القرآن الكريم لا يمكن أن تتعارض آياته مع الحقائق العلمية

القرآن الكريم لا يمكن أن تتعارض آياته مع الحقائق العلمية


يزخر القرآن الكريم بالإشارات العلمية الدقيقة في مختلف الاختصاصات والفروع وهذه الإشارات لا تتجاوز إطار الإعجاز الدال على أن هذا القرآن منزل من عند الله تبارك وتعالى وأن دور سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم فيه هو الإبلاغ والتبيين، فالناظر في القرآن الكريم لا يجد أي تناقض أو تعارض بين آخر المبتكرات العلمية والاكتشافات وما أشارت إليه الآيات القرآنية منذ أربعة عشر قرنا في زمن كانت فيه العلوم والمعارف متخلفة بدائية ولما تقدم العلم وازدهر بقي النص القرآني على صحته يعاضد النتائج التي وقع التوصل إليها ويدفع إلى اكتشاف المجهول منها ولا يمكن أن ينسب عاقل هذه الدقة المتناهية في مختلف الاختصاصات إلى عبقرية إنسان مهما كان هذا الإنسان ومهما تعددت إمكانياته فلا بد أن يخطئ ويجانب الصواب ولابدّ أن تظهر للعيان على مر الأزمان عثراته، إن المختصين في الطب والتشريح والفلك والبيولوجيا والجيولوجيا وعلوم الفضاء والكيمياء وغير ذلك وقفوا مشدوهين مبهورين أمام ما لاحظوه من دقة وصحة وسبق للآيات القرآنية وتطابق مع آخر ما توصلت إليه العقول البشرية وحتى الالكترونية وعبروا على مختلف أجناسهم وأديانهم ولغاتهم واختصاصاتهم عن اقتناعهم باستحالة أن يكون القرآن كلام بشر بل هو كلام العليم الخبير، والقرآن الكريم وهو يحتوي على هذه الإشارات في مختلف الاختصاصات العلمية لا يتجاوز حد التلميح وذلك لكي لا يحيد عن المقصد والغرض الذي من أجله أنزل فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد وتوجيه وإصلاح (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) البقرة آية ومن يحاول أن يجعل من القرآن كتاب فلك أو طب أو هندسة أو زراعة أو أي من فنون العلم لا يخدم القرآن بل يسيء إليه وهو بهذا التمحل يوقعه في تناقضات وذلك بتبني بعض الآراء المستجدة والادعاء بأنها واردة في القرآن الكريم وهو نفس الخط الجسيم الذي وقعت فيه الكنيسة عندما تبنت بعض الآراء والنظريات في القرون الوسطى وصبغتها بصبغة القداسة وجعلتها من صميم آيات الكتاب المقدس! فلما تقدم بعد ذلك العلم والعلم قد ينقض بعضه البعض وتطورت المعلومات وازدادت دقة وجدت الكنيسة نفسها في مأزق واحتار المؤمنون فهم إما أن يسلموا بغير اقتناع بما ورد في الكتب المقدسة صوابا أم خطأ أو أن يرفضوا بعض ما ورد فيها مما أثبت العلم والتجربة خطأه ومجانبته للصواب وتلك هي الطامة الكبرى التي وقعت فيها المجتمعات المسيحية فقد سلطت الكنيسة برجالها المتحجرين على العلماء والباحثين الأحرار سياط عذابها ومنعت كتبهم وحرمت قراءتها وحرّقتها وحاكمتهم وأعدمت الكثير منهم ولا ذنب لهم إلا أنهم توصلوا ببحوثهم وأعمالهم العلمية الجادة إلى إثبات خطإ بعض النظريات التي تبنتها الكنيسة وجعلتها من الكتاب المقدس ولم تدم هذه الغلبة والسيطرة على الناس والعقول من طرف الكنيسة إذ سرعان ما ثاروا عليها وحددوا لها نفوذها وسلطاتها من أجل أن يتقدم العلم وتزدهر الحضارة ووقعت المناداة والتطبيق الفعلي للفصل بين الدين والدولة والعلم والدين ورفع أوروبا شعار العلمانية واللائكية والواقع أن مثل هذا الإشكال ما كان ليقع لو التزم كل طرف حدوده ولم يتجاوزها فللدين مجاله وللعلم مجاله، إن الدين يعلل والعلم يحلل الدين يجيب عن سؤال لماذا وما هي الغاية والعلم يجيب عن سؤال كيف، إن القرآن الكريم عندما يتطرق إلى اختصاصات علمية مختلفة إنما يشير إليها إشارات عابرة في سياق الإرشاد والتوجيه والإصلاح والهداية التي هي الغرض الأول والأخير من إنزاله إلى الناس، فالعلوم بمختلف أنواعها يدعو الإسلام إلى اكتسابها والتمكن منها ولا يجافيها ولا يحاربها بل يرغب فيها ويعتبرها سبيلا للتقرب إلى الله، ولئن كانت العلوم الشرعية من عقائد وفقه علوم فرض عين على كل مسلم فإن بقية العلوم هي فروض كفاية على جميع المسلمين ينبغي أن يقوم بها بعض منهم لكي لا يحتاج المسلمون فيها إلى غيرهم فلا بدّ أن يكون من المسلمين من هو