الملتقى العالمي الثامن للتصوف مداغ المغرب جانفي 2014 من تباشير الزمن الذي ستعلو فيه راية الروح

الملتقى العالمي الثامن للتصوف مداغ المغرب جانفي 2014 من تباشير الزمن الذي ستعلو فيه راية الروح


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الذي منه انشقت الاسرار وانفلقت الانوار وفيه ارتفعت الحقائق ورضي الله على آله الاطهار واصحابه الابرار وعلينا معهم ما تعاقب الليل والنهار. رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي فالتحية واجبة في هذا المقام إلى مدير الملتقى العالمي الثامن للتصوف الدكتور مولاي منير القادري على الدعوة الكريمة والى كل اركان الطريقة القادرية البودشيشية وعلى راسها سيدي حمزة اطال الله عمره وسيدي جمال امده الله بالصحة والعافية. وبعد لقد احسن المنظمون للملتقى في اختيار موضوعات هذه الدورة عندما جعلوها شاملة لمواضيع هي من صميم انشغالات الاسرة البشرية جمعاء التي تعيش ازمات تتفاوت في الحدة والخطورة. فقد تعالت الاصوات وتوالت الصرخات المنذرة بانهيار منظومات ظلت لقرون طويلة مصدرا للانسجام والوئام بين الافراد داخل الاسرة والمجتمع فاذا بها تشهد زعزعة استهدفت القضاء على انسانية الانسان وهو الذي اختاره خالقه وبارئه ليكون خليفته في الارض، اخا لاخيه الانسان ايا كان جنسه أو لونه أو دينه (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا لقبائل لتعارفوا...) ومما الح على ضرورة الحوار بين الحضارات والثقافات والديانات ما شهدتها المعمورة في كل ارجائها من نزاعات وصراعات وحروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الانفس البشرية البريئة وهي انفس حرم الله قتلها واغلظ الوعيد على مستحل اراقة دمائها حتى عد قتل نفس واحدة ظلما وعدوانا هو كقتل الناس جميعا حيث قال (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا) لاجل ذلك وتحملا للمسؤولية كانت الاستجابة تلقائية وبدون تردد أو ادنى توقف لدعوات الحوار بين الحضارات والاديان وتعددت الجهات المنادية بضرورة الانطلاق فيها والمسارعة اليها باعتبارها السبيل الاوحد لاطفاء نار الفتنة التي يمكن لا قدر الله أن تاتي على الاخضر واليابس فالاحداث اثبتت أن الارهاب الذي هو احد مظاهر التعصب والتزمت والكراهية ليس له دين وليس في مامن منه اي مجتمع واية دولة مهما كانت قوتها العسكرية والعلمية والمادية. ولا نذكر ببعيد فحوادث الارهاب تسارعت وتيرتها وتعدد ضحاياها من كل الفئات لاسيما المدنيين العزل من النساء والاطفال والشيوخ ومست هذه الحوادث كل مناحي النشاط وحياة المجتمع لم تستثن دور العلم واماكن العبادة والزوايا التي يذكر فيها الله والمعالم التاريخية والحضارية التي هي ذاكرة الشعوب فضلا عن شلها لمسيرة النمو المادي والاقتصادي على تعثره والمصاعب التي تعترضه بسبب انخرام التوازن والتوزيع غير العادل للثروات والارباح بين ما اصطلح عليه بالشمال والجنوب، هذا الجنوب الذي يحتل منه العالم السلامي المساحة الاكبر. كانت احداث 11 سبتمبر المنطلق الرسمي على المستوى الدولي والاقليمي لدعوات ومبادرات الحوار بين الثقافات والحضارات على مستوى الهيآت والمنظمات العالمية كمنظمة الامم المتحدة ومنظمة اليونسكو والايسيسكو. وقد سبقت وقوع الاحداث الارهابية الكبرى دعوات في اشبه ما يكون إلى التبؤات. فمنذ منتصف القرن الماضي اطلق اندري مالرو مقولته الشهيرة (إن القرن الحادي والعشرين سيكون قرنا دينيا أو لا يكون) ويذهب الكاتب