المحمديات في مولديات الشيخ الحبيب المستاوي من خلال ديوان (مع الله)

المحمديات في مولديات الشيخ الحبيب المستاوي من خلال ديوان (مع الله)


واكب الشعراء قديما وحديثا ما عاشته أمتهم من أحداث وما احتفلت به من أعياد وما تجدد إحياؤه من مناسبات وذكريات وحازت ذكرى المولد النبوي الشريف وذكرى الهجرة النبوية وذكرى الإسراء والمعراج وذكرى غزوة بدر وذكرى نزول القرآن وذكرى فتح مكة وليلة القدر حازت كل هذه المناسبات الدينية من الشعراء قديما وحديثا ما تستحق من الاهتمام والوقوف عندها لاستنباط العبر والدروس منها واستنهاض الأمة لتأخذ بأسباب التقدم والتمدن وتضرب عرض الحائط بكل ما يمكن أن يجعلها تبقى ترزح تحت نير الجهالة والتخلف وكل ما يمكن أن ينشر بين أفرادها الفرقة والفتنة والاختلاف والتنازع. ومواكبة لذكرى المولد النبوي الشريف نستعرض للقراء عينات مما تضمنه ديوان (مع الله) للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله الذي توفي يوم 12 رمضان 1398هـ/18 سبتمبر 1975 مما حيا به ذكرى المولد النبوي الشريف، ومن جميل الصدف أن تكون أول قطعة شعرية تضمنها ديوان (مع الله) الصادر بعد وفاته والذي قدم له صديقه وزميله الأستاذ البشير العريبي تحمل عنوان (نداء) من وحي المولد النبوي الشريف حيث يخاطب الشاعر صاحب الذكرى عليه الصلاة والسلام بقوله: أنت إشراقة الوجود تبدت * بإتزان وروعـة وجـلال أنت أنشـودة السمـاء ولحن رددته الأكوان دون مـلال أنت في الخلد والفراديس معنى * من معاني التنعيم والإفضال أنت رمز الوفاء للمثل الأعلى * وأنـت المشيع للأمثــال والمولد هذه الذكرى التي تتجدد كل عام ويتجدد الوقوف عندها للتدبر والاعتبار واستعراض مسيرة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت مليئة بالكمالات فقد كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيها من معاناة وتحمل للأذى وبما فيها من تطابق بين القول والفعل والمظهر والمخبر بحيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بحق الأسوة والقدوة الحسنة لأمته، كان ذلك مناسبة للتعبير عن كل هذه المعاني. يقول الشيخ الحبيب المستاوي: بـارك الله (مـولـدا) لمعـان * أنـت أبرزتها بكل اعتــدال أي وزن لحكمـة مـن حكيـم * لـم تؤيد بصادق الأفعــال؟ أنـت أعطيت من سلوكك دينـا * سوف يبقى منارة الأجيــال كـم تلقيت من أذى واعتساف؟ * كم تحملت من صنوف النكال؟ لـم يصب قلبك الكبير بضـيق * فـي ظروف شنيعة الأهـوال قد وسعت الورى بصفح جميل * إذ تناسيت ماضـي الأنــذال فتـربعت فـي القلوب مقامـا لم ينل بعضه عظيم الرجــال إن عظمة محمد عليه الصلاة والسلام تتجلى في تواضعه ورأفته ورفقه، لم يتغير ولم يتبدل هو، هو في كل أحواله، في الشدة والرخاء، وفي العسر واليسر، ومن غير محمد صلى الله عليه وسلم يملك أن يكون كذلك؟! يقول الشيخ الحبيب المستاوي: من ترى يملك البلاد ويبقى * مثلما كان في ظروف النضال؟ يحمل الكل يجعل التمر قوتا * يتغاضى عن محرجات العيال وهو من هو في جلال وحكم * واتساع السلطان والأمـوال من ترى غير (أحمد) يلفى * وهو بالفقر في جميع المحال يستوي عنده النعيم وضيق * شاكرا في المتاح من كل حال ها هنا يكمن الخلود لدين * دائم الدفع دائـم الاتصــال ولا يترك الشيخ الحبيب المستاوي مناسبة (ذكرى المولد النبوي) تمر دون أن يستنهض الأمة كي تغير ما أصابها من وهن وضعف. يقول: إيـه يـا أمـة الخلـود لماذا * فاتك الركب؟ أفصحي بالمقال ليت شعري كم ذا يدوم هجوع؟ * هل أصيب اتصالنا بانفصال؟ هـل فتنا ببهـرج وطــلاء؟ * وانتشينا بفـارغ الأمــال؟ ونبذنـا تـراثـنا بــازدراء * فـي عقوق وقحة وأبتـذال؟ أقفـر القلـب والعزائم خارت * وأصيب الذكـاء بالامــحال ثـم لذنا بكل عـذر سخيــف * شأن أهل المراء أهل الجدال ونسبنـا لديننـا كـل نقـص * ورمينا دعـاته بالخبـــال وفي نفس الديوان (مع الله) نقرأ قصيدا آخر نظم بمناسبة المولد النبوي يحمل عنوان (هو سر الوجود) وفيه يصور الشاعر ما صاحب ليلة المولد النبوي الغراء من إرهاصات ومعجزات عمت كل الكائنات التي عبرت كلها عن فرحتها بمولد السيد الكامل من لولاه لم تخرج الدنيا من العدم انه محمد بن عبد الله من أرسله الله رحمة للعالمين وبشيرا نذيرا وسراجا منيرا صلى الله عليه وسلم. يقول الشيخ الحبيب المستاوي بسمة الدهر بالسنى قـد تجلت * والأمـاني ثمـارها قـد تدلـت والشحارير بالحبـور نشـاوى * رددت لحنـها الجميـل وغنـت والرياض الغناء داعبها البشـر * فماست أغصـانها ثـم صلــت والنسيم العليل ضمخه العـطـر * ففـاحـت أنفـاسـه وتنــدت وعذارى الفردوس ترفـل تيهـا * فـي حـلاها وحسنها قـد تبدت والسماوات أشرقـت بالـدراري * مـزهـرات للمبلسين تصــدت والغوي الطريد يجـرض غيضـا * كـل آمـالـه خبـت وتــردت والطواغيت نكس آلـرأس منهـا * مالها-ويحها-استكانت وذلــت؟ والتماثيل أصبحت وهي صـرعى * هالـها مشهـد الـدلال فخـرت وعـروش البغاة زعزعها الحـق * فأيـن الأوهـام أيـن تولــت؟ غاض نبع المياه في ارض ساوى * هل تـرى أن أرضها قـد تروت؟ مـا لنـار بفـارس عبـدوهـا؟ * أخمدت فجأة؟ ترى كيف كلــت؟ هيبة (اللات) أو (مناة) و(عزى) * سوف تلفى وقد هوت واضمحلت هكذا أتى الشيخ الحبيب المستاوي في هذه الأبيات من قصيد (هو سر الوجود) على كل ما ورد في كتب السيرة من معجزات اقترنت بمولد سيد الكائنات من خوارق العادات التي لا عجب في وقوعها ما دام الذي قال لها كوني هو الله الذي هو على كل شيء قدير. وكيف لا تعبر كل الكائنات وحتى الجمادات عن تفاعلها بِشرا وحبورا بمولد سيد الكائنة نبي الرحمة ومن كشف الله به الغمة؟ لقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هو معجزة خالدة يقول الشيخ الحبيب المستاوي هـو للناس مرسل بكتاب * فيه آي جل الإله وجـلت عصمة الله أفردته بحفـظ * كم أياد أرادت الشر شلت؟ معجز اللفظ والمعاني ثري * بالذي فجـر العقول فثرت وتظل العبرة والموعظة ويظل الاستنهاض للأمة بهذه المناسبة، ذكرى المولد النبوي الشريف حاضرا الحضور البارز في كل القصائد المولدية في ديوان (مع الله) يقول الشيخ الحبيب المستاوي ليـت شعـري فمـا لأمة (طه) * مـن كتاب الإصـلاح فـرت؟ أبـدلت محضها الصريح بزيف * وتولت عـن أصلها وتخلـت سامـها آلـذل والهـوان بغاث * يوم أن وزعت وحادت فضلـت (قدسها) الأشرف المنيع مداس * ودماء الأحرار في القدس طلت ونسـاء مـن ذلهن سكـارى * عصمة الدين والعفاف استحلت ويتـامى مشـردون عــراة * حطمتهم دنيا ألكـلاب وهـرت وبعد هذا التصوير الدقيق لأوضاع الأمة المؤلمة والمآسي التي تعيشها بالخصوص في الأرض المباركة مسرى رسول الله ومعراجه يختم الشيخ الحبيب المستاوي بالتوسل إلى الله برسوله الكريم وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم كي يفرج على الأمة حيث يقول: يـا رسول الإلـه يومك عيـد * فصلاة إليك بالعيد زفـت نرتجي خالـص الشفاعة جسرا * إن أقدامنا الضعيفة كلـت أو ترضى يا سيدي الرسل يوما * أن ترى امة القرآن أذلت؟ لست ترضى يا سيدي ! أفترضى * بشنار لـه الجبـاه تنـدت يـا مقيل العثـار أنـت غيـاث * قد هوت أمة الحبيب وزلت فأغـثنا بوابـل مـن حنــان * لرسول وراءه الرسل صلت وسـلام الأمـلاك والإنس طرا * إن أكبادنا العطـاش تفلـت وفي قصيد يحمل عنوان (بعثت لكل الخلق) يخاطب الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: حبيبي رسول الله يا خير مرشد * أحييك ما هلت أهلة مـولد وأنظم من غر القريض خريدة تخلد ذكري في مديح محمد وتلحقـني بالسابقـين بحبـهم * وحب حبيب الله أجمل مقصد ويتغنى الشيخ الحبيب برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو نور مضيء وهو نبع علم وحكمة وهو المبعوث لكل الخلق فيقول: فما أنت يا (طه) سوى نور خالق * تجلى لهذا الكون يهدى ويهتــدي يشـع على كـل الخليقة ضوؤه * فينـزاح ليـل بالضلالـة يرتـدي ومـا أنـت إلا نبع علـم وحكمة * سيبقى مـدى الآماد أفضل مـورد بعثـت لكـل الخلـق قائـد أمـة * إلى الخير في هذى الحياة وفي غد والدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو دين المساواة الكاملة بين كل الناس بمختلف ألوانهم ولغاتهم وأجناسهم يقول الشيخ الحبيب المستاوي وما اللون والأجناس إلا عوارض * فأفضل خلق الله ذو العقل واليد وأطهرهم مـن ليس يضمر قلبه * لكل الورى إلا بريء التــودد وأقـربهم لله مـن كـان نفعـه * عميما ولم يخلط بغاية مفســد ويختم الشيخ الحبيب المستاوي قصيده بما اعتاده من الدعاء والضراعة إلى الله والتوسل له برسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ألا يـا رسول الله قـد طـال ليلنــا * وكم طال ليل للمريض المسهد أنـبقـى عـلى ذل وتفكـيك وحـدة * وتمزيق شمل بين باغ ومعتد؟ وأنـت حبيـب الله أنـت مشـفــع * شفيع وفضل الله أعظم مسند فسـل خالق الأكوان من محض فضله * ليدركنا بالعفو واللطف سيدي ويبلغ الامتزاج ذروته وأقصى مداه في قصيد (أحمد المجتبى) فالشيخ الحبيب المستاوي يُسَبِّلُ كل ما عنده وما وهبه الله لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، إنه الحب الذي يتذوق به صاحبه حلاوة إيمانه يقول أحمد المجتبى شفيع الأنام * لك دوما تحيتي وسلامـي لك عقلي سبلته ولسـاني * لك قلبي ومهجتي وغرامي لـك دنياي كلها وحيـاتي * لك أهلي ومطمحي ومرامي لست لولاك يا وسيلة هديي * غير وهم في زمرة الأوهام ويعدد الشاعر ما جمع الله لرسوله الكريم عليه السلام من أفضال ومكارم ومحامد فيقول: جامع الفضل في رسول أمين عربي متوج بالختام خصـه ربـه بقـرب وحـب ومقام الحبيب خير مقــام دونـه الخلــة المنيفة قـدرا * أين منها مراتب الأقــوام؟ لم ينل شـأوه البعـيد نبــي * أو رسول أكرم به من إمـام فهـو كالشمس إن تبدت بكون * أغنت الكون عن بدور التمام ويختم الشيخ الحبيب المستاوي قصيده المطول الذي لم يقتصر فيه كعادته على إيراد صفات ومحامد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أضاف إلى ذلك وقفات مع هدي الإسلام في مختلف مجالات الحياة وضمن كل ذلك تأملات وتجليات روحية وتوسلات واستغاثات وضراعات ودعوات حارة تسمو بها روحه إلى معارج الملإ الأعلى وذلك كثير ولا يخلو منه قصيد بل هو الغالب على ما جاء في ديوان (مع الله) الذي هو بحق تأملات روحية. قال الشيخ الحبيب المستاوي في خاتمة قصيد (أحمد المجتبى) رب إنـي محب أحمد صــدقا * رب فارفع بحبه كــل ذام رب عالــج أوصابنا وأزلـها * أنت يا رب قاهر الأسقـام نـور القلب بارك السعي وافتح * فتح فيض يغنى عن الأقلام أصلح الحـال والمـآل بنصـر * وأمان وعزة واعتصــام إلى أن يقول: وتفضل بحمل أزكـى ســلام * للنبيء المـقدم المقـــدام مـن به يفتح الدعـاء وينهى * إن أردناه فاتح الأكمـــام صـل يا رب يـا إلهي عليـه * في ليالي الحيـاة والأيــام وعلى آله وصحـــب كـرام * وجميع الأحبـاب والخــدام وعلى مـن بـه تعلق عشقـا * فهو غوث ولهو نعم المحامي مـن سواه يقوم فـي يوم حشر * شافعا باكيا لهـول الزحـام؟ نحن أحرى بذى الشفاعة فاشفع * يا شفيعي وبغيتي ومـرامي فــي مريد وعاشـق و“حبيب” * صـار يحيا بنفحة الإسـلام وفي ديوان (مع الله) قصائد عديدة نظمها الشاعر في البقاع المقدسة سواء كان ذلك بمناسبة آدائه لمناسك الحج والعمرة أو عند حضوره ومشاركته في المؤتمرات الإسلامية التي عقدت في تلك البقاع، ولتعلقه الشديد وحبه القوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يسارع كل مرة تتاح له ليسبح في مناجاة وضراعات وتوسلات واستغاثات تأخذ بشغاف القلب من ذلك ما قاله وهو في الروضة النبوية الشريفة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة. جئت للروضة الشريفة ابكي طالبا خائفا بصيرا سميعا لـم أجد غيره يفرج همـا * ناشرا رعبه مخيفا مريعا ثم يقول: فبحق الرسول أحمد هذا * اجعل الداء راحلا مصفوعــا تلوه الغم والهموم وكربا * لن أرى تابعا ولا متبوعـــا قد تعاصت وأتعبتني كثيرا * صيرتني نضو الفراش ضجيعا ويختم قصيده بقوله: رب شفع محمدا في مريد * لا تذر ركن عزمه مصدوعا أذهب البأس والشدائد عنه * اجعل الضر إن عتا مصروعا وارض عنا بحقه، يا الهي * كي تظل القلوب دوما شموعا وعليه السلام في كل حين * فعلى حبه طويت الضلوعـا وفي ديوان (مع الله) قصيد مطول بعنوان (في حمى المصطفى) استعرض فيه الشيخ الحبيب المستاوي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر بها وأشرك القارئ والسامع لها معه في متابعة لمختلف مراحل حياة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.