بين حرية ممارسة الشعائر الدينية والالتزام الأخلاقي والقانوني بما يقتضيه وضع بلاد دين دولتها وشعبها الإسلام

بين حرية ممارسة الشعائر الدينية والالتزام الأخلاقي والقانوني بما يقتضيه وضع بلاد دين دولتها وشعبها الإسلام


نظمت جمعية القانون الدستوري ندوة حول الوضع القانوني لممارسة الشعائر الدينية في البلاد التونسية (نوفمبر 1989). وحاضر في هذه الندوة مجموعة من رجال القانون وأهل الذكر وافتتحها السيد كاتب الدولة للشؤون الدينية. ومن بين المواضيع التي وقع درسها وبحثها بالنسبة للدين الإسلامي القوانين المنظمة للمساجد وترويج المصاحف وطبعها وتوريدها. وقدمت عروض حول الوضع القانوني للشعائر اليهودية والمسيحية في تونس. إن كتابة الدولة للشؤون الدينية (الوزارة حاليا) أو الإدارة العامة للشؤون الدينية سابقا هي الجهة الحكومية التي يعود إليها النظر بالنسبة للأوضاع القانونية لمؤسسات الشعائر الدينية أو ما يمارس فيها. وليس من قبيل الصدفة أن يسمى هذا الهيكل الحكومي كتابة الدولة للشؤون الدينية وليس كتابة الدولة للشؤون الإسلامية ومن هنا فان هيكلتها ومجال عملها واختصاصها وإشرافها يتجاوز مؤسسات الشعائر الدينية الإسلامية إلى سواها من مؤسسات الشعائر الدينية الأخرى الموجودة في بلادنا وبالخصوص مؤسسات وأماكن ممارسة الطقوس والشعائر اليهودية والمسيحية. وإذا كانت إلى حد الآن مؤسسات الشعائر والشؤون الدينية الإسلامية محل اهتمام ومتابعة وتنظيم وإحاطة تزداد يوما بعد يوم سواء بما صدر من قوانين منظمة للمساجد أو المصاحف أو ما يتعلق بما يتم بعثه من هياكل وإدارات مختصة وما يتم تنظيمه من ندوات وملتقيات وتربصات مع للإطارات الدينية أو ما يبث في الإذاعتين المسموعة والمرئية أو ما يقع نشره من مطبوعات كمجلة الهداية فإن ما يتعلق بممارسة الشعائر الموسوية والمسيحية لا يزال من اختصاص أتباع هذين الدينين في بلادنا، فإذا كان إنشاء المساجد والكتاتيب وصيانتها وترميمها وطبع المصحف وترويجه وتوريده يخضع إلى نصوص واضحة وترتيبات وإجراءات لا بدّ منها جعلت من هذا القطاع الواسع الانتشار في بلادنا بحكم أن شعبنا كله على دين الإسلام محاطا به إحاطة تكاد تكون شاملة فان ما يتعلق بالدينين اليهودي والمسيحي لا يزال أمر مؤسساتهما وشعائرهما وما يتبع ذلك من نشاطات متعددة تربوية واجتماعية وشعائرية فإنه موكول إليهما يكاد لا يعلم عنه شيئ سواء في عدد المؤسسات أو كيفية مزاولة نشاطها وحدود ذلك النشاط والترتيبات التي ينبغي إتباعها في تسيير هذه المؤسسات وتسميات القائمين عليها والموارد والنفقات ومدى احترام قوانين البلاد والعمل بها. ومن هنا فان إنشاء مصلحة تختص بشؤون الدينين اليهودي والنصراني في كتابة الدولة للشؤون الدينية نراه ضروريا حتى يكون كل ما يجري في بلادنا وطبيعة العلاقات مع غير المسلمين منظما مضبوطا ونحن في بلاد تسعى جادة إلى إرساء دولة المؤسسات وسيادة القانون ومقوّمات المجتمع المدني والشفافية والعلنية والوضوح تفاديا لكل تجاوز أو انحراف. وليس لهذه الدعوة من غاية أو هدف سوى إحكام التنظيم الذي يترتب عليه المزيد من الثقة المتبادلة. وهذه الدعوة ليست نشازا فلدي الفاتيكان سكرتارية دائمة تهتم بالعلاقة مع غير المسيحيين تصدر البيانات والمنشورات وتنظم المتلقيات والندوات وتحكم العلاقات وفق رؤية مؤسسة الفاتيكان. وعندما أوكل تنشيط بعض خلايا هذه السكرتارية إلى رجال دين مسيحيين متفتحين ساهم هذا الهيكل في إرساء علاقات تعاون