تحديات تواجه الأسرة المسلمة

تحديات تواجه الأسرة المسلمة


ليس في إمكاننا في بحث موجز كهذا أن نأتي على التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة وحسبنا في هذه المحاولة أن نشير إلى أهم التحديات بدون أن نزعم لأنفسنا الإحاطة بها أو تقديم الحلول لها. ولكنها محاولة تندرج ضمن عديد المحاولات السابقة واللاحقة. والواقع إن التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة هي تحديات تواجه الفرد المسلم والمجتمع المسلم والأمة الإسلامية. والأسرة خلية حرص الإسلام على رعايتها ونموها دعم أسسها وأركانها وأرادها قوية متينة لان في قوتها وسلامتها قوة للمجتمع وسلامة له لأجل ذلك حرصت تشريعات الإسلام وأحكامه على تركيز لبناتها وسمت بالعلاقة التي تربط بين أفرادها فجعلتها فوق الغايات والمصالح المادية وإن كانت هذه الغايات وتلك المصالح تتحقق لكل أفراد الأسرة من باب الحاصل غير المقصود. ولئن موضوع هذا البحث لا يتعلق بالأسرة في الإسلام ولا بجانب تشريعي معين من تشريعات الإسلام في مجال الأحوال الشخصية إلا أنني أجد نفسي مضطرا إلى الإشارة العابرة إلى روح التوجيهات الإسلامية في هذا المجال لأنطلق منها إلى موضوع التحديات التي تواجه الخلية الأساسية في المجتمع الإسلامي. إذ لعل هذه التوجيهات الإسلامية النيرة تساعد الأسرة المسلمة إن هي عادت إليها في تخطي كثير من المشاكل ومواجهة عديد التحديات وتجاوزها بسلام. إن القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة يزخران بالنصوص المذكرة بالحقائق الأولية من مثل قوله تعالى: [يا أيها اللذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم](1) ومثل قوله تعالى : [والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة](2) أو قوله تعالى: [ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون](3). إن لاجتماع الزوجين: الذكر والأنثى غاية تتعدى تلبية الحاجات الغريزية الشهوانية إلى الإنجاب الذي به يتواصل عمران هذا الكون. وهؤلاء البنين والحفدة هم ثمرة ود ومحبة وصفاء ووئام جعله الله بين قلبي الزوجين حتى أصبح كل منهما سكنا للآخر أو كما عبر القرآن في موضع آخر: [هن لباس لكم وانتم لباس لهن] وهل هنالك شيء أقرب للإنسان من لباسه؟ والزوجة الصالحة في منظار الإسلام هي التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم: [تنكح المرأة لما لها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك](4) والزوج الصالح هو ذلك الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم: [إذا جاءكم من ترضون دينه وآمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير](5) ويبين الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين صفات الزوجة الصالحة فيقول: إنها تلك التي [إذا غاب زوجها حفظته في نفسها وماله وإذا امرها اطاعته وإذا نظر إليها سرته] ويجعل الرسول صلى الله عليه وسلم من أسباب سعادة المرأة واحرازها على رضوان الله تبارك وتعالى طاعتها لزوجها فيقول في حديث شريف: [إن المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها واطاعت زوجها دخلت الجنة](6) وسوف لن استرسل في ذكر توجيهات الإسلام في هذا المجال مذكرا فقط أن الإسلام أكد على دور الزوج وأمره بالالتزام باداب الإسلام وتوجيهاته إذ قد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفات يخطب: [استوصوا بالنساء خيرا فإنهم عوان بين