اتخاذه وهو ما يتمثل في مد القنوات ونصب محطات التطهير ومعالجة المياه المستعملة حفاظا على حياة الانسان وصيانة لما له من خيرات والمطلوب من المسلم حفاظا على صحته وسلامته ان يكون نظيفا في جسمه وملبسه وماكله ومسكنه ومحيطه الذي يبدأ من باب منزله الخارجي ليمتد الى السوق والطريق ومكان العمل ووسيلة النقل وغيرها من الأماكن التي يمكن ان يظهر فيها فساد الانسان الذي هو من كسب يده كما يقول الله تبارك وتعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) سورة الروم، ان الاسلام ولحكمة الهية بالغة ربط بين مصلحتي المسلم العاجلة والآجلة فقال جل من قائل (ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) سورة البقرة وقال (فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله يحب المطهرين) سورة التوبة وقال (يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى الكعبين) سورة المائدة، وقال (وان كنتم جنبا فاطهروا) سورة المائدة وقال (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) سورة النساء فكل هذه الآيات الى جانب أحاديث نبوية عديدة تبين ان المسلم لا يمكن ان يكون الا نظيفا النظافة الكاملة الشاملة ففضلا عن النظافة الخلقية قلبا ولسانا وسيرة وسلوكا فان المسلم مدعو بما سلف من الآيات وبما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكون نظيفا في كل أحواله ففي حديث جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نوكىء نربط فوهة أسقيتنا ونغطي آنيتنا رواه ابن ماجة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أراد أن يأكل غسل يديه رواه النسائي وقال عليه الصلاة والسلام (من بات وفي يديه ريح من غمر فأصابه شيء فلا يلومن الا نفسه ) رواه الترمذي وقال (خمس من الفطرة الختان وحلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظافر وأخذ الشارب) رواه النسائي والأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجال كثيرة وعديدة وبالخصوص في مادة الوضوء الذي قال في حقه رسول الله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان) رواه مسلم، (مفتاح الصلاة الطهور) رواه أبو دواد (لا صلاة لمن لا وضوء له) رواه ابن ماجة (لا يحافظ على الوضوء الا مؤمن) رواه الدرامي الى غير ذلك من الأحاديث الحاضة للمسلم على تكرار الوضوء والمحافظة عليه ولا تخفى فوائد الوضوء الصحية الجسمية فهو يتعهد بالماء الطهور الأعضاء الأكثر تعرضا للأوساخ والجراثيم من جسم الانسان بحكم كشفها ومع أهمية الوضوء وقيمته التعبدية وانه مما لا تتم الصلاة الا به وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ومع ذلك فانه يسقط عند فقدان الماء أو عندما تكون الكمية الموجودة من الماء لا تكفي الا للحفاظ على الحياة من مأكل ومشرب وحتى عند توفر الماء بغزارة فان المسلم منهي عن تبذيره واتلافه ولو كان ذلك للتطهر والوضوء فقد كان عليه الصلاة والسلام يكفيه القليل منه كما انه عليه الصلاة والسلام مر ذات يوم بصحابي يتوضأ ويستعمل الكثير من الماء نهاه عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعجب الصحابي: أفي الوضوء تبذير؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو كنت على نهر جار، فتبذير المياه حرام في دين الاسلام: في الوضوء والطهارة وفي غيرهما من باب أولى وأحرى لأن التبذير ليس من خلق المسلم، ان خلق المسلم هو القصد دائما في كل شيء وهدي الاسلام في هذا المجال هو خير معين لنا في حملات التحسيس من أجل الحفاظ على نعمة الماء ورعاية حقوق أجيالنا المقبلة فيها والخلاصة التي يجدر بنا ان ننهي بها هذا الاستعراض السريع لمادة النظافة وحماية المحيط في ديننا الاسلامي الحنيف ان الاسلام لم يكتف بنهي المسلم عن الإضرار بالغير وبالبيئة بل دعاه الى ازالة هذا الضرر واعتبره من المنكر الذي يجب تغييره باليد بل اعتبر ازالته من شعب الإيمان حيث قال عليه الصلاة والسلام (الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) وما أجمل التعبير في الحديث بكلمة الأذى على عمومها وإطلاقها لتشمل الحجارة والشوكة والحفر والغدران وسائر الأوساخ ولم يكتف الاسلام بذلك بل دعا المسلم الى المساهمة في الحفاظ على ما وهب الله من خيرات والزيادة فيها لينتفع من تلك الإضافة كل من خلق وما خلق الله من انسان وحيوان وأحاديث الغراسة والزرع كثيرة منها ذلك الحديث الذي ينضح أملا (لو كانت الساعة تقوم وبيد احدكم فسيلة فليغرسها فله بذلك أجر) وقد اعتبرت الشجرة التي يغرسها المسلم بمثابة الصدقة الجارية التي تلحق لغارسها الأجر و لا يخفى على أحد ما للغراسة والتشجير من فوائد صحية وبيئية وطبيعية واقتصادية



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.