الكثيرون في الغرب دخلوا في الاسلام من الناحية الروحية

الكثيرون في الغرب دخلوا في الاسلام من الناحية الروحية


يقول الدكتور داود قريل متحدثا عن رحلته في دراسة التصوف:      

         الكثيرون في الغرب دخلوا في الاسلام من الناحية الروحية باعتباره دينا كاملا يوحد بين الظاهر والباطن

            والدي كانا قد دخلا في الاسلام وانا صغير وهذا شجعني على تعلم العربية وفي هذا الوقت لم يكن تدريس العربية منتشرا في فرنسا وفي الجامعة كنت تقريبا الفرنسي الوحيد في قسم اللغة العربية فمعظم من كانوا معي من أصول عربية وقد درست العربية على يد مستشرقين كبار، ثم حصلت على منحة للدراسة بالجامعة الاسلامية بالسعودية وهناك كان الجو مختلفا تماما فمعظم من كنت أقرأ لهم في فرنسا كانوا في السعودية "رؤوس الملحدين" وبالطبع صدمت ولم أستطع ان أبقى اكثر من سنة في هذا الجو، ولكني تعلمت في السعودية على ايدي بعض المشايخ هناك أصول اللغة العربية والكثير من العلوم الشرعية، ثم سافرت الى سوريا والجزائر، عدت بعد ذلك لفرنسا لتدريس اللغة العربية وهناك بدأت في دراسة الشيخ محي الدين بن عربي.

            وسافرت ايضا الى مصر وفيها شعرت بضرورة دراسة التصوف وبدأت اهتم بالكتب التي تتحدث عن ذلك وهي تسمى كتب "المناقب" سواء كانت تتناول حياة شيخ واحد او مجموعة من المشايخ وهي تجمع بين المعلومات التاريخية وذكر الكرامات وبدأت أفكر ما فائدة هذه الكرامات ولماذا كتبت وما مغزاها هل هي فقط  لإقناع الناس بولاية الشيخ الفلاني أم لها أبعاد أخرى، وهذا ما يمكن ان نسميه "آداب المناقب" وأصبح التفكير في هذه المواضيع يمثل جانبا كبيرا من اهتماماتي بجانب كتب ابن عربي وبعض الكتاب الآخرين من نفس الاتجاه الذي يسميه البعض "التصوف الفلسفي" ولكنني اعترض على هذه التسمية فابن عربي لم يكن فيلسوفا فالفلسفة لها مصادر أخرى أكثرها يونانية والفيلسوف يعتمد على عقله أما الصوفي فمنهجه يختلف تماما فهو يتلقى العلوم والمعارف من داخله ومن باطنه بنوع من الالهام وابن عربي كثيرا ما فرق بين الفيلسوف او صاحب النظر كما يسميه وبين التابع الذي يتبع اثار الرسل والانبياء في منهجه ومنهج الانبياء وبالتالي يكون منهج الصوفي هو تلقي الالهام من عند الله، وكتب المناقب اذن تفيدنا في معرفة حياة هؤلاء المشايخ وكيف كانوا يعيشون مع مريديهم ومع الناس وعلاقاتهم بالحكام.

            وفي فترة من الفترات انتشر التصوف الاجتماعي بشكل كبير على يد بعض المشايخ امثال عبد القادر الجيلاني واحمد الرفاعي واخرين مثل الشيخ الشاذلي الذي ذاع صيته في مصر وخلفائه ايضا مثل ابو العباس المرسي في الاسكندرية وكان لهؤلاء الشيوخ تأثير الى حد ما على الحكام قبل الافراد فعلاقة الصوفية بالحكام تختلف على حسب الفترات