ايديكم)(7) ولإن أعطي الإسلام القوامة للرجل فهي قوامة مسؤولية واشراف أسسها التقدير للمسؤولية والقيام بها أحسن قيام وليس التسلط والتجبر والاستغلال الفاحش لضعف المرأة وجعلها متعة وشهوة تؤتى حتى إذا ما ذبلت لفظت لفظ النواة أو استبدلت بأخرى. وثمرة كل زواج الأبناء : اعتنى الإسلام بهم عناية عظمى وهي عناية تسبق يوم ولادتهم إلى اختيار الأم حيث نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: [تخيروا لنطفكم فان العرق دساس](8). وإذا ما نزل الوليد إلى هذا العالم فان من حقه على والديه أن يحسنا اختيار اسمه ويشرفا على شؤونه أحسن أشراف ويربيانه تربية أصيلة خصوصا وهو صفحة بيضاء: [يولد الولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه](9) وجعل الإسلام الأولاد ثمرة زواج شرعي ينسبون به إلى أصولهم المعروفة المعلومة مع ما في ذلك من حفاظ على كرامتهم وعزتهم وعدم إلحاق أي ضرر معنوي بهم إذ لا يخفى ما يعانيه الأطفال غير الشرعيين من عقد ومشاكل تظل مسيطرة عليهم طيلة حياتهم ومهما تطورت المجتمعات البشرية وتحررت من القيم السماوية فإنها لا تزال حريصة على إثبات الأصول والمحافظة على الأنساب. ومنهج الإسلام في هذا المجال واضح لا غبار عليه يسد كل منافذ الانحراف والأبواب المؤدية إليه ويدعو إلى وقاية المجتمع من كل الآفات والأمراض. ونظرة الإسلام إلى الأولاد نظرة تحررية تقدمية لا تفرق بين الذكر والأنثى ونحن لا ندرك عمقها وبعد مداها إلا متى وضعنا في اعتبارنا الظروف الاجتماعية التي ظهر فيها الإسلام سواء كان ذلك في المجتمع العربي الذي وصل به الأمر إلى حد وأد البنات واعتبارهن عارا على جبين الأسرة يجب التخلص منها : [وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت؟] وصور القرآن الكريم الحالة النفسية السيئة التي يصبح عليها من بشر بأنثى إذ يظل مسودا وهو كظيم يتوارى عن الناس. ويستأصل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العقلية فيقول: [أنا أب البنات وأحب من يحب البنات] وبشر الذين يرزقون البنات فيقول: [من كانت له إبنة فأدبها فأحسن تأديبها ورباها فأحسن تربيتها وغذاها فأحسن تغذيتها كانت له وقاية من النار]. وفي ظل هذه التوجيهات النيرة نشأت البنات إلى جانب الأبناء في جو يسوده الوئام والاحترام كل يعمل على شاكلته: [من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها] آية. إن الحسنة حسنة من الأنثى مثلما هي حسنة من الذكر وكذلك السيئة: [من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينهم حياة طيبة ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعملون] آية. وهكذا انطلقت المرأة تطلب العلم وتطالب بحقها فيه وها هي إحداهن تأتي الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري: [قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فواعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن]. ونرى الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر يشيد بنساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين. وعندما يقرر الإسلام حقها في الإرث: [يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ويدعو الرجال الأزواج إلى إعطاء النساء صدقاتهن نحلة لا تحل لسواهن إلا عن طيب خاطر. وبذلك يعطي الإسلام منذ أربعة عشر قرنا استقلال المرأة المالي وشخصيتها المتميزة عن زوجها الذي يجب عليه الإنفاق عليها مهما كان