المسيحي اندري فوازار وكان شاهدا مقربا من مالرو إلى أن هذا الاخير قال (إن القرن الحادي والعشرين سيكون قرنا صوفيا أو لا يكون). وان كان لا فرق عندنا في الاسلام بين المقولتين فالتصوف هو لب الدين وقلبه وروحه واي معنى لدين هو عبارة عن طقوس ورسوم ومراسم خالية من كل ما يجعلها فاعلة في النفس وفي المحيط الشامل الانساني والطبيعي بكل مكوناته ومظاهره. فالدين حب أو لا يكون وصفاء أو لا يكون وطمانينة أو لا يكون وهو قبل ذلك وبعد ذلك استغراق كامل وعمل صادق خالص يصل بصاحبه في عبادته إلى ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا عن سؤال اخبرني عن الاحسان؟ قال الاحسان إن تعبد اله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. نعم ايها السادة إن تباشير الزمن الذي ستعلو فيه باذن الله راية الروح بادية والتي هي راية السلام والوئام وراية الحب الصادق انها بادية اليوم لكل ناظر وان شئتم دليلا عليها فهي قريبة منكم انها هنا في مداغ في حضرة الشيخ سيدي حمزة حفظه الله ورعاه ونفع به انها هذه الجموع من كل الاجناس ومن كل الفئات لا يشدون الرحال إلا لنشدان الطمانينة القلبية والراحة النفسية والمحبة الصادقة الخالصة لمن لولاه لم تخرج الدنيا من العدم إلى الحبيب المحبوب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهي هناك في كل ارجاء المعمورة، هناك في مجاهل افريقيا في الاماكن القاصية التي لا يصل اليها طريق سالك ولا مركب مريح من سيارة أو باخرة أو طائرة هناك وابتغاء للاجر والثواب خرج مجاهدون بمعنى المجاهدة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) لتبليغ رسالة الاسلام المتكاملة رسالة الاسلام والايمان والاحسان فدخل الناس على ايديهم في دين الله افواجا. وهناك في اقصى شرقي آسيا في جزر الملاوي واندونيسيا اكبر الدول الإسلامية تعدادا (240 مليون مسلم) وصل الاسلام عن طريق التجار الذين كانوا تجارا كحرفة ودعاة للدين مجسمين لقيمه ومثله في حيز الواقع العملي وما ابلغ دعوة الحال وهي الدعوة التي اوصى بها الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه آل البيت الاطهار (كونوا دعاة باحوالكم ولا تكونوا دعاة باقوالكم) في عشرينية القرن الماضي زار سيدي احمد العلاوي رضي الله عنه فرنسا وكان عدد المسلمين قليلا وكان عدد المهتدين إلى الاسلام قليلا، قال (إن فرنسا التي اخذت بلادنا (استعمرتها) سياخذ الاسلام ابناءها) والاخذ هنا هو بمعنى أن يأتي الزمان الذي يصبح فيه الاسلام في جماله وكماله وسكينته وروحانيته هو الملاذ والملجا ليس لمعتنقيه ممن توارثوه عن آبائهم واجدادهم لقرون طوال ولكن لغيرهم معهم فهو رحمة الله بكل عباده ارسل به خاتم انبيائه ورسله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الذي قال في حقه (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) اليس من الملفت للانتباه والداعي للاعتبار للناس أجمعين ولنا بالخصوص معاشر المسلمين أن يكون ما يشد إلى الاسلام قمما شامخة واصحاب منازل رفيعة عالية في كل مجالات الحياة العلمية والاقتصادية والمادية بكل مظاهرها هناك في اروبا والامركيتين وبلدان شرقي آسيا هو هذا الجانب الروحي العميق للاسلام ممثلا في اعمال كبار رجال الصلاح والاصلاح الروحي (الغزالي بن عربي المحاسب السهروردي...) فاثارهم هي التي تحقق الصدمة المطلوبة والرجة المبتغاة التي تعيد للانسان الضائع الهائم توازنه. اقبل على النفس واستكمل فضائلها فانت النفس لا