            أما مريدو هؤلاء الشيوخ فكانوا يعتبرونهم الحكام الحقيقيين للعالم اعتمادا على فكرة "القطب" فهم يشبهون العالم بالرحى التي تدور حول هذا القطب الاوحد كان العالم كله يدور حول انسان واحد، وهذه الفكرة شرحها ابن عربي في الفتوحات المكية وفي كتب اخرى ولها علاقة ايضا بمفهوم الانسان الكامل وهو الرسول قبل كل شيء...والرسول لا بد ان يكون له في كل وقت خليفة هو خليفة الله ايضا فالعالم في وجهة نظرهم لا يقوم الا بوجود "عبد الله الكامل" لان النفوذ الالهي في الكون يمر عن طريق هذا الشخص، وهذا الفكر كان منتشرا جدا حتى عند السلاطين فكانوا يحتاجون الى بركة هؤلاء الاولياء دائما وهذا موجود حتى الان فالناس تثق بسيدنا الحسين أكثر مما تثق في الحكومات فهم "الاولياء" يحققون المطالب بطريقة مباشرة بعيدا عن مشاكل الحكم والادارة.

            ومما اشتغل عليه الان هو كتاب مناقب عن الشيخ عبد الله المنوفى وهو اصلا من البحيرة جاء الى القاهرة وهو شاب واستقر فيها وهو تقريبا كان معاصرا للناصر محمد بن قلاوون وكان عالما ودارسا للفقه المالكي واخذ الاتجاه الصوفي ايضا ويمتاز هذا الشيخ بالزهد الشديد في الدنيا وقد درس في المدرسة الصالحية التي لا تزال موجودة حتى الان وكتب هذا الكتاب أحد تلامذته وهو خليل ابن اسحاق صاحب المختصر في الفقه المالكي، ويبرز الكتاب الذي كتبه خليل بن اسحاق عن استاذه الشيخ المنوفي جوانب كثيرة في حياة هذا العالم في الاسلام والعديد من الكرامات التي تدل على الزهد الشديد في الدنيا، وهو يصف لنا طريقة الحياة في هذه الفترة وبهذا يكون مفيدا تاريخيا ايضا فمثل هذه الكتب تكون نقطة وصل بين الدراسات التاريخية والتصوفية.

وقد بدأ الاوروبيون يهتمون بالتصوف في أواخر القرن التاسع عشر وأكثر الذين كتبوا عن التصوف في هذه الفترة غلب على فكرهم ان التصوف نزعة من النزعات الفكرية في الاسلام تختلف عن النزعات الاخرى الفلسفية الفقهية أما في زمن الاستعمار فقد لاحظ الفرنسيون أهمية دور الطرق الصوفية في بلاد الشرق فقد كانت عائقا كبيرا امام دخولهم هذه البلاد ومن هنا فقد درسوا الصوفية "دراسة مخابرات" ولكن بجانب هذا فهناك من درس التصوف من حيث التاريخ ومن واقع الكتب كظاهرة هامة تستحق الدراسة وبعضهم قد اهتم بالناحية الروحية للتصوف

والغرب بشكل عام درس الاديان الشرقية بطريقتين الاولى اكاديمية متخصصة والثانية كشيء يمكن ان يعيد الروح للغرب كمثال يمكن ان يسلكه الانسان الغربي ليجد نفسه من جديد والكثير دخلوا في الاسلام من هذه الناحية فقد وجدوا ان الاسلام دين كامل يوحد بين الظاهر والباطن.

والخلط بين التصوف والتشدد فهم خاطئ لان التصوف يمثل الجانب الروحي في الاسلام والجانب الروحي في كل الاديان هو جانب مفهوم من كل الناس لأن لغة الروح لغة مفتوحة على كل الناس وكثير من الناس انجذبوا للاسلام بعد ان قرأوا في التصوف...الصوفي قد يكون متشددا على نفسه ولكن ليس على الآخرين، ومن تعريفات التصوف انه هو الذي يحبب الله للناس ويحبب الناس في الله فالتصوف كله مبني على المحبة محبة الله ورسوله والناس أجمعين وبالعكس فهناك قابلية في الغرب للتصوف ولكن قد يكون لديهم بعض الافكار الخاطئة ان المتصوفين منغلقون بعض الشيء في تعاملاتهم ولكن الذي لا يفهمونه ان الصوفي يتعامل "بالحال لا بالمقال" بالفعل لا بالقول.