ثراؤها. مع العلم أن المرأة الغربية لم تنل حق التصرف في مالها إلا منذ عقود قليلة واعتبرت القوانين الغربية إلى عهد قريب المرأة والصبي والمجنون على قدم المساواة في إنهم جميعا غير راشدين. وعندما يسيء بعض الآباء التصرف في سلطته فيزوج ابنته ممن لا ترغب فيه من أجل دافع مادي بحت تثور البنت وتأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قائلة: [إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع خسيسته فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر إليها فقالت: قد أجزت أبي ولكن أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء من المر شيء]. وفي هذا الإطار غزت المرأة وجاهدت إذ أورد البخاري رضي الله عنه قول إحداهن : [غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات اخلفهم في رحالهم واصنع لهم الطعام وأداوي لهم الجرحى وأقوم على المرضى] فلا غرابة إذا ما زخرت كتب الثقافة الإسلامية من تفسير وحديث وسيرة وفقه بآراء نساء جليلات مثل عائشة وفاطمة وأسماء ولا عجب أن قامت إحدى النساء العجائز صارخة في وجه عمر عندما أراد تحديد المهور فإذا بعمر يذعن ويعود إلى رأيها ويقول: [اخطأ عمر وأصابت عجوز كل الناس اعلم منك يا عمر حتى العجائز]. وثقة عمر في كفاءة المرأة جعلته يولي بنت الشفاء الأنصارية حسبة المدينة وفي المدينة كبار الصحابة والتابعين. ولن نواصل الحديث عن توجيهات الإسلام وأوامره في هذا المجال فإنها أكثر من أن تحصى أو تحصر وقبل أن انتقل إلى بيان المشكلات الني جدت والتحديات التي تواجه الأسرة المسلمة. استسمحكم في بيان جانب آخر من جوانب عناية الإسلام بالأسرة إلا وهو تنظيم العلاقة بين الكبار والصغار بين الآباء والأبناء. والقرآن الكريم لا نجده يأمر الآباء والأمهات بإحسان معاملة أبنائهم ذكورا وإناثا وسبب ذلك يعود إلى أن هذه المعاملة الحسنة تلقائية من الآباء والأمهات. والتنكر يكون من الأبناء نحو الآباء ولأجل ذلك يزخر القرآن بالدعوة إلى بر الوالدين إنه يأتي مباشرة بعد طاعة الله في أكثر من آية. مثل قوله تعالى: [وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر احدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا]. [واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا]. [ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال: رب اوزعنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك واني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون]. وقد روى أن رجلا كان يطوف حاملا أمه على عنقه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل أديت حقها؟ قال: [لا ولا بزفرة واحدة]. ومن الثلاثة الذين لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق والديه والمرأة المترجلة والديوث-النسائي. واعتبر الإسلام التواصل والترابط بين الأجيال أساس العلاقة بين الآباء والأبناء والحادثة التالية تصور ما يجب أن تكون عليه طبيعة هذه الصورة اخرج الطبراني في الأصغر والبيهقي في دلائل النبوة عن جابر جاء رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. فقال: يا رسول الله: إن أبي اخذ مالي. فقال عليه السلام: [أدعه لي]. فلما جاء قال له عليه الصلاة والسلام: [إن ابنك يزعم أنك تريد أن تأخذ ماله]. فقال: سله هل هو إلا عماته أو قراباته أو ما أنفقه على نفسي وعيالي. فقال: [فهبط جبريل عليه السلام]. فقال يا رسول الله إن