وتكامل متطورة خصوصا مع المسلمين. وفي هذا المجال لا يمكن أن ننكر ما أسداه لتوطيد العلاقة بين المسلمين والمسيحيين الأب ميشال للون الذي تحمل كثيرا من الأذى من اجل مواقفه من قضية الشعب الفلسطيني وبيت المقدس وقد صدرت له كتب ودراسات جيدة وجادة حول حقوق المسلمين الدينيّة والروحية والثقافية في بلاد الغرب وما يمكن أن يقدمه المؤمنون بالله من مسيحيين ومسلمين لقضايا السلم والأمن والتقدم في العالم. إن تنظيم هذا الملتقى القانوني حول ممارسة الشعائر الدينية هو فرصة للتأكيد على طبيعة الدين الإسلامي المسالمة والمتسامحة وروعة معاملات المسلمين عبر تاريخهم الطويل لغيرهم من أتباع الديانات السماوية الأخرى (اليهودية والمسيحية). إن التذكير في مثل هذا الظرف الذي يتعرض فيه المسلمون والإسلام إلى حملات ضارية من طرف بعض الجهات العنصرية المتطرفة لا يزيدنا إلا إصرارا وتجسيما لما أعلنه ديننا الحنيف منذ أربعة عشر قرنا بان أمر العقيدة لا مجال فيه للعنف والتسلط والإكراه وان الهداية هي بيد الله وحده. إن المسلم يعتز بان قرآنه يلح على الحرية واحترام الاختيارات الشخصية ونبذ التسلط والإكراه، يقول جل من قائل (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) ويقول الله لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام “انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء” ويقول في آية أخرى: “لكم دينكم ولي دين”. س: وقد يتساءل الكثير عن مغزى تشريع الجهاد في سبيل الله إذا كان أمر العقيدة على هذا النحو؟ ج: والإجابة على ذلك تنطلق من تصحيح مفهوم كلمة الجهاد في حدّ ذاتها فليس الجهاد في سبيل الله حربا مقدّسة تعلن لإراقة الدماء واستباحة الحمى وإكراه النّاس على الدخول في الإسلام. ولم يكن الفتح الإسلامي في شرق الجزيرة وغربها وشمالها وجنوبها غزوا ولا استعمارا وإنما هو إبلاغ لرسالة الإسلام إلى الناس أجمعين على مختلف أجناسهم وألوانهم وطبقاتهم. ومهمة الإبلاغ بعد ختم الرسالات أوكل الله أمره إلى المسلمين بعدما أكمل الله لهم دينهم وأتمّ نعمته عليهم وقال لهم رسولهم الكريم (ألا هل بلغت اللهم فاشهد ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب). * فالمسلمون هم أمّة الشهادة على الناس (لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدا). * وخط حركة الفتح والجهاد كان واضحا ومسطرا لم يقع الحياد عنه قيد أنملة ألا وهو إبلاغ رسالة الإسلام لينجو من ينجو ويهلك من هلك على بيّنة تعرض على الناس رسالة الإسلام. إما اختيار الدخول في الإسلام عن اقتناع ويصبح لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. * أو البقاء على أديانهم وعقائدهم مقابل جزية يدفعونها لبيت مال المسلمين مثلما يدفع المسلمون الزكاة ويؤمن لغير المسلمين بما يدفعونه (عند القدرة) كل ما يؤمن للمسلمين من حقوق في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. * فإذا أبوا الحلين الأول والثاني ووقفوا في وجه إبلاغ رسالة الإسلام هنالك يقاتلون في ساحة الوغي بدون غدر أو تمثيل أو تشبيه أو إساءة. * وقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في حروبهم التي خاضوها في الرحمة والمحافظة على حقوق الإنسان الأساسية بل المحافظة على الحيوان والنبات والبيئة وعدم التعرض للأطفال والنساء والشيوخ والعبّاد في الصوامع والبيع، لا قتال إلا في ساحات القتال، لا تهديم ولا تخريب، ولا إحراق ولا ترويع، ولا تمثيل