المسيحيون العرب مكون أساسي للأمة وحضارتها ينبغي الحفاظ عليه وحمايته

المسيحيون العرب مكون أساسي للأمة وحضارتها ينبغي الحفاظ عليه وحمايته


من منا أهل الثقافة العربية الإسلامية من لم يقرا لجرجي زيدان وجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وحنا الفاخوري ونظمي لوقا وغير هؤلاء الأسماء من فرسان البيان العربي وعمالقة الفكر والثقافة الذين تركوا بصماتهم وأثارهم الواضحة الجلية تماما بنفس القسط والمقدار مثل إخوانهم من الأدباء والشعراء والمفكرين العرب أمثال الرافعي والعقاد وطه حسين والشابي والإبراهيمي فهؤلاء وأولئك إخوة وأشقاء يجمع بينهم أكثر من رباط: الجغرافيا والتاريخ والحضارة وغير ذلك الشيء الوحيد الذي لكل طرف منهما فيه خصوصية هو الدين بمعناه الضيق والذي هو النصرانية والإسلام أما الدين بمعناه العميق البعيد المندى فالطرفان إبراهيميان حنيفيان تعايشا في امن وأخوة وسلام وتقاسما الآلام والآمال وساهما كل بقسطه في صرح الحضارة العربية الإسلامية في تفاعل وامتزاج وثراء قل أن يوجد له نظير في الحضارات الإنسانية الأخرى. * ندلي بهذه الشهادة ونعبر عن هذه الحقيقة في هذا الظرف بالذات من تاريخ الأمة العربية والإسلامية لأن بوادر بث للفرقة والفتنة بين مكوني الأمة (مسلمين ومسيحيين) بدأت تلوح في الآفاق وبالذات في منطقة الشرق العربي وفي العراق بالتحديد الذي يعيش منذ احتلاله في فتنة عرقية وطائفية حزبية لم تعد تخفى على احد الأيدي التي تحركها وتأبى إلا أن تشعل نارها وتريد لها أن تأتي على الأخضر واليابس فإذا بالكنائس التي ضلت إلى جانب المساجد والجوامع يأوي إليها العباد ليجدوا فيها السكينة والطمأنينة ويتعبدون فيها ربهم الذي هو واحد، إذا بتلك الكنائس تداهم ويروع صفو أهلها لغير ذنب اقترفوه في ضرب عرض الحائط بكل القيم والمواثيق وفي تناقض صارخ مع صريح الآيات المحكمات من القرآن الكريم وفصيح الأحاديث والوصايا النبوية التي تحرم الظلم والعدوان وقتل الأنفس البشرية البريئة. * فقد تحدثت وكالات الأنباء وتناقلت نختلف وسائل الإعلام: مرئية ومسموعة ومقروءة أخبار هجرة جماعية لأعداد كبيرة من المسيحيين العرب الشرقيين الأمر الذي لفت الانتباه ودعا إلى دراسة هذا الوضع في مجمع كنسي رفيع انعقد في الفترة القريبة الماضية في حضيرة الفاتيكان. وكم كنا نود أن تسبق الجامعة العربية وحتى منظمة المؤتمر الإسلامي إلى الاهتمام بهذا الوضع الذي لا يجوز تجاهله والتهوين من مخاطره وهو قبل ذلك نيل صارخ من خصوصية ظلت ملازمة لهذه المنطقة من العالم ألا وهي خصوصية التعايش في كنف التسامح والاحترام المتبادل والتفاعل أخذا وعطاء بين مكوني الأمة من مسلمين ومسيحيين، هذا الواقع الرائع والمتميز والمجسم في حيز الواقع المعيش. لما نادت وتنادي به عهود ومواثيق حقوق الإنسان قديما وحديثا. لقد عاش العرب مسلمين ومسيحيين جنبا إلى جنب في المدن والقرى وحتى في الأحياء فلم توجد مدن وقرى وأحياء للمسلمين وأخرى للمسيحيين بل عاشوا جنبا إلى جنب يتفاعلون بصدق وإخلاص في الأفراح والأتراح ويقفون صفا واحدا لحماية الأعراض والأموال والأنفس والأوطان ضد كل معتد وغاز أجنبي. ويروى لنا التاريخ القريب والبعيد كيف هب النصارى العرب في الشرق إلى جانب إخوانهم من العرب المسلمين لصد الغزوات الصليبية ومن بعدها الهجمات الاستعمارية الغربية. ويروى