الشيخ قال في نفسه شعرا لم تسمعه أذناه، فهاته. فقال: لا يزال يزيدنا الله بك بصيرة ثم انشأ يقول: غـذوتك مولـودا ومنتك يافعا تعل بما أجنـي عليـك وتنهل إذا ليلة ضاقتك بالسقـم لم أبت لسقمـك إلا ساهـرا أتملمـل تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلـم أن المـوت وقت مؤجل كاني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دونـي فعيناي تهمل فلما بلغت السـن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمـل جعلت جزائي غلظة وفضاضة كأنك أنـت المنعـم المتفضـل فليتك إذ لم تـرع حـق ابوتي فعلت كما الجـار المجاور يفعل فأوليتني حق الجـوار ولم تكن علي بمـال دون مالك تبخـل قال: فبكى النبي صلى الله عليه وسلم ثم اخذ بتلابيب ابنه وقال : [اذهب أنت ومالك لأبيك]. وتتجاوز علاقة الود والبر بين الأبناء والآباء الحياة الدنيا فهذا رجل يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال: [نعم : الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما]. إن العلاقة بين الكبار والصغار في المجتمع الإسلامي علاقة أساسها الود والمحبة والاحترام إذ الرسول يقول: [ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا]. والتربية الإسلامي الأصيلة تربية تراعي الأماكن والأزمان: قال صلى الله عليه وسلم: [ألزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم] وكم هو واقعي ومعبر ذلك الأثر المروى عن عمر بن الخطاب: [علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم أن يثبوا على الخيل وثبا]. ويورد نفس الأثر عن الإمام علي رضي الله عنه مظافا إليه قوله: [فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم]. فالأسرة في الإسلام خلية حية سليمة على خلاف الماركسية التي تعتبرها كيانا رجعيا من مخلفات عهود الانحطاط والإقطاع لأجل ذلك سعى الماركسيون جاهدين إلى تمزيقها وتشتيتها ففي مقال نشرته صحيفة Wenhuips الشيوعية التي تصدر في شنجاي إبان الثورة الثقافية في مقال لها في كانون الأول سنة 1967 عنوانه (مواجهة نقد الأسرة عمل ممتاز) ذلك النقد الذي يوجه هجوما غير مباشر على ذلك الموقف المليء بالاحترام تجاه حياة الأسرة الذي لم يزل يقفه كثير من أفراد الشعب الصيني تقول الصحيفة: “إن تبادل الوالدين والأطفال وتبادل الأزواج والزوجات ستكون له نتائج مثمرة رغم انه في بعض الأحيان مبكرا... ولنأخذ على سبيل المثال حيا من الوحدة الأسرية على أسس جديدة”. أحياء شنجاي فعاصفة الثورة العمالية الثقافية العظيمة نفذت إلى كل الدروب والأقسام كوحدة تنظيمية اجتماعية أساسية بحيث أن الأسرة كسحت بعيدا عنها المثل القديمة والعادات والتقاليد التي خيمت آلاف السنوات على الحياة. ولأول مرة منذ إنشاء المجموعات الشعبية في الصين تقدم الصيني القديم في تحطيم هذه المثل والتقاليد والعادات وإعادة صياغة الوحدة الأسرية على أسس جديدة"(10). إن كل القيم الأخلاقية والدينية في نظر الاشتراكيين يجب القضاء عليها واستئصالها وبناء الفرد والأسرة المتحررة من كل القيود والتي يجوز فيها كل شيء. لأجل ذلك لم يعد يعرف في المجتمع الاشتراكي الزوج والوالد والولد إنها الشيوعية الأولى تعود في شكل جديد أو قل الجاهلية الجديدة. وإذا ما قدمنا الحديث عن الأسرة في المجتمع الاشتراكي فلأنه يناصبها العداء ويعلن الحرب عليها صراحة ويهدف إلى استئصالها من جذورها وقد سعى في هذا المجال خطوات عادت عليه ولا شك بالوبال يتجلى