بمناسبة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية: قسنطينة رمز التواصل العلمي والثقافي بين تونس والجزائر
تنطلق في الفترة القريبة القادمة فعاليات قسنطينة عاصمة للثقافة العربية وهي تظاهرة أعدت لها الجزائر برامج علمية وفكرية وثقافية كبرى رصدت لها الاعتمادات الضخمة من أجل أن تكون هذه الاحتفالية في مستوى تطلعات وآمال أهل العلم والثقافة وعارفي عراقة هذه المدينة الجزائرية وما قدمته للثقافة العربية الاسلامية عبر تاريخها المديد من جليل الخدمات والتي لا تزال بادية الى اليوم وقسنطينة الى جانب الجزائر العاصمة وتلمسان ووهران وبجاية وعنابة وتبسة وباتنة ومدن اخرى في شرق الجزائر وغربها وفي شمالها تيزي وزو وفي جنوبها هناك في ورقلة وأدرار وغرداية وتماسين والواد وعين ماضي وغيرها وغيرها دون أن ننسى سكيكدة وبسكرة حواضر جزائرية عريقة عواصم علم وثقافة أنجبت الأدباء والشعراء والفقهاء والمفسرين والمحدثين والمؤرخين الذين اجتهدت الجزائر منذ إحرازها على الاستقلال على التعريف بهم من خلال النداوت والملتقيات والمؤتمرات الوطنية والدولية التي تعقدها باستمرار وكان للمرحوم مولود قاسم وزير التعليم الأصلي والشؤون الدينية شرف المبادرة بتنظيمها وعقدها بانتظام طيلة سنوات مع الحرص على توثيقها ونشرها في كتب ودوريات منها مجلة الأصالة التي تعدّ بحق سجلا للثقافة الجزائرية. • قسنطينة هي مدينة الجسور المعلقة ومدينة المعالم التاريخية والحضارية وهي مدينة العلم ومدينة أصالة الشعب الجزائري إنها مدينة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله صاحب النشيد الخالد شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب من قال مات او حاد عن أصله فقد كذب أو رام إدماجا له رام المحال من الطلب فيها نشأ وترعرع وفيها أسس جمعية العلماء وفيها أصدر الصحف والدوريات والمجلات (الشهاب والبصائر) التي كانت لسان حركته الاصلاحية الدينية والوطنية والاجتماعية • وفي مدينة قسنطينة التي عاد اليها الشيخ عبد الحميد بن باديس من تونس بعد أن اتم دراسته على أيدي شيوخ الزيتونة وأسس بدعم ومساندة وبرؤية ثاقبة وبروح مغاربية عربية اسلامية من سماحة الشيخ الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله فرعا للزيتونة هو الأول من نوعه خارج الحدود التونسية في رمزية معبرة عن الوحدة الثقافية والحضارية والتاريخية بين المغربين الأدنى والأوسط أعني تونس والجزائر • قسنطينة هي رمز للتواصل الثقافي والعلمي بين الشعبين الشقيقين التونسي والجزائري الذين لم يعترفا بالحدود الجغرافية ولم تعرف حركة التواصل والتزاور بينهما انقطاعا في يوم من الأيام حتى في أشد مراحل الاستعمار الفرنسي ضراوة كان الجزائريون في تلك الفترة بالذات أبناء قسنطينة وبقية المدن الجزائرية يجدون في البلاد التونسية الملاذ والمستقر والمقام بين الأهل كأنهم لم يغادروا تراب الجزائر، والجزائريون والحق يقال يحفظون لتونس ولشعبها ولزيتونتها هذا الجميل – وهو في الحقيقة والواقع واجب- ولا يتأخرون على الحديث بذلك يعلنونه من فوق المنابر في خطب الجمعة ويدونونه في ما يكتبونه من مقالات وما يصدرونه من مؤلفات • ان قسنطينة تمثل بحق عمق التمازج الثقافي والعلمي والديني بين تونس والجزائر واحتفالها بعاصمة للثقافة العربية فرصة لتحيتها وتهنئتها وهي مناسبة أيضا نرجو ان لا تكون متأخرة لكي تغتنم لتسليط الأضواء على جوانب من التواصل العلمي والثقافي والديني بين تونس والجزائر وقسنطينة وتونس العاصمة والمادة خصبة وثرية في هذا المجال اشتغل عليها وألف فيها العديد من الكتاب والمثقفين التونسيين والجزائريين ووثقوا ذلك في مقالات ودراسات وبحوث وأطروحات وإني لأذكر في هذا المقام جهود اخينا الأستاذ الدكتور محمد صالح الجابري رحمه الله فقد كان رمزا للتواصل الثقافي بين تونس والجزائر لقد كتب محمد صالح الجابري رحمه الله عن رحلات الجزائريين ووثق انتاج الأدباء والشعراء والعلماء الجزائريين وبحث ونقب عنه في المكتبات العامة والخاصة وأخرج العديد من المؤلفات التي هي اليوم في المكتبات مراجع بين أيدي الباحثين والدارسين لا غنى عنها وهي دليل التواصل الثقافي والحضاري بين تونس والجزائر ليس فقط في العهود القديمة الماضية بل في عصرنا الحاضر القريب غير البعيد وعسى ان تكون هذه الخواطر منطلقا لمساهمة أشمل وأعمق وأوسع في هذه التظاهرة التي نعدها تظاهرة تونسية مثلما انها تظاهرة جزائرية مستشعرين ما يمليه علينا ذلك من واجب لعل أقله التعريف ببعض من ساهموا في تشييد صرح التواصل الثقافي بين تونس والجزائر
