المسلمون في مواجهة تحديات العصر

المسلمون في مواجهة تحديات العصر


تواجه المسلمين اليوم تحديات عديدة تغزو أرضهم وتفتك بشبابهم ومثقفيهم وتتعدد مظاهر هذا التحدي فلا تترك ناحية من نواحي الحياة إلا وتقتحمها ولا يسلم منها الفرد ولا المجتمع. وكلمة الدارسين والباحثين مجمعة على أن هذا التحدي في واقع الأمر يواجه المسلمين لا الإسلام. لان الإسلام دين الله الخالد ورسالته الخاتمة لا يمكن أن يتهم بالقصور أو عدم الاستجابة لمقتضيات التطور والتقدم الحقيقي، فأصابع الاتهام تتوجه بإجماع كل المنصفين المتجردين إلى المسلمين الذين لم يرقوا في اغلبهم إلى مستوى روعة وعطاءات دينهم الحنيف. ومشكلة المسلمين اليوم تتمثل في انه عليهم وبصفة خاصة: حملة الأقلام وقادة الفكر ودعاة الإصلاح عليهم أن يجمعوا بين ما اصطلح على تسميته بالأصالة والمعاصرة، والقديم والجديد والموروث والمكتسب. لقد أثبتت الأيام والسنون خطا فك الارتباط بين هذا الثنائي فلا الذين تمسكوا بالقديم أمكنهم مواجهة التحدي ولا الذين تنكروا للقديم حققوا المرغوب والمطلوب. فلا بد من الأصالة والمعاصرة والقديم والجديد والمحافظة والإبداع تلك هي المشكلة التي لم يتوصل حملة الأقلام وقادة الفكر ودعاة الإصلاح إلى حلها حلا عمليا مقنعا. كثيرون هم أولئك الذين ينادون بضرورة المحافظة على هذه الثنائيات لتحقيق الاستجابة الفعلية لتحديات العصر التي لا يمكن إنكارها ولكن القليل منهم من توجه إلى ميادين التحدي الفعلية وحاول اقتحامها، فلا يكفي أن نشدد النكير على مستوى الخطب والمواعظ والمقالات والأحاديث الإذاعية والتلفزية والندوات والمؤتمرات على الدخيل المستورد والأجنبي الغازي وأن ندعو إلى المحافظة على الموروث الأصيل. تلك كلمات رنانة ينتهي طنينها ويغيب تأثيرها عندما يجد الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم بكل فئاته وعلى مختلف مستوياتهم ومجالات حياتهم وجها إلى وجه مع متطلبات العيش ومستلزمات الحياة التي لا تقبل تأجيلا أو تأخيرا. هنالك يجد المسلم نفسه في مأزق وممزقا، ففي داخله رغبة ملحة لعدم مخالفة أوامر دينه وتوق إلى الالتزام به وبين واقعه الذي فيه عروض وحلول وأطروحات غازية غربية عنه، هنالك تذهب إدراج الرياح تلك العواطف المتأججة المنطلقة من أفواه دعاة الإسلام وأقلامهم ويرتمي المسلم مضطرا في نسق عيش متكامل تفرضه عليه حضارة غازية غالية هي قطعا ليست حضارة الإسلام. ينبغي علينا أن نعترف بكل شجاعة أننا لم نوفر للمسلمين في هذا العصر البديل المرضي الذي تطمئن إليه قلوبهم وجوارحهم وينال رضاهم الكامل واستجابتهم السريعة والتلقائية ولم نقدم بعد شيئا يذكر بعد وانه لا يزال أمامنا عمل طويل المدى ينطلق إن أراد الوصول إلى هدفه ومرماه من النقد الذاتي والصريح لوسائل عملنا الحاضرة التي لم تزدنا إلا غربة وتأزما وتمزقا. ينبغي أن نقلع عما اعتدناه من تعميم وعاطفية وتسرع ونعود أنفسنا على العمل المنظم والمخطط والهادف والهادئ الرصين. علينا أن ننظر إلى ما حولنا ومن حولنا فتكون لنا الشجاعة الكافية والتجرد والتواضع والإنصاف وبعد النظر الذي يمكننا من التفريق بين نواحي الجدية والإبداع والعطاء الإنساني الذي لا يمكن إنكاره وبين الأعراض الزائفة الزائلة. لماذا لا يستفيد المسلمون اليوم من غيرهم؟ من أساليب عملهم وطرق سيرهم في حين أنهم يستعملون في كل مجالات حياتهم ما يستوردونه من منتوجات وأدوات. سيجد المسلمون إذا تجردوا أن كثيرا من القيم والمثل وطرائق العمل اقتبسها هذا الغرب المتقدم من أسلافنا. وسواء كانوا اقتبسوها أو تواصلوا إليها باجتهاداتهم فقد اهتدوا إلى سنن التقدم والرقي والتحضر فسلكوها وهي سنن إذا أخذت بها امة لا تتخلف عما تروم الوصول إليه. لماذا يرى المسلمون أسباب تمدنهم وتقدمهم بالأمس وأسباب تمدن وتقدم الغرب اليوم فلا يأخذون بها؟ إن واقع المسلمين العلمي والفكري والإعلامي يحتاج إلى المراجعة فإذا كانت مناهجنا إلى اليوم لم تحل إشكالية الأصالة والمعاصرة والقديم والجديد. إن لغة الخطاب الديني في عصر الفلسفات المادية والدعوات الإباحية التحللية ينبغي إن تتغير وتتبدل. إن استعمال الخطاب الديني القديم الذي تحشر النصوص ويعطل العقل ويتغافل عن الواقع بكل تناقضاته هو كالذي يختار ركوب الجمل في عصر الطائرة والصاروخ. فالكنيسة مواكبة لروح التمدن والتقدم اضطرت إلى تطوير وسائلها واكتساب كل عطاءات العصر والحضارة الفكرية المادية في سبيل أن يستمر تواجدها في المجتمع الغربي وجهت بعشرات بل بمئات وآلاف أبنائها إلى اختصاصات فكرية وعلمية مختلفة لأجل أن تثبت لجماهير الشباب والمثقفين في ديار الغرب أن رسالة المسيح تلاحقهم في مخابرهم ومصانعهم وحقولهم ومستشفياتهم ومنتدياتهم الفكرية الأدبية والفنية يحملها رجال دين ليسوا من قبيل أولئك الذين عرفهم المجتمع المسيحي في الماضي منزوين في كنائس ومعابد ومنقطعين عن العالم الخارجي المحيط بهم. إن هذا التفتح على المحيط في العصر الحديث فرض لازم على كل منتصب للتوجيه والإرشاد والعطاء، ولا يمكن أن يقود المسيرة الفكرية العلمية الأصيلة من ينغلق على نفسه ويتناسى الواقع المحيط به بكل تناقضاته. إن إنكار هذا الواقع وإقناع الغير برفضه لا يمكن أن يكون إلا إذا عرفنا هذا الواقع على حقيقته وأدركنا ما فيه من نقص وفلول وسلبيات. ولذلك فان الواجب إذا نحن أردنا إن نواجه تحديات العصر إن نبادر إلى مراجعة طرقنا وأساليبنا فنجددها ونطورها على أساس قتل الموروث من تراثنا الخالد بحثا ودراسة واستيعاب ما فيه وتمثل مقاصده وأهدافه السامية ثم معرفة أراء الغير ومذاهبهم على حقيقتها ونقض المنحرف منها والتصدي له. بذلك فقط يمكننا أن نستجيب للتحديات ونواجهها مثبتين عمليا أن ديننا هو حقيقة في مستوى كل تقدم ورقي حقيقيين ولنشرك في عملية الدعوة إليه فعليا فئات الطبيب والمهندس والفني عالم الاجتماع وعالم النفس ورجل القانون ورجل الاقتصاد وغيرهم ممن يمكنهم اليوم أن يكونوا اقرب إلى الجماهير في الحقول والمصانع والمخابر والنوادي والمنابر من الشيوخ بعمائمهم وأساليبهم المتينة الأصيلة والذين لا يمكن إنكار فضلهم ودورهم في تفقيه المسلمين أمور دينهم في الماضي والحاضر. إن العصر المتقدم والمتطور الذي يعيشه المسلمون فرض عليهم أن يطوروا أساليب الدعوة والإرشاد ووسائلها ويقدموا البدائل القابلة للتطبيق الفوري وان لا يكتفوا برفض الدخيل المستورد. لكن هذه الغاية العزيزة والي يتمنى بلوغها كل مسلم تستوجب علينا القيام بمراجعة جذرية لمناهجنا التعليمية وبصفة خاصة مناهج جامعاتنا الإسلامية بكلياتها المختلفة لتخريج جيل رائد قادر على الاجتهاد الأصيل الذي يحقق الإبداع في كل الميادين على غرار ما فعل أسلافنا وبدون هذه المبادرة يبقى الإشكال قائما والوضع مترديا والمسيرة متوقفة والتحدي الخارجي قائما.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.