ذلك في التقارير والتحقيقات المؤلمة التي ترد من تلك الديار المتحدثة عن الإباحية المطلقة والتسيب الذي لا حد له التي عمت كل الميادين: النقل، الرياضة، والعمل، والتعليم، وكل أماكن الاختلاط. وفي المجتمعات الغربية تحاول السلطات الدينية ممثلة في الكنيسة إنقاذ الموقف المتردي والحفاظ على كيان الأسرة ولكن التيار تخطاها إذ أن المجتمع الغربي الرأسمالي تسوده الأنانية والانتهازية وتطغى عليه المادية والروح المصلحية. إن القيم الخلقية والمبادئ السماوية والمذاهب الاجتماعية الإصلاحية فقدت تأثيرها على الناس وانتشرت مع ذلك كل صنوف الترف والمجون والإباحية واللامبالاة. الزوجة تصادق من تشاء وتتصل بمن تشاء تغازل من تشاء تراقص من تشاء على مرأى ومسمع من الزوج الذي عليه أن يصنع نفس الصنيع فيتخذ العدد الذي يردي من الخليلات بائعات الهوى. انتشرت العلب الليلية وحوانيت الجنس والمجلات العارية والأفلام الخليعة أما الأطفال، المواليد في ظل هذا المجتمع فهم مجهولو الهوية والأصل لا غرابة أن لا تربطهم بأبويهم الشكليين أية علاقة ودية لا سلطان للأبوين على الأبناء والبنات فللبنت أن تسهر إلى ساعة متأخرة وتدخل إلى غرفتها من شاءت من الأصدقاء ويمكنها أن تحمل قبل الزواج ولها أيضا أن تجهض إن شاءت ولا تسأل عن مصدر ذلك الجنين ولا غرابة إذا كانت الفتيات تمارس كل وسائل التوقي من الحمل ومنعه. ولا سبيل إلى وجود تلك العلاقة من البر بين الآباء والأبناء، وإذا ما بلغ الآباء سن الشيخوخة، فإنهم يؤخذون إلى مأوى العجز وهنالك ينسون إن التعامل معهم تعامل مادي بحت ما دام هؤلاء قد فقدوا القدرة على العطاء المادي فهم غير مرغوب فيهم وكثيرا ما يموت الأب أو الأم ولا يعلم الأبناء بالوفاة إلا عندما تخرج رائحة الجثة من نوافذ وأبواب الشقة التي يقطنانها أو عندما تعلم إدارة الملجأ الأبناء برقم قبر الأب أو الأم. إن الأسرة في الغرب تفككت أواصرها وتهدمت دعائمها وتفكك تبعا لذلك المجتمع وصدق عليه قول الله تعالى : [تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى]، [أفئدتهم هوى]، [على شفا جرف هار].. لأجل ذلك فإن الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم تواجهها تحديات عديدة ولا عاصم لهما إلا تلك القيم والمبادئ السامية التي اشرنا إليها في مقدمة هذا العرض. ولا احد ينكر تأثير الفكر الغربي والحضارة الغربية عي حياة المجتمعات المتخلفة أو السائرة في طريق النمو، إن الغرب لا يصدر لنا العلم والتقنية والصناعة فقط إنه يصدر لنا مع كل ذلك نمط عيشه وأسلوب حياته: طريقة لباسه ونوعية أكله ومختلف معاملاته وتصرفاته، انه يفرضها علينا فرضا بواسطة الكتب والمجلات والصحف والإذاعات المسموعة والمرئية. ومهما حاول المجتمع المسلم أو الأسرة المسلمة التحصن والتوقي فانه لن يظفر بسهولة بما يريد ويرغب. ولن يقبل احد اليوم – وإن كان ذلك يستحيل- الانغلاق والانطواء على النفس. إذ مهما انكمشنا فان تيار الأفكار الغربية والأخلاق الغربية والأذواق الغربية يدخل علينا بيوتنا صباح مساء انه يشاركنا -إن لم نقل: إنه افتك منا- مهمة تربية أبنائنا وتوجيههم. وكيف تستطيع المواعظ والدروس الأخلاقية أن تصمد أمام تيار المجون والإباحية والتفسخ. وإذا ما تجاوزنا هذا المجال من مجالات التحدي إلى مجال آخر وهو خروج المرأة إلى الشارع وقيامها بالعمل إلى جانب الرجل في الإدارات والشركات والمصانع. ولسنا ننكر على المرأة أن تعمل ولا نناقش