بالجسم انسان فكلام رجال الصلاح والاصلاح لا ينقطع مدده انه كلام قريب العهد من الله حي عن حي إلى الحي الذي لا يموت في سبعينات القرن الماضي اصدر المفكر الفرنسي الكبير روجي قارودي كتابه المدوي Pour un dialogue des civilisations من اجل حوار بين الحضارات وكان الكتاب سبقا وسابقة في الزمان وفي المكان وفي المصدر واعني بالمصدر المؤلف الذي هو من هو في رفعة منزلته العلمية والفلسفية وحتى الحزبية باعتباره احد اعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفرنسي وكان هذا الكتاب بمثابة تحد لم تكتب مثله ادانة للرجل الابيض جراء ما اقترفه من جرائم في حق اخيه الانسان ينطلق الكتاب وهو مشروع لنظام عالمي جديد من الحوار بين حضارات آسيا والاسلام وافريقيا وامريكا اللاتينية وهو يبحث في الآفاق التاريخية وفي المستقبل انطلاقا من وجهة نظر لا تركز على اروبا وهو يرفض النظرية التي تجعل من اروبا المحور في حين أن حضارتها لا تقاس بحضارات آلاف السنين السابقة وهو (اي قارودي) وفي غيره من المؤلفات كخطاب إلى الانسان ومشروع امل والاسلام يسكن مستقبلنا يبحث عن قواسم مشتركة بين الحضارات والديانات والثقافات معلنا بجسارة وجراة آراءه التي كلفته في كثير من الاحياان مضايقات وصلت إلى حد اتهامه بمعاداة السامية وقد منعت بعض كتبه وصودرت. يقول روجي قارودي (إن مدنيتنا الغربية في طريقها إلى الموت لا لنقص الوسائل بل لغياب الاهداف هذا هو أعمق مظهر من مظاهر ازمة الحضارة الغربية انها ازمة معنى ويمضي قائلا هذا هو اليوم الافق ينفتح امامنا نحن مسلمي الغرب لشد الرحال إلى فتح المستقبل، هذا الاسلام الابدي يمكنه اليوم أن يفتح العالم برسالته) اين من هذا الكلام وهذه الشهادة المنصفة من كلام دعاة صدام الحضارات الذين يتخذون ظلما وبهتانا الاسلام العدو القادم فلا يزالون بمناسبة وغير مناسبة يدقون طبول الحرب في خلط مقصود بين الاسلام رحمة الله بعباده وبين نبيه الاسعد الكريم عليه الصلاة والسلام رسول الهدى والرحمة وبين تصرفات طائشة رعناء يقوم بها افراد وجماعات هنا وهناك ليس لها بنصوص الكتاب العزيز وسنة وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام اية صلة من قريب ولا من بعيد. فالاسلام كان وسيظل إلى أن يرث الله ومن عليها دين السماحة والرفق ودين الوسطية والاعتدال * انه دين الدعوة بالتي هي احسن (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * انه دين الصفح والعفو والدفع بالتي هي احسن (ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم وشاروهم في الامر) * انه دين الاحسان في كل شيء (ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) * انه دين الحرية ويرفض الاكراه (لا اكراله في الدين قد تبين الرشد من الغي) * انه دين السلم والسلام (ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان) * وهو اولا وآخرا دين الحب لله ولانبيائه ورسله عليهم السلام واوليائه وعباده الصالحين. * دين لا تجتمع في قلب معتنقه الاحقاد والاضغان مع الإيمان الصادق الخالص (إلا لله الدين الخالص) (وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) ذلك غيض من فيض وقليل من كثير من قيم الاسلام السلوكية والاخلاقية والروحية وهي خير رافد يستند عليه المسلمون وينطلقون مجسمين لها في كل مبادرة وخطوة يخطونها في مجال حوار الحضارات والثقافات والله الهادي وحده والموفق للصواب.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.