لنا التاريخ القريب البعيد كيف أن الأمير عبد القادر الجزائري ذلك البطل الذي قاوم ببسالة منقطعة النظير المستعمر الفرنسي في الجزائر لما فرضت عليه إقامة جبرية في بلاد الشام هب بمن معه من الأتباع والأهل للحماية وللحفاظ على حياة مسيحي سوريا الذين تعرضوا لعدوان تسلط عليهم من بعض من ينتمون إلى الإسلام وكانت وراء تسلطهم وظلمهم جهات أجنبية وقد ضرب الأمير عبد القادر الجزائري بهذا الموقف الشجاع والنبيل أروع الأمثلة في السماحة والإنسانية والروح المليئة بالربانية والسمو وهو بهذا الصنيع وهذا الموقف الرائع يجسم أجمل تجسيم قيم الإسلام الصحيحة وليس هذا الموقف من الأمير عبد القادر شذوذا عن القاعدة بل هو مضي معها ووفاء لروح ومنطوق تلك النصوص الخالدة من قرآن كريم وأحاديث شريفة وآثار صحيحة لم تبق حبرا على ورق بل ما لبثت أن أصبحت ممارسة فعلية يأتيها الأمير والمأمور والصغير والكبير في تلقائية صادقة لا تكلف فيها وكان لذلك كله الأثر الايجابي في بث روح الطمأنينة وانتشار الأمن والسلامة. لقد امن الجميع مسيحيين ومسلمين على أنفسهم وعلى أموالهم وعلى أعراضهم وعلى أديانهم وكان كل ذلك التجسيم الفعلي لقوله تعالى “لا إكراه في الدين” ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “المسلم من سلم الناس من يده ولسانه” وظلت كلمات أبي بكر الصديق وهو يودع جيشه الخارج للفتح “ستجدون أناسا نذروا أنفسهم في صوامع لعبادة الله فاتركوهم وما نذروا أنفسهم إليه” وامتناع عمر بن الخطاب وهو في بيت المقدس من الصلاة في الكنيسة مخافة أن يتخذ المسلمون صنيعه حجة لإفتكاك الكنائس من أصحابها وقوله لذلك الذمي الفقير الذي وجده يتسول (ظلمناك أخذنا منك الجزية صغيرا وتركناك كبيرا) وأمره بدفع راتب لذلك الذمي من بيت مال المسلمين وكذلك صرخته المدوية في وجه ابن واليه عمرو بن العاص الذي ظلم قبطيا (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا). كل تلك الكلمات ظلت مدوية عبر الزمان والمكان يستهدي بها ولاة الأمور وعموم المسلمين فيما أعطوه من عهود ومواثيق لإخوانهم العرب المسيحيين وهي بحق عهود صدق ووفاء لا غاية من ورائها (خوفا أو طمعا) عاش بها المسيحيون العرب لا يشعرون بأدنى مضايقة، فهم في بلادهم التي فيها ولدوا وفيها نشؤوا وهم بين أهلهم وإخوتهم لا يتسلط عليهم أي ظلم أو عدوان ولا يضيع لهم أدنى حق من حقوقهم المادية والمعنوية ولذلك لم نجدهم في أي يوم من الأيام يفكرون في الهجرة أو الرحيل. وهل يُرحَل عن الأوطان أو يهاجر منها إلى سواها؟. إن المسيحيين العرب هم مواطنون في بلدانهم العربية هكذا وقعت معاملتهم دائما وهكذا ينبغي أن تظل العلاقة بهم. وبقاؤهم في بلادهم العربية سالمين آمنين مطمئنين فاعلين ومتفاعلين تظل به قائمة ناطقة هذه الميزة والخاصية التي عرفت بها الحضارة العربية والإسلامية والأمة العربية الإسلامية. لذلك كله ولغيره من الأسباب نقول: لا لأدنى ظلم أو تسلط أو عدوان على إخواننا العرب المسيحيين، نقول ذلك ووفاء لروح الإسلام ووفاء لروح الأخوة التي تربط بين العرب المسلمين والمسيحيين ووفاء للتاريخ المجيد ووفاء للحاضر والمستقبل الذي هو واحد. ونقول بملء أفواهنا اللهم إن أي أذى ينال العرب المسيحيين هو جرم كبير وظلم عظيم يأباه الله ورسوله وعباد الله الصالحين.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.