الحالات الخاصة الضرورية للعمل كاليتم والترمل والفاقة الماسة. إذ تلك ضرورات يباح فيها للمرأة الخروج للعمل. لقد فقدت الأسرة بخروجها (الأم) عنصرا لا يعوض وركنا لا يقوم بدونه بنيان العائلة. إن الأطفال الذين تركوا للخادمة أو الحاضنة أو الروضة نشؤوا ممزقين غير طبيعيين لا تربطهم بوالديهم روابط الحنان والوئام بل على العكس من ذلك ساد علاقاتهم مع والديهم تشنج وحرج شديد. وعندما تعود الأم العاملة المسكينة إلى بيتها بعد يوم طويل لا يقل على العشر ساعات، تعود منهكة منهارة الأعصاب لا تقوى على شيء ولا يستقيم لها تصرف ومن هنا تنشأ الخلافات الزوجية. ومن القضايا الأخرى التي تواجه فيها الأسرة تحديا لا ينكر حجم الأسرة الذي أخذ يزداد بسرعة كبيرة تبعا للنمو العام للسكان في المجتمعات الفتية. وإذا ما نحن نظرنا إلى هذه القضية في إطار عام وقارنا بين الازدياد الطبيعي لدى الشعوب النامية والتناقص المهول الذي تشهده المجتمعات الغربية المتحضرة حيث انخفظت نسبة النمو هناك إلى اقل من واحد في المائة. وهذا ما يتسبب في شعور بالجزع والهلع لدى الدول الكبرى. وعلى كل فان هذه القضية قضية حجم الأسرة وكثرة عدد أفرادها وضعف دخل الأسرة تمثل مشكلة حادة تواجه كل رب أسرة محدودة الامكانيات خصوصا مع ازدياد طلبات الأبناء وارتفاع تكاليف الحياة. ولا يكفي أن تنجب الأسرة أبناء ثم تهملهم أو تعجز عن القيام بشؤونهم إنما الواجب هو تربيتهم تربية أصيلة متينة وتكوينهم تكوينا صحيحا. وإذا ما نظرنا إلى المشكلة في إطار الأمة الإسلامية ذات الإمكانات الهائلة والامتداد الجغرافي الشاسع فان المشكلة تنعدم تماما ويصبح عامل النمو سلاحا بيد الأمة الإسلامية أما والأمة الإسلامية لا تزال ممزقة الأوصال متعددة الكيانات لم تتوصل بعد حتى إلى صيغة من صيغ التعاون والترابط فان مشكلة النمو السكاني ستظل مشكلة شائكة تواجه رب كل أسرة محدود الإمكانات والطاقات إذ يجد نفسه إزاء واقع صعب ونصوص صريحة لا تقبل التأويل تمنع .... كل قتل للنفس البشرية. ومن المشكلات الجديدة التي تواجه الأسر المسلمة مشكلة الزواج بالأجنبيات أو ما يسمونه بالزواج المختلط. حيث يقدم مسلم على الزواج من أروبية كتابية (نصرانية أو يهودية) ودوافع هذا الزواج غالبا دوافع عاطفية بحتة. وباعتراف أصحابه الذين أقدموا عليه يعيش الزوج المسلم ممزقا بين ثقافته وحضارته وشخصيته التي تبقى رواسبها مهما انحرف وثقافة وحضارة ونمط عيش زوجته. فلا أسرته وأهله يقبلون عليه بتلقائية ولا أسرة زوجته والمجتمع الذي تنحدر منه يفعل ذلك. إن المجتمع الغربي لا يزال ينظر نظرة عنصرية إلى غيره من الشعوب نظرة أساسها الاحتقار والكبرياء والتعالي إذ تكاد تقاطع المتزوجة من الأجنبي رغم ما ضمنته ظاهر القوانين للزوجة وحتى زوجها، وتزداد المشكلة تشعبا عندما ينجب الزوجان أطفالا إن الأب قليلا ما يكون متمسكا مطبقا لشعائر دينه ولكنه يرغب في قرارة نفسه في تنشئة أبنائه على دينه وهنا ينشأ الخلاف بين الزوجين وكثيرا ما تتغلب الزوجة وتربي أبناءها كما تشاء بل يصل بها الحال إلى تسميتهم بأسماء نصرانية وهكذا يساهم المتزوجون بالأجنبيات في تنصير أبنائهم عوض تبليغ أمانة الدين لهم. إن الإقدام على الزواج بالأجنبيات (الكتابيات) وإن كان جائزا إلا أن ما يترتب عليه من نتائج يوصله إلى درجة الحرمة وهذا ما دعا أحد الشعراء إلى مداعبة صديق له تزوج فرنسية أنجبت له إبنا لم يستطع أن يكون مسلما ولا أن يكون فرنسيا قال: حيوا الحكيم ولا تنسوا قـرينته فهـو سليمـان والمـدام بلقيس لـه غـلام أطـال الله مـدته تنازع العـرب فيه والفرنسيس لا تعذلـوه إذا ما خـان أمتـه فنصفه صالح والنصف موريس(11) إن هذه الأبيات جد معبرة إنها تصور عشرات بل مئات وآلاف الشباب المسلم الذي يفقد الرعاية والتوجيه فيسقط في أحضان الإغراء والسراب حتى إذا ما عاش الواقع تجرع وتجرعت معه الأمة الآلام والأحزان. والمحزن المؤلم أن هذه الظاهرة تجاوزت أبناءنا الذكور إلى بناتنا حيث شهدت السنوات الأخيرة تعدد عمليات الزواج من طرف المسلمات لغير المسلمين وهو ما يحرمه الله ورسوله وتأباه تشريعات الإسلام. أما المشكلة الأخيرة التي أود أن انهي بها حديثي إليكم فهي مشكلة الهجرة وهي ذات مظهرين: 1) هجرة العامل من بلده إلى بلد يختلف عنه تمام الاختلاف في اللغة والدين والحياة الاجتماعية ويصعب على العامل المهاجر المحافظة على ذاتيته وشخصيته وكثيرا ما يقع فريسة عادات وتقاليد ذلك المجتمع الذي قصده مرغما ملزما. 2) وإذا ما كان مرفوقا في هذه الهجرة بأسرته: زوجة وأبناء فان هذه الأسرة تتعرض إلى مزيد من التحدي والهجمات التغريبية وحتى التبشيرية الشرسة. أما إذا ترك العامل أسرته فان الأسرة زوجة وأبناء يتعرضون إلى شتى صنوف الحرمان اقلها: الحرمان من العطف والرعاية الأبوية. وكثيرا ما يتشرد أبناء المهاجرين وينقطعون عن الدراسة ويأتون في غياب السلطة الأبوية كل صنوف الانحراف والزوجة الغائب عنها زوجها تتعرض إلى تمزق نفسي وهي لئن أظهرت مزيدا من التجلد والصبر والتحمل ولكنها تعاني في نفسها الم الغربة والشوق والحرمان. وهذه الحالة هي عين ما سمعه عمر بن الخطاب في ليلة من الليالي عندما سمع امرأة تردد شعرا فيه تشوق إلى زوجها... فسألها عمر عنه فقالت: أرسله أمير المؤمنين في الجيش الفاتح. وفي الغد سأل عمر ابنته وعجوزا عن أقصى المدة التي يمكن للمرأة أن تصبر فيها على فراق زوجها فاتفقتا على أن أقصى المدة أربعة أشهر فأرسل عمر إلى قادة الجيش أن إذا بلغ الجند أربعة أشهر فسرحوهم. وبذلك يضرب الإسلام أروع الأمثلة في تحقيق كل مطالب الإنسان الظاهرة والخفية. هذه أيها السادة بعض التحديات والمشكلات التي تواجه الأسرة المسلمة في بداية هذا القرن الجديد تحديات ومشكلات حادة لا عاصم منها إلا مبادئ الإسلام الخالدة. (1) الحجرات 13. (2) النحل 72. (3) الروم 21. (4) البخاري. (5) الترمذي والحاكم. (6) أحمد والطبراني. (7) مسلم والطبراني. (8) ابن ماجة والحاكم والبيهقي. (9) أبو يعلى والطبراني والبيهقي. (10) تهافت الفكر المادي بين النظرية والتطبيق للدكتور محمد البهي ص:40. (11) الزواج بالأجنبيات والأجانب وخطره على الأسرة كتاب الملتقى الرابع للفكر الإسلامي 1390/1970. المراجع المصادر: 1) القرآن الكريم. 2) البخاري ومسلم. 3) رياض الصالحين. 4) تفسير ابن كثير. 5) المرأة في القرآن والسنة لمحمد عزة دروزه. 6) لتبرج عبد الباقي رمضان. 7) المرأة بين الفقه والقانون للدكتور مصطفى السباعي. 8) تهافت الفكر المادي بين النظرية والتطبيق للدكتور محمد البهي. 9) جوار مع شاب يبحث عن الحقيقة لصاحب الدراسة. 10) محاضرات الملتقى الرابع للفكر الإسلامي قسنطينة الجزائر 1390/1970. 11) الأسرة والتصنيع للدكتور محمد فؤاد حجازي. 12) مجموعة مقالات نشرت بجريدة “لومند” الفرنسية عن الزواج المختلط. 13) مجلة “جوهر الإسلام” العدد 1-2، ص13.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.