وتحقيق التراث الصوفي يحتاج الى تدعيم لان كتب التراث ليست كتبا تجارية وهي ايضا مهمة شاقة وتحتاج الى وقت طويل، ومصر كانت رائدة التحقيق في زمان ما ولكن هذه الحركة ضعفت كثيرا الان للاسف ولا اعرف لماذا توقفت مشاريع التحقيق ومن يقوم بها الآن انما يكون من منطلق علمي بحت فلا بد من تدعيم الحكومة وان تعمل الدولة على جعل هذه الكتب متداولة يستفيد منها الجميع وليس الدعم ماديا فقط وانما لا بد ان يكون هناك دعم معنوي من الاساتذة في الجامعات للطلاب لكي يشجعوهم على هذا العمل الامر يحتاج الى سياسة ثقافية واعية ومصر في حاجة لتدعيم دورها لترجع لها ريادتها في هذا المجال الهام.والمغرب العربي له نشاط جيد في هذا المجال ولكن التصوف جزأ لا يتجزأ من تاريخ مصر فنرجو ان يفهم المسؤولون عن الثقافة في مصر ان الاهتمام بالتراث بشكل عام سيكون من المساعي التي سيشكر العالم مصر عليها.

ومن المهم ان نعرف ان كتب ابن عربي ليست لكل الناس وهو لم يؤلف كتبه الا لتلاميذه المباشرين الذين كان لهم تفكير عميق وهذه الكتب لهؤلاء المشايخ وليست للمريدين العاديين ومع ذلك اصبحت مع كتب التراث المطبوعة التي يمكن ان يطلع عليها الجميع ومن يفهم يفهم ومن لا يفهم لا يفهم ! وبالرغم من ان بعض كتبه اقرب الى الالغاز الا ان هناك كتبا بسيطة الى حد ما "الفتوحات المكية" مثلا من أكبر واهم كتبه فيها صفحات تقرأها بسهولة وصفحات صعبة جدا ولكنه ختم الكتاب بباب سماه الوصايا وهي بسيطة يستطيع قراءتها كل الناس وله كتب أخرى سهلة نسبيا.

ويزيد من أهمية ابن عربي انه لم يكن يعتبر نفسه صوفيا فالصوفي عنده من اصحاب الاحوال وهو يرى نفسه من أصحاب الاسرار الذين يكشفون حقائق الامور حيث يمر بكل الاحوال والمقامات الى ما يسميه اللا مقام فيطلع من هنا على حقائق الكون والوجود ولذلك فهو يعتبر مجددا للكتابة الصوفية وانتقد كثيرا في ذلك لأنه تطرق لمواضيع لم تتطرق اليها الصوفية من قبل مثل مباحث الوجود والتي كانت من اختصاص الفلاسفة، وقد سلك طريقا يشبه الى حد ما طريق الفلاسفة في بعض الموضوعات ولكن بنظريات جديدة تماما فهو صاغ هذه الافكار في صيغة جديدة وفتح ابوابا على فهم الكون، وجمع ايضا بين ما يقوله الفلاسفة عن وجود الكون وبين ما يقوله القرآن عن خلق الكون وقوله تعالى (كن فيكون) فأعتقد اننا في كل زمان وخاصة في زماننا هذا بحاجة الى كل هذا لأن كل ما يتعلق بالكون والوجود الذي نتعلمه بطرق علمية ليس له اي علاقة بالدين، نجد في مؤلفات ابن عربي ما نستطيع ان نربط به بين القرآن وبين الفهم الجديد للكون. وابن عربي كان مجتهدا يرفض التقليد وكان يشبه ابن حزم في ذلك فمادام الانسان يستطيع ان يجتهد فالتقليد لا يجوز.

عن جريدة أخبار الأدب المصرية بتاريخ 4 يوليو 2004



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.