مختص في الطب والفلك والكيمياء والزراعة وغير ذلك من العلوم التي يحتاج إليها كل مجتمع بشري فإذا ما اعتنى المسلمون بالعلوم الشرعية وتركوا بقية العلوم فقد خالفوا أوامر دينهم وإذا ما أهمل المسلمون العلوم الشرعية واكتفوا بالعلوم المدنية الحياتية فقد خالفوا أيضاً توجيهات الإسلام وأوامره التي تسعى جاهدة لتحقيق سعادة المسلمين الشاملة، سعادة الحياتين الدنيا والآخرة، وراحة الجسم والروح والفرد والمجتمع المادية والمعنوية، إن الإسلام يأبى على المسلمين أن يبقوا عالة على غيرهم يسألون الأمم ويستعطفونها ويستجدون منها بل الإسلام يدعو المسلمين إلى أن يأخذوا بأسباب العزة والقوة والتمكين والغلبة وذلك هو مراد قول الله تبارك وتعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) الأنفال آية. كما أن الإسلام يأبى على المسلمين أن يهملوا العلم بأحكام الدين: أوامره ونواهيه وينساقوا في تيار اكتساب العلوم المادية التقنية فقط إنهم بذلك وإن حققوا مكاسب إلا أنهم لن يظفروا بالسعادة والراحة والطمأنينة والهناء ولن تتحقق لهم مرضاة ربهم وتسديده لخطاهم وإنه لخير للمسلمين ولغيرهم من بني البشر بل إنه لخير حتى للحيوان والطبيعة والمحيط أن تكون هذه العلوم المادية الحياتية يمتلك ناصيتها مؤمن بالله من أن تكون عند كافر مادي ملحد لا يؤمن بالله لأن هذا الأخير يمكن أن يسخرها للفتك والظلم والعدوان ويوجهها للرذيلة والاستهتار والعبث بالأخلاق والأعراض فتصبح هذه العلوم نكبة ونقمة ومصيبة وخطرا يتهدد الإنسانية جمعاء، إن ما جرى في هيروشيما وفي الحربين العالميتين والحوادث النووية والغازية لهو خير شاهد ودليل على أن العلم مارد ينبغي تقييده بالتقوى والإيمان ليتوجه إلى البناء والتشييد والإصلاح وجلب الخير لبني البشر أجمعين في كلّ مكان مهما كانت أديانهم وأجناسهم وألوانهم ولم تعرف البشرية عبر تاريخها الطويل حضارة مثل الحضارة الإسلامية وهي حضارة ترعرعت في أحضان بيوت الله وكان الدافع إلى تشييدها والأخذ بأسبابها والتبحر في علومها المختلفة بغية الإحراز على مرضاة الله وجزيل ثوابه فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وان العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وأن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) أبو داود. جاء في كتاب جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر بن عبد البرّ عن معاذ بن جيل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل أهل الجنة وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الإخلاء يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة تُقتص آثارهم ويٍقتدي بأفعالهم ويُنتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تحفهم ويستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامّه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد منازل الأخيار والدرجات العُلى في الدنيا والآخرة التفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام به توصل الأرحام وبه يعرف الحلال والحرام وهو إمام والعمل تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء) فبدافع من هذه الأحاديث الشريفة انطلق المسلمون يطلبون العلوم بمختلف فروعها واختصاصاتها يبتغون من وراء ذلك خيري الدنيا والآخرة وفي رحاب بيوت الله عقدت حلقات التعليم في مختلف الاختصاصات فكانت المساجد الكبرى في بغداد ودمشق والقاهرة والقيروان وتونس وفاس وتلمسان وغرناطة وقرطبة وتمبكتو وشنقيط جامعات بأتم معنى الكلمة وعرفت البلاد الإسلامية قبل ما يزيد على الألف سنة معاهد وكليات وبيوت حكمة وكان بعض الملوك والأمراء الأوروبيين يرسلون بأبنائهم إلى هذه الجامعات للتلقي على أيدي المسلمين وظلت مؤلفات ابن الهيثم وجابر بن حيان وابن النفيس وابن سينا والخوارزمي والرازي والقلصادي وغير هؤلاء هي المصادر المعتمدة في مختلف العلوم والمعارف الإنسانية والتطبيقية وإلى عهد قريب كانت كلية الطب بمونبليي لا تحتوي على أكثر من كتاب هو كتاب ابن سينا.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.