بهذه الوصايا كان الخلفاء والأمراء يوجهون جيوشهم الخارجين للفتح. * ولم تخل بلاد من بلدان المسلمين مشرقا ومغربا من وجود جاليات وطوائف عديدة غير مسلمة بقيت على معتقداتها وأديانها تصان معابدها وكنائسها وتحترم طقوسها وشعائرها وتجري لها من بيت مال المسلمين الرواتب. ولم نقرأ ولم نسمع في يوم من الأيام أن المسلمين في مدينة أو قرية أو ريف مهما كان نائيا وفي كل فترات التاريخ هاجموا أو اعتدوا على يهودي أو نصارى لأنه على دين غير دين الإسلام وما ذلك إلا لان المسلمين تشربت قلوبهم وعقولهم توجيهات دينهم الحنيف الذي يدعوهم إلى مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن وان يقسطوا إليهم بل جعل الإسلام لأهل الكتاب امتيازات لم يعطها لغيرهم من عبدة الأوثان والأصنام باعتبار أن اليهود والنصارى والمسلمين يجمع بينهم قاسم مشترك أعظم هو الإيمان بالله. قد أباح الإسلام للمسلم التزوج من الكتابيات واكل ذبائح أهل الكتاب وغير ذلك من المميزات وتاريخ المسلمين الطويل يشهد بسماحة معاملتهم إلى حدّ استغل تسامحهم في كثير من الأحيان للتآمر عليهم وبث الفرقة والخلاف بينهم ولكن المنصفين من النصارى بالخصوص كانوا دائما يرون في تصرفات المسلمين معهم حكاما ومحكومين منذ أن زار كنيستهم الخلفية العادل عمر ابن الخطاب في بيت المقدس إلى يوم الناس كانت مثالا للسماحة والعفو والحب الصادق والإنسانية العميقة التي لا تشوبها شائبة. * إن شعب تونس كله تقريبا على دين الإسلام وهي نعمة من نعم الله على هذه البلاد ومع ذلك فإنه لا مانع أن توجد فيه الهياكل والمؤسسات التي تمارس فيها شعائر الدينين اليهودي والمسيحي بكل حرية. فلقد عاش في بلادنا عبر تاريخها الطويل كثير من اليهود والنصارى ولابدّ أن تضمن لهم أسباب الاستراحة النفسية التي تجعل حياتهم تحلو في هذه البلاد المضيافة. ولكن الذي ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام أن حقّ ممارسة الشعائر والطقوس لا يجوز أن يتجاوز إلى القيام بالدعوة إلى المسيحية بين صفوف التونسيين أو الإساءة إلى دينهم الإسلامي الحنيف أو النيل منه من قريب أو من بعيد. فنحن شعب متسامح ومتفتح وديننا يدعونا إلى ذلك وينبغي أن لا يقابل هذا من طرف من يعيشون بيننا من يهود ونصارى بأي سعي لنشر النصرانية بين صفوف التونسيين أو تشكيكهم في دينهم بأية طريقة أو أسلوب مباشر أو غير مباشر فذلك أمر لا تبيحه قوانين دولتنا التي نصّ البند الأول من دستورها بأن دينها هو الإسلام. نذكر بهذا لان كثيرا من الخدمات الإنسانية من طب وتمريض ومساعدات فضلا عن المدارس الخاصة والمكتبات والمراكز المنتشرة في بلادنا تستخدم كوسيلة إغراء ودعوة غير مباشرة إلى ترك الإسلام والدخول في المسيحية إنّ مثل هذا الصنيع لا يتناسب مع كرم الضيافة ومع ما يوفر في تونس من طرف الدولة والشعب من واسع الإحاطة. وان صنيعا من هذا القبيل لا يسمح باستمرار ما نعتزّ به من جيد العلاقة وطيب المعاشرة لغير المسلمين في تونس المسلمة. * عن مجال التنافس بين الأديان السماوية ينبغي أن يكون بين عشرات الملايين ممن لا يزالون يعبدون الأصنام والأوثان ويعيشون في ظلام دامس أو بين من أعمت الحضارة المادية أبصارهم وبصائرهم فجعلتهم يفقدون التوازن ولسان حالهم يردد أرحام تدفع وارض تبلغ لم يعودوا يؤمنون برب ولا دين ولا بعث ولا حساب انقلبت حياتهم إلى جحيم وما أكثر هؤلاء خصوصا في بلاد الغرب.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.